كلفت هيئة تحرير الشام، أول أمس الثلاثاء محمد البشير الذي كان يرأس “حكومة الإنقاذ” في إدلب معقل فصائل المعارضة بشمال غرب البلاد، بتولي رئاسة حكومة تصريف الأعمال.
وأتت هذه الخطوة في مسار المرحلة الانتقالية بعد أكثر من خمسة عقود على حكم آل الأسد في سوريا، في وقت واصلت إسرائيل تدمير منشآت عسكرية سورية. وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن إسرائيل نفذت أكثر من 300 غارة على سوريا منذ سقوط الأسد الأحد و”دمرت أهم المواقع العسكرية”.
وأتى تكليف البشير غداة لقاء بين قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني ورئيس الحكومة السابق محمد الجلالي “لتنسيق انتقال السلطة”.
وحضت الولايات المتحدة على دعم عملية سياسية “جامعة” في سوريا. وأكد وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن “الشعب السوري سيقرر مستقبل” البلاد، مشددا على أن واشنطن “ستعترف وتدعم بشكل كامل الحكومة السورية المستقبلية التي ستنبثق عن هذه العملية”.
وقبل الإعلان عن تعيين البشير، قال مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن إن الهيئة ينبغي أن تقرن بالأفعال “الرسائل الإيجابية” التي أرسلتها حتى الآن إلى الشعب السوري.
كما أعلنت قطر التي لم تطبع علاقاتها مع حكومة الأسد رغم التقارب الذي حصل بين دمشق ودول عربية أخرى، “إنشاء أول قناة اتصال مع هيئة تحرير الشام”.
وسعت الهيئة (جبهة النصرة سابقا قبل إعلان فك ارتباطها بتنظيم القاعدة)، على تقديم صورة مغايرة عن تلك التي أدت إلى إدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية بمبادرة من مجلس الأمن.
ولا تزال هيئة تحرير الشام تعد تنظيما “إرهابيا” تحظره العديد من الحكومات الغربية التي أكد بعضها أنها ستحكم على أفعال الهيئة لا أقوالها.
وبمجرد سقوط حكم الأسد، بدأت إسرائيل حملة من الضربات على مقدرات عسكرية سورية، وتقد م جيشها للسيطرة على المنطقة العازلة في هضبة الجولان التي سبق لإسرائيل ضم أجزاء واسعة منها. وأكد وزير الخارجية جدعون ساعر أن التقدم يعود لـ”أسباب أمنية”، وقال إنه “خطوة محدودة ومؤقتة”.
ودعا بيدرسن إلى وقف هذه الضربات. وقال في جنيف “من المقلق جدا رؤية تحركات وضربات إسرائيلية على الأراضي السورية. يجب أن يتوقف ذلك”.
وقال المرصد السوري أول أمس الثلاثاء إنه “تمكن من توثيق نحو 310 غارات نفذتها الطائرات الحربية الإسرائيلية على الأراضي السورية” منذ يوم الأحد الماضي، آخرها سمع دويه في العاصمة دمشق أول أمس الثلاثاء.
وأوضح أن الضربات “دمرت أهم المواقع العسكرية في سوريا”، ولا سيما مستودعات أسلحة ومنشآت عسكرية وإدارة الحرب الإلكترونية في دمشق وحولها، ومركز البحوث العلمية في برزة الذي تقول الولايات المتحدة إنه مرتبط ببرنامج الأسلحة الكيميائية السوري، وسبق أن استهدف في أبريل 2018 بضربات أميركية وفرنسية وبريطانية
وأول أمس الثلاثاء، شاهد مراسلو فرانس برس أبنية المركز الثلاثة وقد سويت بالأرض، بينما لا تزال النيران تتصاعد منها.
وقرب مدينة اللاذقية الساحلية في غرب سوريا، استهدفت إسرائيل منشأة للدفاع الجوي وسفنا ومستودعات عسكرية.
وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن الجيش “عمل في سوريا في الأيام الأخيرة لضرب وتدمير القدرات الاستراتيجية التي تهدد دولة إسرائيل. وقد نفذت البحرية الليلة الماضية عملية لتدمير الأسطول السوري بنجاح كبير”. وحذر زعماء سوريا الجدد من أتباع “نهج الأسد” حيال إسرائيل.
إلى ذلك، نفى الجيش الإسرائيلي تقارير عن تقدم لدباباته داخل الأراضي السورية في اتجاه دمشق، مؤكدا أنها موجودة فقط في المنطقة العازلة في الجولان.
ووصفت الأمم المتحدة هذا التوغل بأنه “انتهاك” لاتفاقية فض الاشتباك الموقعة بين إسرائيل وسوريا في العام 1974.
ونددت طهران الحليفة لدمشق بـ”الانتهاك الصارخ” للقانون، بعد إدانات مماثلة من عمان والرياض.
أما تركيا التي تدعم فصائل مسلحة في سوريا، فنددت بـ”العقلية الاحتلالية” لإسرائيل. وأكد رئيسها رجب طيب إردوغان رفض “تقسيم سوريا مجددا”.
في الداخل، بدأت الحياة تعود إلى طبيعتها في دمشق مع إعادة فتح المحال التجارية. ولكن بالنسبة لكثير من السوريين، تبقى الأولوية البحث عن أقرباء مفقودين جراء عقود من القمع.
وأشار صحافي في فرانس برس إلى أن متاجر المواد الغذائية والأسواق والصيدليات أعادت فتح أبوابها.
وقالت لينا الأستاذ (57 عاما) وهي موظفة حكومية “الحياة تستمر”، مشيرة إلى أن “الخوف اختفى” منذ يوم الأحد الماضي.
ومع تقدمها نحو دمشق، أطلقت الفصائل المسلحة سراح الآلاف من المعتقلين، لكن يقدر أن ما زال هناك عشرات الآلاف من المفقودين الذين بدأت عائلاتهم البحث عنهم في السجون ومراكز الاحتجاز، ومن أبرزها سجن صيدنايا الواقع على مسافة نحو 30 كلم من دمشق.
وأعلن جهاز “الخوذ البيضاء” في وقت مبكر أول أمس الثلاثاء “انتهاء عمليات البحث عن معتقلين محتملين في زنازين وسراديب سرية غير مكتشفة” داخل سجن صيدنايا “من دون العثور على أي زنازين وسراديب سرية لم تفتح بعد”.
ومنذ بداية الاحتجاجات التي تحولت إلى نزاع مسلح في العام 2011، توفي أكثر من 100 ألف شخص في السجون، وفق تقديرات للمرصد تعود إلى العام 2022.
وأكد الجولاني الذي بات يستخدم اسمه الحقيقي أحمد الشرع، “لن نتوانى عن محاسبة المجرمين والقتلة وضباط الأمن والجيش المتورطين في تعذيب الشعب السوري”، متعهدا ملاحقة “مجرمي الحرب ونطلبهم من الدول التي فروا إليها حتى ينالوا جزاءهم العادل”.
وعرض مكافآت لمن يقدم معلومات عن كبار الضباط “المتورطين في جرائم حرب”.
وقال “لقد أكدنا التزامنا بالتسامح مع من لم تتلطخ أيديهم بدماء الشعب السوري، ومنحنا العفو لمن كان ضمن الخدمة الإلزامية”، مؤكدا أن “دماء وحقوق” القتلى والمعتقلين الأبرياء “لن تهدر أو تنسى”.
وأفاد عناصر في المعارضة المسلحة لوكالة فرانس برس، بأن هم عثروا الاثنين على حوالي 40 جثة عليها آثار تعذيب في مشرحة مستشفى قرب دمشق، مكدسة في أكياس للجثث.
وقال محمد الحاج وهو أحد مقاتلي المعارضة لفرانس برس “لقد كان مشهدا مرعبا”، مشيرا إلى وجود “آثار تعذيب مروعة”. وتمكنت فرانس برس من رؤية جثث مغطاة بالدماء والكدمات، كما اقتلعت عيناها وأسنانها في صور ومقاطع فيديو قال إنه التقطها بنفسه.
وأشار مصور وكالة فرانس برس إلى أن عائلات تبحث عن أقاربها توافدت أول أمس الثلاثاء على مشرحة أحد مستشفيات دمشق حيث تم نقل رفات للتعرف عليها.
وقتل ما لا يقل عن 910 أشخاص، من بينهم 138 مدنيا، خلال الهجوم الخاطف الذي شنته فصائل المعارضة في 27 نوفمبر، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، ونزح “ما بين 800 ألف إلى مليون” شخص، وفقا للأمم المتحدة.
أ.ف.ب