عبد العزيز الزاوية فنان تشكيلي عصامي من مواليد مدينة آزمور سنة 1965 مقيم بدولة السويد، يتميز بحس رهيف وصفات طيبة قلما تجد لها مثيلا، إلى الدرجة التي تشعرك وأنت تحدثه للمرة الأولى أنك تعرفه منذ أمد بعيد. امتطى صهوة الإبداع خاصة في مجال الرسم وهو في مرحلة الابتدائي رغم نهي والده، الذي كان يخشى عدم تحقيقه الأفضل من النتائج على المستوى الدراسي، وبمرحلة الإعدادي و كرائد من رواد دار الشباب،استطاع أن ينمي قدراته الإبداعية و ينميها بفضل نخبة من الأساتذة خاصة الفنان التشكيلي عبد الكريم الأزهر، حيث تمكن من تلقي رفقة مجموعة من الشباب دروسا في الرسم بشكل عام مع كيفية التعامل مع الريشة والألوان والأشكال سواء بالصباغة الزيتية أوالمائية وغيرها من التقنيات المختلفة، استطاع معها من الفوز بالمراتب الأولى في مسابقات نظمت بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء سواء على الورق أو كجدارية و سنه لم يتجاوز التسعة عشر، إلى جانب هذا حضي بدروس في “الصولفيج” تحت إشراف جمعية المغرب الجديد من طرف الأستاذ السي محمد رفقي. لتبدأ مرحلة التكوين الذاتي من خلال سبر أغوار أمهات الكتب التي تعنى بالفن التشكيلي على المستوى العالمي على اختلاف مدارسها من قبيل رامبرانت و ڤانگوگ وبول گوگان وديگا ورونوار وبيكاسو ودالي وغيرهم، وعن علاقته بالفنون التشكيلية يقول ” بدأت كهواية أمارسها في أوقات لفراغي مع مجموعة هوايات أخرى من موسيقى و مسرح، لكن هواية الرسم طغت على بقية الهوايات، فوجدت نفسي أبحث في دهاليز الرسم، فجربت كل ما تقع عليه عيناي من أساليب فنية وبدون دراسة أو تمعن في المسميات لأصل لهذا الاتجاه، وبدأت برسم الواقع الذي بمحيطي كما هو وأسهب فيه، وأنتج مجموعة كبيرة لم أهتم بعرضها للناس، لأجرب المدرسة السريالية ثم التجريدية، لأجد نفسي بعد كل هذا الزخم أنخرط في خلق أسلوب خاص بي” .
ورغم القطيعة التي كانت بينه وبين الرسم لسنوات بحكم ظروف خارجة عن إرادته عاد عبد العزيز الزاوية بكل ثقله مفرغا تلك الطاقة التي راكمها لسنوات، مبدعا أعمالا نلامس فيها أحاسيسه و كل التجارب التي مر بها، خالقا بصمته الخاصة التي على حد قوله أنه مقتنع بها لما تحمله من تميز محاولا عدم الانزلاق خلف أي اتجاه آخر، وهو الذي خبر بالأسلوب الانطباعي و الواقعي ثم التجريدي. كونه ظل دائم البحث عن التعدد و التحديث في أعماله الفنية التي توافق ما بين الأصالة و المعاصرة لونا و شكلا و إحساسا، حيث يقول أنه ليس هناك حدود بين التجارب التي مر بها و المدارس الفنية التي اشتغل عليها، إذ أن هناك تكامل، مادام هناك تكامل بينه و بين الأحاسيس الباطنية وبين ما يعتري نفسه من خوالج اتجاه ما يعشقه، يقول عنه الفنان التشكيلي عبد الكريم الأزهر: “عبد العزيز الزاوية، من الأسماء التشكيلية الأزمورية التي تابعت الممارسة في المجال التشكيلي، بكل حب وبشكل جدي ومسؤول متخذا بذلك تعبيرية خاصة في تناول الموضوع، حيث انطلق في البداية بأعمال لها أرضية الدراسة باعتماد تعبيرية انطباعية في التعامل مع الشكل واللون. ولازلت أذكر مشاركته معنا سنة 1983 في معرض جماعي بأزمور، ضم مجموعة من الشباب التشكيليين الأزموريين ورسام إيطالي، كان في إقامة بأزمور. عبد العزيز الزاوية إنسان طموح يعمل بعشق كبير، معتمدا على حسه الصادق الذي لا يخونه أبدا. وكما ذكرت أعماله في البداية اعتمدت على ما هو واقعي ببعد انطباعي وتعبير بعيدا عن النقل المطابق، فنجده تارة يعتمد ألوانا يحسن توزيعها بشاعرية خاصة أو بألوان أحادية”monochrome”. يعتمد لذلك عدة تقنيات، عمل على تطويرها بإعطاء ما هو تجريد و في حلة إبداعية لتراكيب عن طريق اللون والشكل والخط “. ورغم قلة مشاركاته في المعارض، فقد استطاعت لوحاته أن تشكل نفسا غبداعيا له عدة قراءات، فكل لوحة عند عبد العزيز الزاوية هي عبارة عن تشكلات وتدفقات غنية بالحيوية، تتحرك وفق خصائص تعبيرية مركبة و متناغمة تتأرجح بين الارتفاع والانخفاض و السرعة و التباطؤ، مشكلة سمفونية لونية تمتاز بالدقة، ترحل بنا في عوالم ممتدة لا حدود لها من الخيال والحلم بطريقة إبداعية تأسر الناظر، نرى من خلالها الكل من خلال الجزء، يظهر على المسطح البصري على شكل تكوينات وعوالم تطفو على جسد الذاكرة البصرية، أعمال تحيلنا على ما تختزنه الذاكرة بصورة سريالية و رمزية غاية في الدقة، قد تكون فضاءات مرتبطة بجانب من طفولته والمدينة التي ترعرع فيها و خبر دروبها و ازقتها و عادات و تقاليد أهلها، هي صور ظلت ملازمة للفنان في غربته توقظ في نفسه الحنين على نحو أقوى و أشد، الشيء الذي يجعل المتلقي يبذل جهداً لقراءة تلك الشفرات اللونية وأشكالها المتباينة، التي يحاول الفنان من خلالها خلق علاقة حميمية بينها وبين المتلقي.
< بقلم: محمد الصفى