مؤسف جدا ألا أحد يهتم بنظافة محيطات المؤسسات التعليمية، وأن تكون فضاءاتها الخارجية وأسوارها خارج اهتمامات المسؤولين والمنتخبين وفعاليات المجتمع المدني. بل إنها أصبحت أكثر استهدافا من طرف العابثين والمشاغبين وساكنة الجوار.
ومؤسف جدا ألا يجد مسؤولو تلك المؤسسات التعليمية من سبيل لحماية التلاميذ والوقاية من العفن الخارجي والانفلات الداخلي سوى تعلية الأسوار وتمتينها، وإهمال محيطاتها الخارجية المفروض أنها تبرز وجهها الخارجي وهويتها التربوية الصرفة، وأن عليهم الدفاع والترافع من أجل تنقيتها وتطهيرها وتزيينها وفق ما يصب في مصلحة المتعلمين. لم يجد المسؤولون عن قطاع التربية والتعليم ببلادنا من حلول، لمنع التلميذات والتلاميذ من تسلق الجدران والتسلل إلى خارج المؤسسات التعليمية، أو احتواءهم وحمايتهم من المحيط الخارجي، حيث المخدرات وحبوب الهلوسة والفساد الجنسي، سوى التنافس في تعلية أسوار تلك المدارس. بل هناك من ألصقوا أسلاكا شائكة وبقايا الزجاج على سطوح تلك الأسوار، وكأنهم يؤثثون لسجون ومعاقل.. ويحرسون مجرمين وإرهابين، وليسوا فقط تلاميذ قاصرين في حاجة إلى التربية على الأخلاق الحميدة والوطنية الحقة، والتعليم النموذجي الموازي لأسواق الشغل والضامن لنهضة وتنمية هذا البلد الأمين.
كلما زاد العنف بضواحي تلك المؤسسات، وكلما تزايد عدد المتسللين من التلاميذ إلى خارج الحرم التعليمي، كلما تمت المطالبة بزيادة علو تلك الأسوار وتحصينها. إنها ثقافة الردع والقمع التي ترسخت في أذهان القيمين على هذا القطاع الحيوي. والتي ولدت ثقافة الرد والانتقام والتحدي، سواء من طرف التلاميذ أو لدى من يفسدون بمحيط المدارس والذين يفرضون أمنهم الخاص في غياب لأدنى حماية خارجية من ممثلي السلطات ولا المنتخبين ولا الأجهزة الأمنية، التي تكتفي بدوريات وزيارات ناذرة لما يعرف بالأمن المدرسي.
لا أحد ينكر الدور الواقي الذي تؤديه تلك الأسوار. لكن ألم يكن من الطبيعي والبديهي أن يكون علو الأسوار لا يتعدى سقف نظر التلاميذ على أعلى تقدير؟؟ ولما لا إحداث بدلا منها سياجا واقيا وشفافا، ومنعشا لعقول هؤلاء الأبرياء. فقد أصبح التعثر الدراسي والشغب داخل المدارس وبمحيطها، يقاس بمستوى علو أسوارها. وما ينسج بها من رسوم وكتابات وحفر و.. على أسوارها وجدران أقسامها ومراحيضها.. وما تتعرض إليه ملاعبها الرياضية وفصولها وحدائقها من إتلاف وتخريب.
وكلما علت أسوار المؤسسات، كلما اتضح تدني عطاءها التربوي والتعليمي. وكلما تفرقت أذهان التلاميذ، بين مستاءين من تحويل مدارسهم إلى سجون، وبين الراغبين في التحدي والباحثين عن منافذ جديدة للتسلل. بعد أن وقفوا على عجز الإدارة التربوية وقصور أداء مهامها في التوعية والتحسيس والتقويم التربوي والسلوكي.ويرى آخرون في تعلية الأسوار، فرص للاختباء بعيدا أسرهم، وفرز سلوكيات مرفوضة، ناذرا ما ينتبه إليها المشرفون والمدرسون..
تفتتح المؤسسات التعليمية بالمغرب أبوابها كل موسم دراسي، على موجة الصباغة والطلاء والحدادة والنجارة. الموجة المفروض ألا تكون عابرة، من أجل تلميع الصور، والتغطية على ما يجري ويدور داخلها من معاناة. الكل يعاني والكل متسبب في تلك المعاناة.. وأكثر من هذا.. أصابع الاتهام تصوب هنا وهناك ولا أحد اعترف بنصيبه في ما يجري ويدور. ولا أحد انتبه إلى ضرورة فرض احترام «حرمة تلك المؤسسات» وسط الأحياء السكنية. إذ لا يعقل أن تتحول أسوارها إلى مرابط للحمير والبغال وخيام الباعة المتجولين، وأماكن لنشر الغسيل وتثبيت الملصقات.. ويتحول محيطها إلى جوطيات وفضاءات لبيع مواد البناء. ولا يعقل أن يكون محيط تلك الأسوار هو المكان الوحيد للتبول والتغوط، و وضع حاويات الأزبال، والتي يرفض كل سكان الجوار، أن توضع أمام منازلهم.
أسوار المؤسسات هي سبورات مفتوحة ودفاتر «الوسخ»، يمكن لأي كان أن يكتب عليها ما شاء وبما شاء. صباغة، فاخر «فحم خشبي»، مواد كيماوية.. بل إن هناك آباء وأمهات يتلذذون ويستمعون بما يخططه أطفالهم على تلك الأسوار..
لابد من ترسيخ ثقافة التحسيس والتوعية داخل المجتمع من أجل تقديس المدارس إلى جانب تقديسهم للمساجد، وفتح المجال للأطر التربوية والإدارية من أجل تخليق التلاميذ قبل تعليمهم برامج دراسية في حاجة إلى المراجعة والتعديل. ولابد من ترسيخ ثقافة تحصين الفكر بالتربية على المواطنة، والقيم النبيلة. وتمكين التلاميذ من الآليات والعتاد اللازمين لتوظيف دركيين داخل عقولهم.. يؤمنون لهم طرق التعامل مع كل متطلبات الحياة..
بقلم: بوشعيب حمراوي