بعد انتهاء العطلة المدرسية البينية، عاد التلاميذ والطلبة إلى مقاعد الدراسية على إيقاع تدابير احترازية أكثر تشددا، خاصة مع ارتفاع حالات الإصابة بالمتحور أوميكرون على الصعيد الوطني خلال الأسابيع الأخيرة، وعودة هاجس توحش وباء كوفيد 19.
وفي هذا الصدد، وجه وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى، أول أمس الاثنين، مذكرة جديدة إلى مديري الأكاديميات ومديري مؤسسات التعليم العمومي والخصوصي وعموم الأساتذة، بشأن تدبير الدراسة خلال الفترة المتبقية من الموسم الدراسي الحالي.
وأكد بنموسى أن مقاربة الوزارة في تأمين الدراسة خلال الجائحة تقوم على أساس الاستمرارية البيداغودجية وفق أنماط تربوية تتناسب مع تطور الوضعية الوبائية، مع إعطاء الأولوية لنمط التعليم الحضوري. لكنه اعتبر أن ارتفاع مؤشرات الحالة الوبائية الوطنية مؤخرا يستدعي “الرفع من مستوى اليقظة” و”اعتماد مقاربة استباقية” لتدبير الوضع بناء على “الالتزام الصارم والدقيق” بالتدابير الاحترازية، و”الاستعداد لتنويع الخيارات والأنماط التربوية بما يحقق التوازن الأمثل بين التحصيل الجيد والحفاظ على الأمن الصحي لرواد المؤسسات التعليمية”.
وكما سبق أن أوضح الوزير خلال جلسة الأسئلة الشفوية في مجلس النواب أول أمس، أكدت المذكرة بدورها أنه سيتم تدبير الدراسة من خلال اعتماد نمط “التعليم الحضوري” في المؤسسات التي يمكن فيها تحقيق التباعد الجسدي وكلما استقرت الوضعية الوبائية، واعتماد النمط التربوي بالتناوب، الذي يزاوج بين “التعلم الحضوري” والتعلم الذاتي المؤطر من طرف الأساتذة”، وذلك في الحالات التي تستوجب تطبيق التباعد الجسدي بالفصول الدراسية، وتفويج التلاميذ. وتابع الوزير أنه سيتم اعتماد نمط “التعليم عن بعد” في حالة إغلاق الفصل الدراسي أو المؤسسة التعليمية طبقا لما هو منصوص عليه في البروتوكول الصحي للمؤسسات التعليمية، أو في الحالات الحرجة التي توصي فيها السلطات المختصة بتعليق الدراسة الحضورية.
كما وضعت المذكرة إجراءات صارمة، أمام مديري المؤسسات والأساتذة والتلاميذ، لتفادي وقوع أي انتكاسة وبائية، وبالتالي إغلاق المدارس، مؤكدة على تكثيف الزيارات التفقدية للجان للمراقبة إلى المؤسسات التعليمية من أجل الوقوف على مدى التزام هاته الأخيرة بالتدابير الوقائية المعتمدة.
ومن بين الإجراءات التي نصت عليها المذكرة كذلك، تهوية القاعات، احترام التباعد، تعقيم اليدين وارتداء الكمامة، تفادي التجمعات، مواصلة عملية التلقيح وإجراء فحوصات بين الفينة والأخرى.
وطالب الوزير، ضمن نفس المذكرة، المدراء بالتتبع اليقظ والمستمر للنشرات والمعلومات والتوجيهات الصادرة عن السلطات المحلية.
وفي إطار الاستعداد الضروري لاحتمال اختيار نمط التعليم عن بعد، والذي يتم إقراره، كما تقول المذكرة، حسب الحالة الوبائية داخل المؤسسة التعليمية وعلى المستوى الإقليمي، بتنسيق مع السلطات التربوية، والترابية والصحية المحلية، أكدت المذكرة على أهمية تجويد الأنماط التربوية و”تطوير التعليم الرقمي ليصبح مكملا للتعليم الحضوري”، وذلك من خلال تجويد المحتويات التعليمية الرقمية وعملية التخطيط للتعلمات، وإحكام تأطير عملية التعلم الذاتي من قبل هيأة التدريس”. كما أكدت المذكرة على ضرورة اتخاذ كافة التدابير الكفيلة بتقليص الفجوة الرقمية بين المتعلمات والمتعلمين، وتجاوز العراقيل التي عرفتها تجربة التعليم عن بعد بسبب مشكل عدم الربط بشبكة الأنترنت وعدم التوفر على التجهيزات المعلوماتية.
وشكل هاجس عودة التعليم عن بعد انشغالا أساسيا بعد أن سرت شائعات خلال العطلة البينية الثانية باحتمال تمديد العطلة مع ارتفاع حالات الإصابة بمتحور اويكرون. ورغم أن الحكومة حسمت هذه الشائعات وأعلنت العودة إلى المدارس في موعدها، إلا أن ذلك لم يمكن من وضع حد نهائي لتخوفات الإدارة التربوية وآباء وأولياء التلاميذ على حد سواء من عودة تجربة التعليم عن بعد بما لها وما عليها.
وبالفعل، فإن العطلة المدرسية البينية لم تكن كذلك بالنسبة إلى العديد من الأطر التربوية الذين كان عليهم إعادة إرساء البروتوكول الصحي في المؤسسات التعليمية استعدادا لاستقبال التلاميذ في ظروف أكثر التزاما بالتدابير الوقائية بعد فترة من التراخي النسبي. كما تمت مراسلة آباء وأولياء التلاميذ من أجل العودة إلى الالتزام الصارم بكافة الإجراءات الاحترازية من إلزامية ارتداء المتمدرسين للكمامات الصحية وتزويدهم بالمعقمات والمواد الصحية واحترام مواعيد الدخول والمغادرة، مع مراقبة الحالة الصحية للأطفال الصغار والحرص على إبقائهم بالمنزل في حال ظهور أية أعراض.
وتسيطر نفس الهواجس كذلك على الأساتذة الذين شرعوا مباشرة بعد العطلة في حث التلاميذ على ضرورة التعبئة من أجل استكمال الدروس وإجراء فروض المراقبة المستمرة بوتيرة مناسبة حتى لا يتسبب أي إجراء مفاجيء في إرباك الزمن المدرسي والمنهاج الدراسي. أما آباء وأولياء التلاميذ فقد عاشوا أيام العطلة البينية على إيقاع الشائعات والتخوفات من تمديد العطلة ومن إقرار التعليم عن بعد في أي لحظة كما حدث في وقت سابق بسبب الارتباك الذي عرفه تدبير العملية التربوية على عهد الحكومة السابقة.
وفي هذا الصدد، قال محمد النحيلي، رئيس جمعيات أباء وأولياء التلاميذ في مؤسسات التعليم الخصوصي، إن التخوف من العودة إلى تجربة التعليم عن بعد يبقى دائما حاضرا وسيستمر تبعا لاستمرار الجائحة وتطور الحالة الوبائية ببلادنا، لكن التفكير الإيجابي يسير باتجاه الاستفادة من التقييم الموضوعي لتلك التجربة التي تم الإجماع على صعوبتها وعدم تحقق النتائج المرجوة منها. وهو نفس الاتجاه، يقول النحيلي، في اتصال أجرته معه بيان اليوم، يوم أمس، الذي ذهبت إليه الوزارة الوصية من خلال إصدار مذكرة أول أمس، حفاظا على المكتسبات المحققة خلال هذه السنة وحرصا على إعطاء الأولوية للتعليم الحضوري مع ضمان صحة وسلامة المتمدرسين.
واعتبر النحيلي، في نفس الوقت، أن الوزارة ما زالت مطالبة بإجراء المزيد من التعديلات على عملية تدبير الزمن المدرسي في الفترة المتبقية من السنة الجارية، وذلك من خلال إعادة النظر في الجدول الذي تم إقراره في وقت سابق على عهد الوزير أمزازي والقاضي بتمديد السنة الدراسية إلى نهاية شهر يوليوز المقبل. ويرى النحيلي أن هذا القرار كان خاطئا ويتناقض مع التدابير الاحترازية ومع الرؤية الاستشرافية لتحضير آمن للموسم الدراسي الموالي (2022-2023)، حيث سيتزامن شهر يوليوز المقبل مع عطلة عيد الأضحى التي تعرف ارتفاع عدد الأسفار والتجمعات العائلية، مما يقوي أيضا احتمالات ظهور البؤر العائلية وانتقالها إلى المدارس إثر عودة التلاميذ بعد عطلة عيد الأضحى.
سميرة الشناوي