الفنان التشكيلي المصطفى بنوقاص فنان مميز ومرهف الحس، من مواليد مدينة الجديدة، عشق اللوحات التشكيلية وبرع فيها ومالت سجيته لفن البورتريه بعشق فنال درجة البراعة فيه أيضا، كافح وجاهد طوال حياته العملية إلى أن وصل إلى هذه المرتبة من الإجادة ، ولقد عقد العزم على أن يجعل ريشته لا تنتج سوى كل ما هو مبهر مما جعله ينال حب وتقدير نقاد وجماهير فن التشكيل، تعلم الرسم على الكثير من المدارس والحركات والأساليب الفنية، فاشتغل على الكلاسيكية والواقعية الإنطباعية والتعبيرية والتجريد التشخيصي، لكنه وجد ذاته في الواقعية والانطباعية و التشخيص وحاول المزج بينهما، فهو يرسم بشغفه، حيث تنصهر معه المشاعر في عوالم اللوحة، وتنبض بالأصالة، تسحر المتلقي وتحتفي به وتحلق به في ملكوت الجمال المتدفق بلا حدود تسافر بك لوحاته لعدد من مناطق المغرب و كأنك في جولة سياحة لمعالمه و طبيعته و تضاريسه و عادات و تقاليد شعبه الغنية بكل موروثها الثقافي و التاريخي .
يعد من الفنانين العصاميين القلائل الذين احترفوا لتشكيل و اعتمدوا عليه كمرد رزق لأكثر من أربعين سنة رغم كونه حاصل على الإجازة شعبة التاريخ. التشخيص بالنسبة إليه كما يقول هو توغل في عمق الصورة وتفتيت علاماتها التي قد ترى مألوفة المشهد ولكنها تفصله و تحدده من منطلقات الواقع واللحظة والمكان و الحالة، بدقة تمازج الشكل واللون والضوء والملامح في الرسم الرومانسي الواقعي والتعبيري و بالخصوص في تجارب المستشرقين والرواد حيث يلامس محتوى الطبيعة والملامح وخصوصية المنطقة وهو ما جسده في أعماله.
شارك الفنان المصطفى بنوقاص في عدد من المعارض و الملتقيات الوطنية والدولية إضافة إلى كونه يجعل من مرسمه معرضا مفتوحا في وجه عشاق الفن التشكيلي، لقد استطاع أن يصنع إرثا فنيا قد تتداوله أجيال و أجيال، نظرا لكونه يدمج في توليفته اللونية الحركة و الانفعال بالحالة و المكان فيحملنا غلى سردية بصرية تحكي عن تلك الملامح بكل تفاصيل عمقها المحسوس المتنقل إلى القماش و المنفجر في عناصر اللوحة اللونية والضوئية، فهو يتقنها بانسيابية تتجول بالمتلقي عبر الملامح التي تعكس كل منها قصة من العيون إلى حركة الوجه، فنان يتناغم مع الفرشاة والألوان فتأتي لوحته متناغمة لإحساسه كما كان يريد بشكل فني يضم الصمت والهدوء والنقاء الروحي وبلمسات فنية توحي معاني راقية ومضامين جلية التكوين، فالأشكال لديه لا تنغلق على نفسها بل تبحر مع الألوان في علاقات قد تكون مبهمة أوجلية تولد مع فضاء اللوحة وضربات الفرشاة التي تعطي كل ما هو جميل وفق إحساس وفكر راقي، و قد ساهم تكوينه الذاتي من خلال البحث و التنقيب في عدد من المراجع و الكتب التي تعنى بالفن التشكيلي على المستوى العالمي من إغناء مداركه التشكيلية و تطوير وسائل و أدوات اشتغاله، كما ساهم في جعله مكونا، حيث تأطر على يده عدد من شباب المدينة و أطفالها من خلال ورشات تكوينية بالمؤسسات التعليمية أو الاجتماعية، فضلا عن إنجازه لمنجز في التشكيل عنونه ب” التشكيل من الماضي إلى الحاضر”، لخص فيه جملة من التجارب لعدد من التشكيليين المغاربة على مدى عقد من الزمن، باختلاف مدارسهم والذين كان لهم الفضل في تطوير هذا الفن على المستوى الوطني.
< محمد الصفى