تحل غدا الثلاثاء ذكرى الاحتفاء العالمية بالمدرس، وسط أجواء مشحونة بمعاناة عدة فئات تعليمية ماديا ومعنويا، وضبابية المسار التعليمي، واستمرار اعتبار الأستاذ (ة) الشماعة التي يعلق عليها المسؤولون فشل برامجهم ومخططاتهم ورؤاهم. تواطؤ الكل من أجل النيل من سمعته وشرفه، وقتل روح التربية والتعليم في داخله. فقد المعلم هيبته، لا قيام ولا تبجيل ولا تقدير، ولا حتى وقار، المفروض أنه الأستاذ والأب والمربي. حيث بات يتلقى المهانة والسخرية والتهم الملفقة من التلامذة والآباء والوزارة الوصية. لم تعد تحق عليه الأبيات الشعرية التي تغنى بها في حقه، أمير الشعراء الراحل أحمد شوقي، بعد أن نسجت الحكومة بديلا لها في صيغة جديدة مطلعها (قم للمعلم وفِّه “التبهديلا” كاد المعلم أن يكون مغبونا).
لابد إذن على حكومة السيد أخنوش أن تضع برنامجا تنمويا تعليميا جديدا، بالاعتماد على المدرس، من أجل تشخيص وتشريح واقع التعليم، واقتراح الآليات والسبل الكفيلة بنهضته، ولابد من تغيير حتى اسم الوزارة الوصية التي لا تتضمن كلمة (التعليم المدرسي)، وتكتفي بكلمتي (التربية الوطنية) لأن هذه التربية هي واجبة على كل المغاربة داخل وخارج فصول الدراسة وبغض النظر عن أعمارهم، ويمكن أن تلقن دروسها داخل كل المرافق والقطاعات العمومية والخاصة، ونحن في حاجة إلى التعليم الذي افتقدناه وسط زحمة الكتب والبرامج ورؤى المنظرين القصيرة.
ماذا أعد للاحتفاء غدا بعيد المدرسات والمدرسين العالمي، الذي يصادف الخامس من أكتوبر من كل سنة؟. وبماذا ستكافئ هذه الفئة التي كادت أن تبلغ مقام الرسل والأنبياء؟. وهل ستكتفي الوزارة الوصية بإصدار مذكرة وزارية سنوية روتينية، ورسالة تهنئة منسوخة ومكرورة تداري بها عما ارتكبته من حماقات وتجاوزات في حقهم طيلة السنة الدراسية؟. أسئلة كثيرة ومتنوعة يطرحها رواد قطاع التربية والتعليم مع حلول هذا المناسبة التي يحتفي بها العالم منذ أزيد من ربع قرن. المناسبة التي تم إقرارها من طرف الأمم المتحدة، بتاريخ خامس أكتوبر 1994. وقد مرت 55 سنة على انعقاد أول مؤتمر للحكومات العالمية بشأن التربية والذي صادقت خلاله على توصيات مشترَكة بين «اليونسكو» ومنظمة العمل الدولية بتاريخ خامس أكتوبر 1966.
حل العيد، وآثار الجراح العميقة لازالت لم تندمل. جراح الآلاف من المدرسين الذين أرغموا على الشغل بالتعاقد بعيدا عن الوظيفة العمومية. وجراح مجموعة من الفئات المقصية من الإدماج والترقي و.. جراح العبث والاستخفاف التي يتجرعها مجموعة من الأطر التربوية بسبب قرارات الوزارة الوصية أو أكاديميات التربية والتكوين أو المديرية الإقليمية أو حتى رؤساء ومديري المؤسسات التعليمية. أو بسبب بنيات المؤسسات وضعف أو غياب التجهيزات. بل هناك من أساتذة الابتدائي من يرغم على تدريس عدة مستويات داخل فصل واحد، وهناك من يرغم على تدريس مادة لا تدخل في تخصصه و.. زد عليها ما يمارس على المضربين والمحتجين المطالبين بإنصافهم، حيث يتعرضون للتوبيخ وتتعرض رواتبهم الشهرية للاقتطاعات.
بالمغرب.. لا أحد من أعضاء الحكومات التي تعاقبت على تدبير شؤون البلاد فكر في إنصاف التلميذ والمدرس والأطر التربوية. بل إنهم أتوا على الضوء الخافت وبصيص الأمل الذي كانت تتشبث به الأسر المغربية، طمعا في مستقبل راق لأطفالها.
تستمر أساليب استهداف الأستاذ والتقليل والتنقيص من شخصيته وقيمة مهنته النبيلة. بل بلغت حد ضربه في شرفه وجيبه وتقاعده. فرغم أن صندوق المقاصة ظل يقتطع من أجور المدرسين وكافة الموظفين بانتظام، ورغم أن مدبري هذا الصندوق الذين أفرغوه وتسببوا في الأزمة المالية هم من داخل الحكومة. إلا أن هذه الفئة ومعها باقي الموظفين البسطاء كتب عليهم تحمل فراغ الصندوق.. كما يستمر مسلسل استهداف الأسر بتشتيت تفكيرهم وجعلهم ينشغلون عن أطفالهم، وزرع التفرقة بين الآباء والمدرسين والأطر الإدارية والتربوية. وترسيخ عدم الثقة بين الثلاثي (الأسرة، المدرس، الإدارة) المفروض أنه الضامن لصحة وسلامة العملية التعليمية. ليتسبب ذلك في إحباط التلاميذ وسخط بعض المدرسيين. محاولات ضرب قطاع التربية. باعتماد التعاقد في التشغيل، والتخلي عن مراكز التكوين المقننة. والخاضعة لبرامج ومناهج دقيقة. وإخضاع المتعاقدين لتكوينات قصيرة وعشوائية. والنموذج الحالي الهادف إلى (فرنسة) المواد العلمية، وفرض التدريس باعتماد أطر معربة. حيث تفتقت عبقرية مسؤولي الوزارة إلى فرض اختبار هؤلاء من أجل لغة (أكل عليها الدهر وشرب) ولم تعد صالحة حتى للحكي والغزل.. وهي أمور تؤكد أننا ماضون في إغراق القطاع ورواده.
عيد المدرس الذي تبنته الوزارة احتراما للالتزامات الدولية، أقرته إلى جانب باقي الأعياد والأيام الوطنية والعالمية (عيد المدرسة، اليوم الوطني للآباء وأولياء أمور التلاميذ…). وتحرص على إصدار المذكرات المطالبة بالاحتفاء بهذه المناسبات وتحرير رسالة التهنئة. ولا توفر الإمكانيات المادية واللوجيستيكية اللازمة. وتكتفي بالتنصيص على الاحتفاء بها وفق برامج وأنشطة يصعب تطبيقها، بسبب الاكتظاظ وكثرة ساعات العمل وانعدام قاعات للأنشطة، بل حتى للدعم المدرسي.
فهل يدرك هؤلاء.. قادة التربية والتعليم أنهم رسبوا في القيادة، وعليهم التنحي والاعتذار.. وأن قطاع التربية والتكوين الذي سطره ملك البلاد في مرتبة الوصيف، بعد الوحدة الترابية. لم يحظ بقادة في مستوى الريادة؟. وهل يعلمون أنهم وضعوا التعليم بالمغرب في متاهة التسيير والتدبير.. وأفقدوا الأساتذة بوصلة التدريس والتكوين؟. كما أفقدوا التلاميذ شهية التربية والتعليم. فكم من بلد كد واجتهد ونال تعليما وفق ما اشتهاه، وكم من بلد لازال يبحث عن مسار صحيح يمكنه من مبتغاه. وكل عام وعيد أساتذتنا سعيد بلا سعد.
بقلم: بوشعيب حمراوي