جيل جديد من المبدعين -الحلقة 18-

كانت الأسماء الإبداعية في مختلف المجالات: القصة، الشعر، المسرح، التشكيل.. إلى غير ذلك، حتى وقت قريب، معدودة جدا، إلى حد أنه يمكن تذكر أسمائها دون عناء، بالنظر إلى أن الساحة الثقافية كانت لا تزال بكرا، إذا صح التعبير، غير أنه في العقدين الأخيرين على الأقل، تضاعف حضور المبدعين على اختلاف اتجاهاتهم.

القاص أحمد شرقي : نصوص المبدعين الجدد بحاجة إلى المواكبة النقدية الجادة

  للكاتب القصصي أحمد شرقي مجموعتان قصصيتان، الأولى بعنوان “عوالم شفافة” وقد صدرت سنة 2019، والثانية “نسخ عالية الجودة” صدرت 2020، كما يستعد لإصدار مجموعة ثالثة، لكنه يتريث في القيام بذلك، لأنه كما يقول في هذا الحوار “هدفي هو مواصلة طرق أبواب القصة، حتى أُبدعَ الكتاب القصصي الذي أحلم به”.

*********

  * كيف كان انخراطك  في مجال الإبداع الأدبي؟

 – هبت بداخلي رياح المراهقة بقوة واندفاع، حاملةً معها ميلا للقصة القصيرة والمسرح. أُغرمْت بالقصة القصيرة، طفلة الأدب المشاغبة كما يسميها البعض، في مرحلة مبكرة من حياتي؛ في مرحلة دراستي الإعدادية والثانوية، كنت أنشر قصصا في مجلات عربية موجهة للطفل، وفي جرائد وطنية. إذ نشرت أول قصة قصيرة في جريدة “الصحراء المغربية”، وكان عنوانها “وثيقة رسمية”. ورغم هوسي بالقصة، ظلت قدسيتها وهيبتها دائما حاضرة في وجداني، لذلك اكتفتيت بالكتابة لنفسي لسنوات، ثم انتقلت إلى المشاركة في مسابقات وطنية وعربية بنصوص منفردة، لأخوض مغامرة النشر وأنا في سن التاسعة والعشرين، بعد فوز مجموعتي القصصية غير المنشورة حينئذ “عوالم شفّافة” بجائزة الملتقى الوطني أحمد بوزفوز بزاكورة في أبريل 2019.

 * ما هي أهم أعمالك الإبداعية؟ 

– صدر لي لحد الآن مجموعتان قصصيتان، الأولى موسومة ب”عوالم شفافة”، نشرت عام 2019 ضمن منشورات جامعة المبدعين المغاربة، والثانية عنوانها “نسخة عالية الجودة.. لقاحات قصصية تحت التجريب”،  رأت النور عام 2020 عن الدار نفسها، وحاولت من خلال هذا الكتاب القصصي المتواضع، أن أساهم في توثيق ما عشناه ونعيشه في زمن الوباء، لِمَا  فرضه الواقع المَعيش اليومَ، مع انتشار جائحة كورونا في أرجاء المعمورة كلها، على مبدعينَ في شتى المجالات؛ بالنظر إلى وقعه القاسي، وتبعاته نفسيا واقتصاديا وثقافيا.

 بالإضافة إلى العديد من المساهمات في كتب قصصية وشعرية مشتركة.

 * ما هي الرسالة التي تحملها هذه الأعمال؟ 

– أعتقد أن الكتابة في القصة، أو في أي جنس أدبي آخر، هي تلك الرغبة القوية والجامحة في التواصل مع الآخر والانفتاح عليه. وفي هذا الانفتاح رسائل كثيرة تتخلل الخطاب الإبداعي. رسائل تتولد عن التزام الكاتب مع نفسه، مع مشروعه وقارئه. إن الكتابة التزام، يقول رولان بارت في كتابه المعنون ب “الكتابة في درجة الصفر”، إن “الكتابة التي أومن بها..تكشف ماضيّ واختياراتي، تمنحني تاريخا، تعلن عن وضعيتي، تجعلني ألتزم دون أن أقول ذلك”. هو إذن التزام ضمني قد لا نصرح به، لكن بماذا؟ التزام بتضميد جراح الإنسان والأوطان انطلاقا من ذات الكاتب، التزام بكشف المستور وتنوير العقول، وسبر أغوار اللامألوف، لأنه “لكيلا نموت من الحقيقة، اخترعنا الفن” بتعبير نيتشه. أحاول دائما أن أنتصر للقيم الإنسانية والجمالية في كتاباتي، من خلال الانتصار للإبداع والجمال والحرية والتجديد وقَبول الاختلاف.

 * ما هي الأعمال الأدبية التي كان لها أثر على تجربتك الإبداعية؟ 

 – قرأت نصوصا قصصية عظيمة وراقية للخوري وبوزفور وكنفاني و بسوا وموباسان  وتشيكوف…  وكنت -ومازلت- أقرأ هذه النصوص بشغف كبير، وأحاول محاكاتها عبر نسج قصص قريبة ربما أو مماثلة. لكن كما  يقول الأستاذ عبد اللطيف الزكري في (جماليات القصة القصيرة العربية الحديثة والمعاصرة): “إن الكتابة القصصية في جمالية التحديث قد أصبحت اختراقا لا تقليدا واستكشافا لا مطابقة، وإثارة للسؤال لا تقديما للأجوبة، وماهجمة للمجهول لا رضى عن الذات بالعرفان.”وهذا ما أصبو إليه من خلال قصصي التي أنشرها أخيرا؛ أطمح إلى أن أتجاوز هفواتي التي اقترفتها في التجربة الأولى والثانية، وإلى أن أشيد عوالم وأكوان قصصية أقرب إلى القصة الجديدة مبنى ومعنى. وفي هذا السياق أجدني مفتونا بقصص أنيس الرافعي وسعيد منتسب ومحمد اشويكة وغيرهم. لما فيها من تداخل وتكامل بين الفنون، بين السرد والصورة واللوحة.. وأنا الذي زاولت المسرح وكتبته في وقت من الأوقات، كما مارست التقديم التلفزي وعشقت الصورة، قبل انتقالي إلى الوظيفة العمومية.

– هل يمكن الحديث عن منحى تجريبي في إنتاجك الإبداعي؟ 

  أرى الجيل الذي أنتمي إليه محظوظا، لأنه وجد رصيدا مهما من الإنتاجات العربية والمغربية على الخصوص، منذ الكتابات الأولى مع عبد المجيد بنجلون، أحمد بناني، عبد الرحمان الفاسي وغيرهم، إلى الحساسيات الجديدة والقصة التجريبية. إننا أمام رصيد غني(كيفا) نمتح منه بدورنا في محاولة منا، المزج بين الرصد الخارجي والاستبار الداخلي، حتى نبلغ ما بلغه كبارنا كأحمد بوزفور، إدريس الخوري، أنيس الرافعي، عبد الرحيم المودن .. والقائمة تطول. أما عن تجربتي المتواضعة، فأجدني كلما نشرت قصة أو كتابا، أفكر في الصياغة بطريقة مغايرة، أشعر بأن المألوف والمستهلَك يمكنه أن يقتل روح القصة وينفر الناس منها، فالقصة مشروع، والمشروع مغامرة، والمغامرة تجديد واقتحام للمجهول.

 التجريب من منظوري، محاولة للإبهار الشكلي والموضوعي وصولا إلى بنية نصية جديدة، والكتابة في حد ذاتها محاولة إغراء: إغراء شخص غريب هو القارئ، وهي مسألة شاقة وفق ما كتبته فاطمة المرنيسي في مقدمة كتاب كلير دولانوا الموسوم ب “رسالة إلى كاتب شاب”. هذا الإغراء هو الذي أضعه نصب عيني وأنا أكتب قصصي، أحترم ذائقة المتلقي كثيرا، أعد نفسي وأعد القارئ(ة) المفترض(ة) بنص جيد وجديد، أتردد في النشر، وأندم بعده في أحيان كثيرة، لكن بالمقابل، أومن بأن الإنتاج -بزلاته- هو الذي يلد الجودة والجدة.

  *كيف هي علاقتك بالتواصل الرقمي؟

– أحاول قدر الإمكان الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي، لأنها تستنزف الجهد والوقت، وكذا نظرا لالتزاماتي البحثية بوصفي طالبا باحثا، وكذا التزاماتي المهنية والعائلية. لكني لن أنكر فضل تلك المواقع في التعريف بي لدى بعض القراء، ووصول محاولاتي القصصية إليهم منذ ما يربو على عقد من الزمن.

* هل يمكن الحديث عن منعطف جديد في التجربة الإبداعية للجيل الحالي؟ 

– من خلال حضوري عددا من الملتقيات القصصية والثقافية عموما، واحتكاكي بجيل جديد من القصاصين الشباب الذين سيحملون مشعل القصة مستقبلا، وأذكر: عبد الواحد البرجي، سفيان البراق، يونس شفيق، يوسف كرماح، عبد المجيد الشافعي، حسن كشاف، فاطمة كطار، عبد الجليل ولد حموية، إلهام زنيد..، أعتقد أن الأمر يتعلق بكوكبة من مبدعي القصة تشاغب بحماس متواصل على اختلاف الأساليب والمرجعيات المعرفية والإبداعية، كوكبة تؤسس لأسمائها التي ستخلد في مدونتنا السردية العربية المعاصرة. ما ينقصها في اعتقادي المتواضع، هو مواكبة نقدية جادة، تساهم في صقل مواهبها السردية.

 * ما هي مشاريعك الإبداعية القادمة؟ 

– القصة بطبعها عصية ومتعنتة،  فكل نص تكتبه بسهولة ولا يكلفك عناء البحث والوقت، اعلم أنه لن يكون نصا جيدا، وكما يقول صامويل جونسون: “ما يُكتب دون مجهود، يُقرأ عامة دون استمتاع”.

 لذلك أستغرق وقتا طويلا -ربما- في الكتابة، وأتريث قدر الإمكان في مسألة نشر مجموعتي القصصية الثالثة، التي أكتبها حاليا، وأرجو أن تكون تجربة فريدة ومغايرة لما نشرته سابقا، لأن هدفي هو مواصلة طرق أبواب القصة، حتى أُبدعَ الكتابَ القصصي الذي أحلم به.

> إعداد: عبد العالي بركات

Related posts

Top