كانت الأسماء الإبداعية في مختلف المجالات: القصة، الشعر، المسرح، التشكيل.. إلى غير ذلك، حتى وقت قريب، معدودة جدا، إلى حد أنه يمكن تذكر أسمائها دون عناء، بالنظر إلى أن الساحة الثقافية كانت لا تزال بكرا، إذا صح التعبير، غير أنه في العقدين الأخيرين على الأقل، تضاعف حضور المبدعين على اختلاف اتجاهاتهم.
في هذه السلسلة، تفتح جريدة بيان اليوم، على امتداد الشهر الأبرك، نافذة للإطلالة على عوالم الأسماء البارزة الممثلة للجيل الجديد، وللإصغاء إلى انشغالاتها وطموحاتها.
الشاعر جمال نجيب: القلق هو أهم مؤثر على تجربتي الإبداعية
للشاعر جمال نجيب مجموعة من الإصدارات: ديوان شعري بعنوان “تفاحة المغفرة” نال به جائزة بيت الشعر في المغرب سنة 2012، و”يوتوبيا ممكنة” وهو كذلك ديوان شعري.
فاز جمال نجيب خلال السنة الجارية بالجائزة الوطنية للشعر التي تنظمها جامعة المبدعين المغاربة عن مخطوطه الشعري “سدرة العصافير”.
***
* كيف كان انخراطك في مجال الإبداع الأدبي؟
– انتابتني خواطر وأنا في البداية، كتبتها بحماسة مفرطة مشوبة بالسطحية والتقريرية، ومع ذلك لم تخل من نواة حقيقية وروح شعرية، مما جعلني ألتزم بالقراءة لكتاب وشعراء مرموقين وأتعلم بدءا بالمنفلوطي والرافعي والمازني وأحمد أمين، ثم جاءت تجربة النشر الورقي في جرائد وطنية، عملا بنصيحة من أحاطوني بالحضانة والرعاية، إلى جانب المشاركات بالقراءات الشعرية في ندوات وصالونات ثقافية محلية، طورتني لأكون واحداً من الشعراء الشباب في بلادنا.
ما هي أهم أعمالك الإبداعية؟ *
– لدي ديوان شعري بعنوان “تفاحة المغفرة” أعتبره هاما، من مطبوعات وزارة الثقافة، حصد جائزة بيت الشعر في المغرب سنة 2012، وهو تراكم لأنفاس شعرية لملمتها من النصوص الإبداعية المنشورة في الصفحات الأدبية المختلفة داخل المغرب وخارجه٠
يتحدث الديوان عن تيمة الخطإ بصفته ميكانيزما طبيعيا ضروريا للحياة منذ التكوين الأول، انبثقت من وقفاته مفاهيم تطبيقية شتى تدور حول إهليليجها السلوكات الإنسانية منذ أن تعرض آدم لغواية الشيطان فعصى أمر الله وأكل من الشجرة، والمغزى عموما هو أن الخطأ ظاهرة صحية وذلك للرجوع دائما إلى جادة الطريق الصحيح٠
ثم يأتي الديوان الثاني “يوتوبيا ممكنة” فيه من طراوة المعنى وخلفية لها صوتُها القلِقُ شعريا، أعتبره أكثر نضجاً وهو صيحة وربما توبيخ للعالم ليتخلص من الرداءة والدخول فورا في المدينة الفاضلة.
من الديوان أقرأ لكم في الصفحة الخامسة :
“يُحِبُّ الشُّعَرَاءُ الرُّؤَى كَمَا يُحِبُّونَ اللُّغَةَ
إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَصْلَحُوهَا
وَجَعَلُوا نِسَاءَهَا جَمِيلَاتٍ،
إِذَا دَاعَبُوا الْبَحْرَ
ابْتَسَمَتْ سَمَكَةُ قِرْشٍ لِغَرْقَى مُمْسِكِينَ بِوَرَقَةٍ
حُزْنُهَا كَالنَّثْرِ
وَفَرَحُهَا كَالشِّعْرِ”.
ما هي الرسالة التي تحملها هذه الأعمال؟ *
– يخدم الشاعر بالدرجة الأولى الحقيقة والعدل والسلم والحب والقيم الأخرى، وفي هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها المجتمع الآن، أتشبث تماما بما من شأنه إعادة ترتيب الأشياء واسترجاع الفضيلة والراحة والسعادة من فكي الرأسمالية الوحشية إلى مجتمعنا الإنساني٠
* ما هي الأعمال الأدبية التي كان لها أثر على تجربتك الإبداعية؟
– أهم ما أثر على تجربتي الإبداعية هو القلق، والاشتغال على القصيدة كعمل متعب، فكان لا مناص من الانصراف مبكرا إلى القراءة المتأنية لكثيرين، مما كان مدعاة وفرصة متجددة للاستفادة من معينهم وإغناء رصيدي، ويجب ألا أنسى المجلات والدوريات الثقافية الأخرى وترجمات برنارد شو ولوركا وطاغور وأغاتا كريستي وغيرهم، وكان الاستمتاع كذلك بأدب غادة السمان وجدية محمود درويش وتوق نزار قباني٠
* هل يمكن الحديث عن منحى تجريبي في إنتاجك الإبداعي؟
– بالنسبة لمسألة المنحى التجريبي هذه، فلا زالت بالنسبة لي عصية على التعريف الدقيق، لذلك تبقى القصيدة مرآة تعكس الحقيقة وتقول ما لم يستطع العالم أن يقوله، إنها كائن أوجده الشاعر بفضل أدواته الحسية شكلا ومضمونا تحت تأثير واقع يزداد فوضى وتعقيدا ومادية طاغية، وبالتالي تزداد مسؤولية المبدع لهداية هذا العالم إلى الجمال الكامن هنا وهناك وأن يشتغل منحازا تماما للجمال والحق والسلم فقط، وأن يكون محايدا حرا خارج المؤسسة السياسية حتى لا يكون مصنفا وبوقا تحت الطلب٠
* كيف هي علاقتك بالتواصل الرقمي؟
– العالم الرقمي سلاح ذو حدين، فرض نفسه بقوة، أصبح ضرورة ملحة ومن الحكمة التعامل معه بترو والوقوف منه بإيجابية فمن اللازم أن يكون المبدع فيه فاعلا لا مفعولا به، حاضرا بشكل انتقائي ممعن في الوسطية والمهنية ولم لا الانحياز للقيم الرائعة، ويجب اعتباره فضاء مهما تعيش في أثيره القصيدة وتصل إلى مريديها كالروح٠
* هل يمكن الحديث عن منعطف جديد في التجربة الإبداعية للجيل الحالي؟
– التراكم موجود ولا يمكن أن نبخس المحاولات الموجودة في الساحة حقها، ونقول إنها دون المستوى أو فقيرة فنيا بل واعدة فيها من الطاقة ما يجعلها مواكبة وباعثة على الاهتمام والقراءة والنقد أيضا ٠٠ لكن ما العمل إذا كان الإعلام مقصرا مكرسا للإهمال والتغييب لكل ما من شأنه خلق ثورة ثقافية حقيقية٠
* ما هي مشاريعك الإبداعية القادمة؟
– أعكف وأكتب بتؤدة ثم أقتفي كتاباتي بمحوها وإعادة صياغتها وتنقيحها وتشذيبها، مستهلكا في ذلك الوقت الكثير، بدعوى أنه يشوبها نقص، وهنا أستحضر ما قاله الأصفهاني في تلخيص الداء والدواء:
” إني رأيتُ أنه لا يكتب أحد كتابا في يومه إلا قال في غَدِهِ :لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك
هذا لكان أجمل. وهذا أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر)٠
إلى أن تتأتى القصيدة متكاملة اللبنات والعناصر، فأصففها حسب تواردها مع الأحداث النفسية ذات التأثير الكيميائي القوي، في جارور خاص، رفقة قصائد أخرى، منتظرا ناشرا منصفا.
> إعداد: عبد العالي بركات