ما سمي فضيحة: «الجنس مقابل النقط» بجامعة سطات، والمعروض حاليا أمام القضاء، ليس قضية بسيطة تغري بمتابعة مستجداتها المثيرة أو تحمل جاذبية كبيرة لدى الرأي العام الوطني، ولكنها تحيل على وضع كارثي يرعبنا كلنا، ويجعلنا نخشى المستقبل، ذلك أن الأمر يتعلق بالجامعة المغربية، وبمستقبل ومصداقية الشهادات الوطنية والمستويات المعرفية لأبناء وبنات المغاربة.
من هذا المنطلق، يعتبر الأمر خطيرا ويجب التعاطي معه بالكثير من الجدية والصرامة..
لم يبدأ الأمر مع ما شهدته مؤخرا جامعة الحسن الأول بسطات، ولكن سبق أن تابع الرأي العام قضية مثيرة أخرى حول الماستر والدكتوراه من جامعة فاس، وتناقلت عديد مجالس قصصا عديدة حول دفع رشاوى مالية وغير مالية للحصول على النقط والشهادات أو من أجل التسجيل في سلكي الماستر أو الدكتوراه في كليات مختلفة، وكل هذا ليس متخيلا وإنما هو من ظواهر واقعنا الجامعي مع الأسف.
هل يعني هذا إدراج كل مدرسي الجامعات عندنا بشكل إطلاقي واتهامهم جماعيا بالتورط؟ طبعا، لا، والمقاربة الإطلاقية في كل شيء تعتبر فجة وتحاملية وبلا قيمة.
لقد كانت النقابة الوطنية للتعليم العالي في بلاغها الأخير على حق فعلا عندما رفضت هذه الإطلاقية بالذات، وأدانت حملة التشهير التي قد تكون مست كافة الأساتذة الجامعيين، واستهدفت المرفق العمومي في التعليم والتكوين والبحث، وكانت أيضا على حق عندما قابلت رفضها هذا بإصرارها على محاربة الابتزاز والتحرش، ودعت إلى التعامل مع ذلك بأقصى درجات الصرامة وحفظ الحقوق.
وفي كل الأحوال، القضية ليست فئوية أو قطاعية، ولكنها باتت قضية المجتمع برمته، وهذا المجتمع يدافع عن جامعته الوطنية.
إن الجامعة، وفضلا عن دورها التلقيني والمعرفي والتأطيري والتكويني، اعتبرت دائما فضاء لتنمية الوعي العام للطلبة وإعدادهم لمسارات الحياة فيما بعد، كما عرفت بكونها منارة لانفتاح الأفكار والعقليات وإشعاع قيم الحرية، وأيضا سلوكات الجدية والمسؤولية والنضج، ولكل هذا نحن جميعنا مدعوين اليوم للدفاع عنها وصيانة هويتها ومصداقيتها.
ما جرى بسطات يفتح عيوننا على أهمية التفكير في تكوين الأساتذة أنفسهم، وفي تطوير منظومات التدريس والامتحان والتقييم، وفي أشكال تدبير الحياة داخل الجامعة، وكل هذا يجعل القضية أكبر من لوك تطورات قصص بوليسية وجنسية تثير اهتمام وحتى غرائز من يتابعها، ولكنها تحيل على واقع الجامعة والتعليم العالي ومستقبل كل هذا في بلادنا.
القضية إذن ليست معزولة، ولكنها تستدعي النظر أيضا في واقع التدريس والمقررات والمناهج والأهداف وأشكال التدبير وتكوين الأساتذة وإدارة الموارد البشرية والعلاقات داخل الجامعة ومستويات الخريجين فيما بعد وحضورهم في سوق العمل وفي الدورة الإنتاجية الوطنية بشكل عام، وكل هذا يندرج ضمن عنوان مركزي كبير هو الإصلاح الحقيقي للتعليم، وخصوصا الجامعي منه، والإنصات لممثلي الأساتذة وتثمين أدوارهم الترافعية والاقتراحية والتأطيرية….
أما ما جرى في سطات، وقبل ذلك في فاس، وما يرويه الكثيرون من جامعات أخرى منذ سنوات، فهو الواقع الذي نجم عن كل الاختلالات أعلاه، وبالتالي هو نتيجة لتفكير وتدبير لا بد أن يتغيرا حتى نستطيع التطلع إلى نتائج مختلفة تعيد لجامعتنا المغربية جاذبيتها ووقارها ومصداقيتها.
محتات الرقاص