“حركة ضمير” تدعو إلى بلورة نموذج سياسي جديد

اقترحت “حركة ضمير” بلورة نموذج سياسي جديد، للتطبيق الأمين والمخلص لمقتضيات الدستور ولتوصيات النموذج التنموي الجديد، موضحة أن هذا النموذج السياسي الجديد سيتم تصوره في إطار المرجعية الدستورية واحترام ثوابت الأمة.

وأدانت “حركة ضمير” في بيان لها، توصلت جريدة بيان اليوم بنسخة منه، بأشد العبارات حالات الفساد المتعددة واختلاس المال العام والاحتيال وتضارب المصالح والصفقات العمومية المشبوهة وحالات الإثراء السريع المريبة، والترامي على أملاك دون موجب حق، استغلالا للنفوذ المكتسب من مواقع المسؤولية.

وعبرت الحركة عن صدمتها إزاء الصور المتداولة “لأعداد غفيرة من أجيالنا اليافعة والشابة وهي تحاول مغادرة بلدها عن طريق الهجرة الجماعية المعلنة”، حيث لم تستسغ “الصمت المطبق للحكومة، التي أصيبت بالشلل بسبب عجزها عن بلورة خطاب متماسك بعد المشهد المدمر الذي قدمه للعالم مئات وآلاف الشباب الذين يحاولون عبور الحدود سباحة أو سيراً على الأقدام”.

واعتبر المصدر ذاته، أن رهان البعض على تعديل حكومي هو “محاولة للهروب من الدوامة الجهنمية للتقهقر السياسي الذي يتجلى أمام أعيننا، فإننا نعتبر – على غرار العديدين من مواطنينا – بأن هذا الحل سيكون بلا جدوى، لأنه سوف يماثل وضعَ ضمَّادة على ساق خشبية”. فيما يلي تفاصيل البلاغ:

“تدركون، من دون شك، خطورة اللحظة التي نعيشها اليوم من خلال مضمون وشكل هذه الرسالة التي تود “حركة ضمير” أن توجهها إلى الرأي العام. نريد أن نتحدث فيما بيننا عن المغرب وعن التهديدات التي يواجهها والتحديات التي عليه أن يتصدى لها وعن المستقبل الذي علينا أن نبنيه جميعا الآن كما من أجل الأجيال القادمة. ولكن، قبل ذلك علينا أن نتحدث أيضا عن ظروف الحياة التي يعيشها السواد الأعظم من مواطنينا وعن المعوقات التي تواجههم كل يوم، وعن قلقهم وآمالهم المشروعة. إن أمامنا الكثير مما نقوم به من أجل تعزيز وحدة الوطن وضمان أن يلعب بلدنا دوره المطلوب قاريا ودوليا.

وبدءا إذا كنا في حركة ضمير ندرك تماما محدودية نطاق وأدوات عملنا كجمعية مدنية تعمل في إطار الفصلين 12 و13 من الدستور اللذين يرسيان أسس الديمقراطية التشاركية، فإن جمعيتنا عاقدة العزم على القيام بدورها الدستوري على أكمل وجه وعلى المساهمة في تنمية الوعي المدني في جميع الأوساط، وخاصة الشباب.

نكتب هذه الرسالة في الظرفية الحالية بالغة الصعوبة، لنعبر عن آرائنا في المواضيع الكبرى التي تهم المغاربة وتثير قلقهم المشروع تجاه العديد من القضايا. ونحن هنا لا نتقدم ببرنامج عمل بالمعنى التقليدي للكلمة. فقد قمنا بذلك قبل اليوم، يوم أقدمنا على نشر مذكرة “المغرب الذي نريد” في موضوع النموذج التنموي الجديد في يوليوز من سنة 2019. إن الإصلاحات التي طالبنا بها في مذكرتنا آنذاك هي من صميم موضوع اليوم، شأنها شأن توصيات اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي التي بقيت حبرا على ورق رغم الإجماع الذي ميَّز عملها والدعم الملكي الذي توج إنجازاتها. كما أننا لا نقدم هنا تشخيصاً كاملاً لعمل الحكومة. فقد سبق أن أتيحت لنا الفرصة للقيام بذلك في مناسبتين: الأولى، في يناير 2022، من خلال نشرنا لتقييم تحليلي لبرنامج الحكومة مقارنة مع توصيات النموذج التنموي الجديد، والثانية، شهر أبريل 2024، عندما وجهنا رسالة مفتوحة إلى رئيس الحكومة بعد تقديمه لعرض منتصف الولاية أمام البرلمان. لقد كان هدفنا من نشر تلك الرسالة المفتوحة، واستنادا إلى المعطيات والأرقام، كشف النقاب عن المغالطات التي أوردها أمام البرلمان وتسليط الضوء على الاختلالات الخطيرة التي تعتري عمله على رأس السلطة التنفيذية: غياب النمو الاقتصادي، والتدمير المهول لفرص الشغل، وارتفاع البطالة، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين وإفقار الطبقة الوسطى، والضعف الهيكلي للاستثمار الخاص وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، وتدهور المناخ الاجتماعي في قطاع التربية والتكوين وفي كليات الطب والصيدلة، وتضارب المصالح في قرارات السياسة العمومية، وفضيحة سوق المحروقات ومصفاة النفط “لاسامير”، وتفاقم الدَّين العمومي والمخاطر الكبرى المحدقة بالسيادة المالية للمغرب، إلخ.

إننا ندرك تماماً أن على كل فاعل في المجال العام أن يشغل مكانه ويقوم بالدور المنوط به دستوريا. فليس هناك ما هو أسوأ من اختلاط الأجناس في هذا المضمار. غير أن إدراكنا لذلك لن يفل من إرادتنا في تحمل مسؤولياتنا في “حركة ضمير” إذا كانت ظروف بلادنا تفرض عليها ذلك. فأمام الضعف المستشري في طبقتنا السياسية عموما، وأمام الإخفاقات الواضحة لمجلس النواب ومجلس المستشارين اللذين أصبحا مجرد مسجل ومردد لقرارات الحكومة، وأمام عجز أحزاب المعارضة – أحزاب الحكومة سابقا بالنتائج التي نعرفها – عن تشكيل بديل فعلي للأغلبية القائمة، لا يمكن لحركة ضمير أن تبقى مكتوفة الأيدي وغائبة عن التفاعل إزاء كل هذه التطورات المقلقة. إن أولى واجباتها في هذه المرحلة العصيبة تتمثل في تحسيس أبناء وطننا والمساهمة في تعبئتهم عن طريق تقديم بديل قوي وذي مصداقية. إن من واجبها أيضًا إثارة انتباه كبار مسؤولي الدولة إلى خطورة عدد من القضايا الملحة اليوم. وفي هذا الصدد ندين بأشد العبارات حالات الفساد المتعددة واختلاس المال العام والاحتيال وتضارب المصالح والصفقات العمومية المشبوهة وحالات الإثراء السريع المريبة، والترامي على أملاك دون موجب حق، استغلالا للنفوذ المكتسب من مواقع المسؤولية، وشبهات محاولات التأثير والضغط على منتخبين نزهاء، وغيرها من أشكال انتهاك القانون والأخلاقيات التي تخترق الطبقة السياسية وتضع فاعلين في التحالف الحكومي محط مساءلة أخلاقية، على المعنيين بها توضيح ملابساتها للرأي العام دفاعا عن الشرف: تسرُّب متابعين في تجارة المخدرات للمسؤولية الحزبية والسياسية، إيقاف أحد أعضاء الأمانة العامة الجماعية لحزب حاكم، محاولة السطو على أراض جماعية، تعدد حالات التجريد من المسؤولية الانتخابية في حق العديد من منتخبي التحالف الحكومي (31 برلمانيا ينتمون للتحالف الحاكم من ضمن 42 برلمانيا)، الخ.

إننا نشعر – كسائر مواطنينا – بالصدمة إزاء الصور المتداولة لأعداد غفيرة من أجيالنا اليافعة والشابة وهي تحاول مغادرة بلدها عن طريق الهجرة الجماعية المعلنة، وأحيانًا على حساب حياتهم، وذلك بشكل مؤلم وجارح وغير مسبوق، ينم عن فقدان أمل نهائي لديهم ولدى أسرهم المعوزة من سياسات ووعود المسؤولين. كما نشعر بالصدمة من الصمت المطبق للحكومة، التي أصيبت بالشلل بسبب عجزها عن بلورة خطاب متماسك بعد المشهد المدمر الذي قدمه للعالم مئات وآلاف الشباب الذين يحاولون عبور الحدود سباحة أو سيراً على الأقدام، وبسبب عجزها عن التعامل مع ظاهرة الشباب الذين لا يجدون عملاً ولا تعليماً ولا تدريباً والذين يبلغ عددهم ما يقارب أربعة ملايين ونصف المليون يافع وشاب مغربي تتراوح أعمارهم بين 15 و34 عاماً. وأخيرا وليس آخرا، وفي ضوء الدروس المستفادة من الانتخابات التشريعية الجزئية الأخيرة، حيث تدفقت الأموال مرة أخرى وحطمت نسبة العزوف عن التصويت كل الأرقام القياسية (كمثال نسبة المشاركة 6.5% في دائرة الرباط – المحيط)، وهنا لا بد أن نصارح أبناء وطننا بأن طريقتهم في التعبير عن انعدام الثقة والغضب المشروع من خلال عدم اكتراثهم بالاستحقاقات الانتخابية هي طريقة غير مناسبة، بل خطيرة، لأنها تترك الطريق سالكة أمام البلطجة الانتخابية، وترهن مستقبل أبنائنا في نهاية المطاف.

إن السياقات المضطربة في العالم اليوم تفرض على طبقتنا السياسية في كل مستويات المسؤولية، أن تستحضر ليس فقط واجبها في تنفيذ السياسات العمومية التي تدخل ضمن مسؤولياتها الدستورية، بل مسؤوليتها التاريخية كذلك في توفير شروط التضامن الوطني وتراص الصفوف داخل الوطن كما مع مغاربة العالم، في مواجهة كل الاحتمالات الممكنة. ومن هذه الزاوية فإن ما نشاهده اليوم من تحولات وتوترات كبرى في العالم – علما بأن قادمها قد يكون أصعب مما عهدناه – ليحتم على بلادنا، أكثر من أي وقت مضى، أن تحقق خطوات دالة وفعلية في مجال العدالة الاجتماعية والمجالية بدءا بانتشال الفئات المحرومة من براثن الفقر والضياع وفقدان الأمل، وفي هذا الصدد على الطبقة السياسية وجوبا، أن تعطي المثال من سلوكها بإشارات جلية واضحة أمام أعين الشعب، تتمثل في التخليق الفعلي للحياة السياسية والمحاربة الصارمة لهدر المال العام والإثراء غير المشروع، كما في خفض النفقات العمومية غير الضرورية والتقشف المعقلن. إن ما نحذر منه هو أن يعتقد المسؤولون السياسيون أن الفترة المقبلة في العالم ستكون، كما الفترات السابقة، ضامنة لمستوى حد أدنى من الاستقرار في المعمور بكل مناطق التوتر فيه.

استحضارا لكل هذه السياقات الدقيقة، فإن حركة ضمير، على بعد أسابيع من انعقاد جمعها العام، سوف تعمل – انطلاقا من موقعها المستقل – كي تصبح أكثر انخراطاً في البناء الديمقراطي لبلدنا. إذ لا خيار لنا، ففي ذلك تأكيدٌ على وفائنا لقيمنا وتعبير عن واجبنا تجاه وطننا ومواطنينا ومؤسساتنا. وإذ يراهن البعض على تعديل حكومي في محاولة للهروب من الدوامة الجهنمية للتقهقر السياسي الذي يتجلى أمام أعيننا، فإننا نعتبر – على غرار العديدين من مواطنينا – بأن هذا الحل سيكون بلا جدوى، لأنه سوف يماثل وضعَ ضمَّادة على ساق خشبية. إن اللحظة الراهنة ذات حساسية بالغة على بلادنا باعتبارها تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى مبادرة سياسية من طرف الدولة، مبادرة نوعية تسمح لها بتعزيز الروابط بين المغاربة وباستعادة ثقتهم في المؤسسات. وإذ تلتزم “حركة ضمير” بالمشاركة في أي دينامية صحية تجيب على انتظارات مواطنينا، فإن نشاطها سوف يتمحور اليوم حول العمل على بلورة نموذج سياسي جديد، وهو شرط لا غنى عنه للتطبيق الأمين والمخلص لمقتضيات الدستور ولتوصيات النموذج التنموي الجديد. إن هذا النموذج السياسي الجديد سيتم تصوره في إطار المرجعية الدستورية واحترام ثوابت الأمة، وسيتخذ شكل مقترحات تشريعية وآليات عمل وهياكل تهدف إلى تحديث عمل الأحزاب السياسية، وتنظيم ديمقراطيتها الداخلية، وضمان شفافيتها المالية، وتسقيف نفقاتها الانتخابية، وفرض عقوبات جنائية على استعمال المال في الانتخابات، ومحاربة تضارب المصالح وحالات التنافي، وتخليق الحياة العامة وضمان استقلالية الأحزاب السياسية عن كل تدخل. كل ذلك من أجل تثبيت دورها ضمن الفضاء العام كما ضمن المؤسسات. وبدون هذه المتطلبات الأساسية، ستبقى تنمية المغرب وازدهار المغاربة واقعاً افتراضياً ينتظر أجيالا أخرى. إننا ندعو كل من يرغب من مواطنينا إلى المشاركة في هذا المشروع الوطني بالانتساب أو الدعم والمساندة من أجل رسم معالم مغرب الغد”.

الدار البيضاء، 24 شتنبر 2024

المكتب التنفيذي لحركة ضمير.

Top