أكد المشاركون في المؤتمر الدولي حول العنف السيبراني ضد النساء والفتيات الذي احتضنت فعالياته، الأسبوع الماضي، جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية بالرباط، أن المغرب يواكب التطور الرقمي ويحرص على تأمين حماية المرأة من كافة أشكال التمييز والعنف، لاسيما العنف السيبراني.
وأبرز المتدخلون، خلال افتتاح المؤتمر الذي نظمته المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، بتعاون مع وزارة الداخلية، والمديرية العامة للأمن الوطني، والدرك الملكي، وبدعم وشراكة من الوكالة البلجيكية للتنمية، أن المملكة عززت إطارها التشريعي ليواكب إجراءاتها المتعددة في هذا المجال.
وفي هذا الصدد، قالت الكاتبة العامة للمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، فاطمة بركان، في كلمة باسم وزير العدل عبد اللطيف وهبي، إن المملكة حرصت على مواكبة تطور المجال الرقمي وتأمين حماية المرأة من كافة أشكال التمييز والعنف، حيث عززت إطارها التشريعي والمؤسساتي ذي الصلة، بإحداث اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، واعتماد القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، وكذا القانون رقم 20.05 المتعلق بالأمن السيبراني.
وأوضحت أنه تم تعزيز هذا الإطار بإحداث وكالة التنمية الرقمية، التي أنيطت بها مهمة تنفيذ الاستراتيجية الحكومية في هذا المجال، وتشجيع نشر الوسائل الرقمية وتطوير استخدامها، واعتماد “الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني 2030″ و”استراتيجية المغرب الرقمي 2030”.
وأكدت أن المغرب حرص أيضا على التصدي للعنف ضد النساء، حيث يعتبر اعتماد القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء في سنة 2018، خطوة هامة في مجال حماية النساء، بارتكازه على أربعة أبعاد، هي البعد الوقائي والحمائي والزجري والتكفلي، وإحداث آليات التكفل بالنساء ضحايا العنف على المستوى المركزي والمصالح اللاممركزة، وكذا مبادرات وتدابير، منها إحداث منظومة متكاملة للتكفل بالنساء ضحايا العنف تتمثل في لجنة وطنية تضم القطاعات الحكومية المعنية، ولجن جهوية ومحلية للتنسيق، والخلايا المؤسساتية للتكفل بالنساء ضحايا العنف التابعة لقطاع العدلة والأمن الوطني والدرك الملكي والصحة.
وأشارت إلى اعتماد المنظومة المؤسساتية الوطنية مقاربة شمولية ومتكاملة في تطبيق القانون 103.13، بتوحيد وتكثيف جهودها للتصدي لجميع أشكال العنف ضد النساء، بما في ذلك العنف السيبراني، داعية إلى الانكباب بشكل عميق على الواجهات الأساسية من خلال “تعزيز الحماية والانتصاف”، و”التأهيل والملاءمة القانونية”، و”إيلاء الأهمية للوقاية”، و”الانخراط في المجهود الدولي لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات”.
من جهتها، أكدت كريمة إبراهيمي، عن وزارة الداخلية، في مداخلة لها، أن الوزارة تعمل، بمساهمة المصالح الأمنية وبتنسيق مع السلطات المحلية والجماعات الترابية، على مكافحة العنف ضد النساء بما فيه العنف السيبراني باعتبار أنه يندرج في الإطار العام لمحاربة الجريمة، خاصة على مستوى الحماية الرقمية لهذه الفئة في ظل الاعتماد المتزايد على تكنولوجيا المعلوميات والاتصالات والذكاء الاصطناعي.
وأعربت عن يقينها بأن هذا المؤتمر الدولي سيخرج بتوصيات تمكن من استلهام أفضل السبل للقضاء على العنف الرقمي، وتملك مهارات لتعزيز قدرات الجهات المختصة لمكافحة العنف ضد النساء والفتيات، مشيرة إلى التقدم الذي حققه المغرب في مجال النهوض بحقوق المرأة.
وذكرت بالإصلاحات القانونية والمؤسساتية الهامة التي تم القيام بها والإجراءات والتدابير المتخذة لمواجهة وتطويق ظاهرة العنف، مسجلة أن توجهات النموذج التنموي تتبنى سياسة عدم التسامح كليا بشأن العنف ضد النساء.
من جانبها، قالت الرائد رجاء مارودي، ممثلة الدرك الملكي، إن الدرك الملكي يواكب الدينامية التي يعرفها المغرب في مجال مواجهة ظاهرة العنف ضد النساء والفتيات، مبرزة أن الدرك الملكي انخرط في تعزيز هياكله وقدراته المختصة لمكافحة استخدام تكنولوجيا المعلومات لأغراض إجرامية وفق خطة عمل تواكب بشكل فعلي السياسة الجنائية والتطورات التي تعرفها الجريمة المنظمة عبر الوطنية.
وأضافت أنه تم، في هذا الإطار، إحداث وحدة المعالجة والتحليل القضائي التابعة للمصلحة المركزية للشرطة القضائية والتي تضم قسما خاصا بالتحقيقات السيبرانية والتحليلات الرقمية، مسجلة أن مؤسسة الدرك الملكي تعمل على تأهيل الأطر والتقنيين عبر برامج وورشات تكوينية وطنيا ودوليا، مع إدراج وحدات بيداغوجية تهم التكفل بالعنف ضد المرأة ضمن برامج التكوين المعتمدة في مختلف مدارس ومراكز التكوين التابعة للدرك الملكي.
بدورها، سلطت المراقب العام بالمديرية العامة للأمن الوطني، مريمة العراقي، الضوء على بعض الإحصائيات التي تعكس تفاقم العنف ضد النساء والفتيات في ظل تطور وسائل الاتصال الحديثة، موضحة أن المديرية العامة للأمن الوطني بلورت استراتيجية أمنية متعددة المحاور تصبو إلى محاربة الجريمة بكافة أشكالها وصورها.
وأكدت العراقي أن المديرية العامة وضعت برنامج عمل استراتيجي لتعبئة جهود وموارد مختلف التشكيلات الأمنية وتنسيق الأنشطة والتدخل مع الجهات المعنية من أجل توفير الإمكانيات والوسائل المادية والتنظيمية لمحاربة العنف ضد النساء.
وأشارت إلى أنها اعتمدت نظام اليقظة السيبرانية وتأهيل الكفاءات البشرية عن طريق تعزيز وبناء القدرات المعرفية بتنظيم دورات للتكوين والتكوين المستمر لفائدة الأطر الأمنية، وكذا تخصيص أروقة للتحسيس بالجرائم السيبرانية من خلال تنظيم الأبواب المفتوحة للأمن الوطني.
واعتبرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد المرأة والفتاة وأسبابه وعواقبه، ريم السالم، في كلمة عن بعد، أن التفاعلات عبر الأنترنت غير منصفة بين الجنسين، وذلك رغم إيجابيات استعماله المتمثلة، على الخصوص، في تكوين شبكات التضامن النسائي، والولوج إلى المعلومات الأساسية التي تحتاج النساء إليها.
وأكدت أن العنف ضد النساء والفتيات يتخذ أشكالا متعددة، من ضمنها العنف الجسدي والجنسي والنفسي والاقتصادي، ويمكن أن يؤدي إلى صدمات نفسية وعزلة اجتماعية للضحايا، داعية إلى اعتماد الحكامة في استعمال الوسائط الرقمية والقيام بإصلاحات قانونية تستهدف قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لضمان بيئة آمنة على الأنترنت للنساء والفتيات.
من جانبها، أبرزت مديرة مختبر الابتكار الاجتماعي بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، بشرى رحموني، أن الجامعة تعمل على الرفع من مستوى الوعي بين الطلبة والعاملين حول مخاطر الفضاء السيبراني، لاسيما عبر تكوين الخبراء القادرين على مواجهة التحديات المرتبطة بجميع أشكاله.
واعتبرت رحموني أن معالجة قضية العنف الرقمي، التي تؤثر بشكل غير متناسب على النساء والفتيات، “ضرورة أخلاقية واجتماعية”، معددة عواقبها الكبيرة والدائمة على الضحايا.
بدوره، أكد سفير بلجيكا بالنيابة، ستيفان نيرشاير، أن المغرب يقوم بمجهودات كبيرة بغية التصدي للعنف ضد النساء والفتيات، معتبرا أن الشركاء المغاربة يمكن أن يتقاسموا تجاربهم في هذا المجال عبر نقاشات هذا المؤتمر الدولي الذي يجمع العديد من الفاعلين وممثلي المجتمع المدني والقطاع الخاص.
وأضاف أن بلاده تبذل جهودا كبيرة للتصدي للعنف الممارس على النساء والفتيات، خاصة عبر وضع مخطط عمل ضد هذا النوع من العنف، مشددا على أن العنف السيبراني يمس كرامة النساء والفتيات ويمثل انتهاكا للحياة الخاصة ويؤثر على الضحايا نفسيا وجسديا.
وتضمن جدول أعمال المؤتمر عقد جلسات تناقش “الإطار الوطني لحماية الضحايا ومكافحة العنف السيبراني”، و”العنف السيبراني، الوضع الراهن وتدابير التكفل بالنساء والفتيات ضحايا العنف السيبراني”، و”الممارسات الفضلى في مجال مكافحة جرائم العنف السيبراني والإجراءات القضائية”، و”التعاون الدولي بشأن العنف السيبراني”.