كانت الأسماء الإبداعية في مختلف المجالات: القصة، الشعر، المسرح، التشكيل.. إلى غير ذلك، حتى وقت قريب، معدودة جدا، إلى حد أنه يمكن تذكر أسمائها دون عناء، بالنظر إلى أن الساحة الثقافية كانت لا تزال بكرا، إذا صح التعبير، غير أنه في العقدين الأخيرين على الأقل، تضاعف حضور المبدعين على اختلاف اتجاهاتهم.
في هذه السلسلة، تفتح جريدة بيان اليوم، على امتداد الشهر الأبرك، نافذة للإطلالة على عوالم الأسماء البارزة الممثلة للجيل الجديد، وللإصغاء إلى انشغالاتها وطموحاتها.
الشاعرة منى لعرج: أدس جسدي في الإبداع هروبا من تقاليد وعادات وشعارات كانت تكبلني
للشاعرة منى لعرج ديوانان شعريان: “رقصات ظل ثابت” صادر سنة 2005، و”ظلال الوجع” الصادر سنة 2020؛ بالإضافة إلى مساهمتها في أربعة دواوين جماعية، وتستعد حاليا لإصدار كتب أخرى تتوزع بين النثري والشعري: “وحي دلفي” و”سراب القلب” و”ظلال.. فقط”.
منى لعرج تؤمن بأن “العالم المتخيل الذي يحاول كل واحد منا خلقه لا ولن يتحقق إلا عن طريق الاشتغال على اللغة”.
* كيف كان انخراطك في مجال الإبداع؟
– كان الإبداع صورة للباب الذي سأدس فيه جسدي هروبا من تقاليد وعادات وشعارات كانت تكبلني .. لم أختر الإبداع يوما، لم أختر أن أكتب أو أرسم أو أن أحمل هذا الهم.. أجل هو هم، ونضج مبكر، والتحام مع القضايا؛ فيصبح العالم برمته أنت.. فكيف لك أن تستنشق الهواء بشكل طبيعي، وهذا الحزن يحيط بك ..
لم أختر يوما أن أكتب لأنني وجدت نفسي أكتب ببساطةِ طفلةٍ بعمر تِسع سنواتٍ تجمع الحروف والكلمات بصعوبة، وتمزج ما بين اللغة العربية والعامية .. لكنها تكتب.
* ما هي أهم أعمالك الإبداعية؟
– لم أكتب، بعدُ، عملاً يستحق أن أعتبرهُ أهم أعمالي. فما أزال أخطو بخطىً وئيدةٍ على سُلّم اللغة والكتابة، مُحاولةً استرجاع تلك العلاقة الجميلة التي ربطتني بها في بداية مشواري الإبداعي. بالنسبة لي، حتى الآن، لم أكتُب بعد، على الرغم من أنني طبعتُ ديوانين هما: “رقصاتُ ظِل ثابت” سنة 2005، و”ظلال الوجع” سنة 2020؛ بالإضافة إلى أربعة دواوين جماعية، وأخرى قيد الطبع.
* ما هي الرسالة التي تحملها هذه الأعمال؟
– الديوان الأول “رقصات ظل ثابت” أعتبره ديوانَ طفلةٍ لأنني حاولتُ به إثبات وجودي داخل أسرةٍ ومجتمعٍ لم يكن يعترف بالكتابة خاصةً إذا كانت الكتابة أُنثى. أما الديوان الثاني “ظلال الوجع” فهو عودة إلى الكتابة والإبداع، وكسرٌ لشرنقةٍ تُغلف كل واحد منا بطريقة مختلفة. بعد سنوات من التوقف دامت خمسة عشر وجعاً، عُدتُ كي أصالح روح المُبدعةِ فيَّ. وأحررني من كل وجعٍ بِرَسْمِ ما تبقى من ظلاله على كهف الروح. وليست قوةُ حضور صيغة الأنثى مجرَّد بكاءٍ على أطلال الذاتِ؛ بل هو محاولةٌ للإسهام في تأسيس كتابة تتجاوز الوأد الذي انتقل من الدفن المادي، إلى الاجتماعي والفكري؛ بل والرمزي.
* ما هي الأعمال التي كان لها أثر على تجربتك الإبداعية؟
– يصعبُ تحديد الأعمال التي كان لها الأثر الأكبر في توجيه تجربتي الإبداعية وصقلها. فكما أشرتُ آنفاً، ما أزال في مرحلة البناء، خاصة بعد التوقف عن الكتابة لفترة طويلة. لطالما كنتُ في طفولتي مولوعة بالقراءة لمصطفى لطفي المنفلوطي، وجبران خليل جبران، وإيليا أبو ماضي، ونازك الملائكة… والكثير من مؤلفات الفلسفة على الرغم من يفاعتي. أما الآن، فأهتم كثيراً بالإبداع المغربي في حقول مختلفة شعراً، وقصةً، ورواية، ومسرحا… مع محاولة نقل هذا الشغف إلى الأطفال من خلال “جمعية يراع للثقافة والفنون”، والتأطير في مؤسساتٍ تربوية.
* هل يمكن الحديث عن منحى تجريبي في إنتاجك الإبداعي؟
– فتحت قصيدة النثر إمكاناتٍ متعددة أمام المبدع للبحث عن سبُلٍ جديدة للتعبير عن الذات وعن الآخر، والغوص في كينونة الإنسان عن طريق ربط الكتابة بما هو أبعد من الواقعي. إن العالم المتخيَّل الذي يحاول كل واحد منا خلقه لا ولن يتحقق إلا عن طريق الاشتغال على اللغة. وهكذا أحاول – وسأظل- أن أجعلَ كل ديوانٍ خطوةً جديدةً في دربِ القصيدة المفتوحة على كل الإمكانات.
* كيف هي علاقتك بالتواصل الرقمي؟
– لا يمكن للمبدع في العصر الرقمي إلا أن ينخرط في هذا العالم عن طريق التفاعل مع وسائطه التي فتحت آفاقاً لا محدودة. فنصوصي، الآن، تنتشر بسرعة أكبر عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وتُلاقي تفاعلاً أوسعَ، مع الوعي بضرورة التمييز بين التفاعلات الإيجابية البناءة، والمجاملاتية، للحفاظ على التطور الذي يسعى له كل مبدع. ولن يكون هناك تطور في غياب نقدٍ حقيقيّ.
لقد كان لفترة الحجر دورٌ مهمٌّ في ربطنا بمواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ كانت هي الفضاء التفاعلي في سياق التباعد الاجتماعي. وقد حرصتُ على أن أجعل من الإبداع متنفساً لتجاوز تلك المرحلة الصعبة، بضمانِ التواصل بين المبدعين. وتمثل ذلك في برنامجين رقميين استضفتُ من خلالهما مبدعين جُلهم لم ألتقهم في الواقع، لنفتحَ كُوَّةً يرى من خلالها الجمهور بعضاً من عالم هؤلاء المبدعين: شعراء وقصاصين وروائيين ونقاداً وتشكيليين… كان ذلك في برنامج “فسحة إبداع “المخصص للقاء المبدعين بالأطفال، وبرنامج “مبدع في ضيافة اليراع” الذي انفتح على تجارب سامقة في سماء الإبداع.
* هل يمكن الحديث عن منعطف جديد في التجربة الإبداعية للجيل الحالي؟
– بالنسبة لي، أرى أن الراهنَ الثقافي يتفاعلُ فيه مبدعون من أجيالٍ متعددة. أما ربط حداثة الإبداع بالجيل الجديد فقط ففيه تضييقٌ على الإبداع في حد ذاته. هذا لا ينفي أن المبدعين “الشباب” يطورون كتاباتهم، وينتجون داخل أشكالٍ مختلفة. ففي الشعر هناك زخم من الإنتاجات التي تدل على رؤية جديدة سواء تعلق الأمر بالقصيدة العمودية، أم بالشعر الحر، أم بقصيدة النثر. والحاجة هنا ماسة للمتابعة النقدية من أجل الحديث عن منعطف جديد.
* ما هي مشاريعك الإبداعية القادمة؟
– هناك مجموعة من الكتابات التي تشيد رؤيتي الإبداعية ولكن باختياراتٍ شكليةٍ مختلفة، منها الشعري ممثلا في ديوانين معدين للنشر: “وحي دلفي” ذو الصبغة الفلسفية، و”سراب القلب” ذو الاختيار الموضوعاتي. ومنها النثري وفيها: مجموعة نصوص “ظلال.. فقط”، ومجموعة قصصية “وَشْمٌ”.
> إعداد: عبد العالي بركات