معارض عجيب

في كل يوم تنقل الصحف خرجات وتخريجات غريبة وشاردة لزعيم الحزب الذي كان يتولى تدبير مالية البلاد في الحكومة السابقة، وآخر ذلك، ما نقلته عنه أثناء لقائه ببرلمانيي وأعضاء حزبه في فاس، حيث صرخ في المتحلقين حوله بأن الحكومة الحالية ستعيش صراعات ستزداد حدة يوما بعد يوم، ولم يتردد في مراهنتهم بالقول: «سترون غدا ماذا سيقع»، قبل أن يرمي في وجوههم بالكشف المبين، ويصيح، بالطبل والمزمار، بأن حزبه جاهز للتدخل في حال حدوث أي سوء لا قدر الله، وذلك من أجل الحفاظ على استقرار المغرب ونمائه الاقتصادي والاجتماعي، وإنقاذ البلاد حتى لا تنزلق نحو المجهول…
عسير حقا أن يستوعب المرء كل هذا الخواء، وصعب ألا يحس بالشفقة تجاه بعض المآلات الشخصية والحزبية في بلادنا..
كانت أعمال اللجان البرلمانية المخصصة لمناقشة الميزانيات القطاعية مناسبة ليسمع المغاربة تحليل وزير المالية السابق، والنائب البرلماني المعارض اليوم، ونتعرف على بديله الاقتصادي والمالي والتقني والتقنوي، لكنه فضل الصمت و…الغياب.
وكان قرار الخروج إلى المعارضة فرصة له لإخبار المغاربة بالواقع المالي والتدبيري لـ «بيت المال»، كما تركه فهيمنا الكبير، وذلك حتى يمكن للناس تقييم التركة والحكم على أداء المسؤولين الجدد بكل موضوعية، لكن هنا أيضا تسيد الصمت…
لو كان الأمر يتعلق بوافد جديد على التدبير الحكومي، لكنا مجبرين على التصديق بظهور المهدي المنتظر من تحت ريش حمامة لا ترمز سوى إلى البراءة، لكن حالة صاحبنا وجاهزية حزبه (أي جاهزيته هو) للتدخل، تجعلنا نخاف على بلادنا من هذه الجاهزية العجيبة.
إن مكونات الأغلبية الحالية ترتبط فيما بينها بميثاق سياسي، وتقدمت ببرنامج حكومي أقره البرلمان، وهي تؤسس اليوم لبداية تنزيل مقتضيات الدستور الجديد، وهي توجد في مستهل الولاية، وهي كذلك تتشبث بعديد التزامات، لعل أهمها نزاهة السلوك والتدبير، ومحاربة الفساد والمفسدين، وتقوية مسلسلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لفائدة شعبنا، وهذا ما يريده بالضبط المغاربة الذين صوتوا لأحزاب التحالف الحكومي…
وفي السياق نفسه، فإن المغاربة لم ينسوا شعاراتهم التي صدحوا بها في الشارع، واللافتات التي حملوها، والصور التي طالبوا برحيل أصحابها، ولم ينسوا الرفض الشعبي والسياسي ضد التحكم والهيمنة الحزبية، ولا مصير رواد هذه العقلية، ومنهم صاحبنا.
إن قليلا من الحياء لن يقتل، بل قد يمنح أمثال صاحبنا بعض الرزانة والعقل، حتى يتأمل في السابق من مساره وفي المآل، وينكب على بيته الداخلي، بدل تخراج العينين في الآخرين، وإثارة سخرية الكل وشفقتهم.
[email protected]

Top