كانت الأسماء الإبداعية في مختلف المجالات: القصة، الشعر، المسرح، التشكيل.. إلى غير ذلك، حتى وقت قريب، معدودة جدا، إلى حد أنه يمكن تذكر أسمائها دون عناء، بالنظر إلى أن الساحة الثقافية كانت لا تزال بكرا، إذا صح التعبير، غير أنه في العقدين الأخيرين على الأقل، تضاعف حضور المبدعين على اختلاف اتجاهاتهم.
في هذه السلسلة، تفتح جريدة بيان اليوم، على امتداد الشهر الأبرك، نافذة للإطلالة على عوالم الأسماء البارزة الممثلة للجيل الجديد، وللإصغاء إلى انشغالاتها وطموحاتها.
القاص سفيان البرّاق: أحاول قدر الإمكان أن أقزم علاقتي بالوسائط الرقمية لأنها تستنزفني
للقاص سفيان البراق، ثلاث مجاميع قصصية، غير أن مجموعته الثالثة التي تحمل عنوان “مرافئ العشق” تشكل نقلة نوعية في تجربته الإبداعية. يسعى من خلال ما يكتبه إلى تجديد قيم الإنسانية بالدرجة الأولى التي استبد بها الأفول، حسب تعبيره.
< كيف انخرطت في مجال الإبداع؟
> انخراطي في الكتابة الإبداعية، عبر القصة القصيرة، كان عبر مراكمة مجموعة من القراءات النّوعية لأساطين الأدب العربي، خاصة في القصة القصيرة والرواية. لأن تجاربهم الكبيرة تلهم كل من تسكع بين ردهات تحفهم السردية الأدبية البديعة. أعتقد أنه لا وجود لكاتب لا يحمل لقب صفة “الكاتب” صفة القارئ؛ قارئ نهم يقرأ بشره كبير جدا. ولهذا يمكنني القول إن انخراطي في الإبداع كان كقارئ في البداية ثم بدأت أتقفى خطى الكتابة برصانة.
< ما هي أهم أعمالك الإبداعية؟
> نشرت لحد الآن ثلاث مجاميع قصصية. التجربتان الأوليتان كانتا مليئتين بالهنات، قبل أن أعقد العزم على تجاوزهما بكل حزم وثبات. تتمثل هذه الهفوات في طريقة كتابتي التي كانت تبتعد عن قواعد القصة القصيرة في عدد من القصص الواردة فيهما، إلا بعض القصص التي صنعت فيها الاستثناء، ثم إن أسلوبي لم يكن رشيقا بما فيه الكفاية، فكانت عباراتي عرجاء ومكتظة بالعورات اللغوية، لكن احتكاكي بالنصوص الثقيلة والنوعية عجل بضمورها بشكل كبير جدا.
قبل شهرين من الآن، أصدرت عملا قصصيا جديدا، هو الثالث لي، وقد وسمته بعنوان: “مرافئ العشق”. صدر عن دار ويلوز هاوس للنشر بجنوب السودان في طبعة أنيقة جدا. وقد شكل هذا العمل ثمرة اشتغال لسنتين من القراءة والكتابة والمراجعة. وقبل أن أقرر تقديمه لناشر ما، ارتأيت أن أتقدم به لجائزة معينة حتى أعرف نقاط قوته وضعفه، فحظي بالتأهل للقائمة الطويلة لجائزة كتوبيا للنشر، في دورتها الأولى، سنة 2020.
< ما هي الرسالة التي تحملها هذه الأعمال؟
> الرسالة التي أرمي إلى تبليغها من خلال ما أكتب هي تجديد قيّم الإنسانية بالدرجة الأولى التي استبد بها الأفول. وأتذكر، في هذا المضمار، قولة بليغة قالها الرئيس الفرنسي الأسبق شارل دوغول عندما سئل عن اهتمامه الكبير بالروائي الفرنسي أندري مالرو، الذي تقلد منصب وزير الثقافة آنذاك، فأجاب باقتضاب: “يرافقني أندريه مالرو، حتى لا أنسى إنسانيّتي”. إن الأدب يقترن، على مر تاريخه المجيد، بالإنسان وقضاياه الكبرى، وهذا ما يخبرنا به تاريخ الأدب. كما أنني أنكب على معالجة قضايا اجتماعية منطلقا من الواقع، ومعتمدا على رمزية الدلالات والإيماءات.
< ما هي الأعمال الإبداعية التي كان لها أثر على تجربتك الإبداعية؟
> كانت لأعمال عبد الرحمن منيف ونجيب محفوظ وحنا مينة والطيب صالح، وقبلهما ما كتبه جبران خليل جبران ومحمود درويش، بالغ الأثر على تجربتي الفتية والمتواضعة. هؤلاء هم أساطين الأدب العربي المعاصر، إضافة إلى أسماء لا تقل مكانة عنهم لا يسع المجال لذكرها. استلهمت الكثير من أعمالهم، إلى درجة أني صرت متيّما بأعمالهم السردية والشعرية.
< هل يمكن الحديث عن منحى تجريبي في إنتاجك الإبداعي؟
> كل عمل إبداعي، قبل إنتاجه النهائي، يمر عبر مراحل تجريبية في غاية الأهمية. أنا أفعل ذلك دون نية مسبقة، وذلك يكون عبر جسور خفية. وكلما سبر الإنسان في عالم الكِتابة إلا واتضحت له رؤى جديدة لم يدركها من قبل، وذلك يتم من خلال التجريب.
< كيف هي علاقتك بالتواصل الرقمي؟
> هي علاقة تحتمل مسافة لا بأس بها. لأنني لست من الذين يفضلون الانغمار في منصات التواصل الاجتماعي بالساعات. أحاول قدر الإمكان أن أقزم علاقتي بها لأنها تستنزفني كثيرا. هذه بعض مساوئها أما حسناتها فقد لا تنقضي عدا: معرفة جديد الكتاب والمبدعين سواء في المغرب أو في العالم العربي، تكوين علاقات صداقة متينة مع مثقفين وكتاب، تسهيل عملية التواصل، نشر كل ما أنتجته من مقالات ودراسات في تخصصي الأكاديمي.
< هل يمكن الحديث عن منعطف جديد في التجربة الإبداعية للجيل الحالي؟
> شهِدت النصوص الأدبية المنتجة في المغرب خلال السنوات المنصرمة طفرة قد لا يختلف حولها اثنان. وما يؤكد ذلك هو أن الكتاب المغاربة نالوا جوائز تحتل مكانة مرموقة في الوطن العربي، وهناك من تأهل للقائمة الطويلة أو القصيرة لجائزة عالمية، وهذا شيء محمود ويسعد. كما أن القارئ المغربي لمس جودة كبيرة فيما يقدم في الآونة الأخيرة.
< ما هي مشاريعك الإبداعية القادمة؟
> في الحقيقة لا أفكر حاليا في أي مشروع إبداعي. أكتفي بالقراءة والنهل ما تيسر من الإنتاجات الأدبية لأسماء ذائعة الصيت، كما أنفتح، من حين لآخر، على إنتاجات الكتاب الشباب سواء في الساحة المحلية أو في مختلف الأقطار العربية. لأن جل تركيزي في الفترة الحالية منصب على تخصصي الأكاديمي وما يرتبط به، وعندما أشعر بالإنهاك، أرتمي في حضن الأدب بحسبانه الملاذ الأول والأخير للإنسان.
> إعداد: عبد العالي بركات