الاحتجاج في الشارع

المواجهات التي يشهدها شارع محمد الخامس، وسط العاصمة الرباط، بين قوات الأمن والمشاركين في التظاهرات الاحتجاجية المقامة هناك في الساحة المقابلة لمقر البرلمان، تعود كل مرة لتفرض ضرورة الانكباب من لدن كافة الأطراف على دراسة موضوع استعمال الفضاء العمومي من طرف مختلف تيارات الرأي، وذلك وفق منظومة قانونية واضحة يقبل بها الجميع، ويحرص الكل على احترامها والتقيد بمقتضياتها.
لقد سبق لبعض منظمات حقوق الإنسان أن بادرت إلى إثارة الموضوع، وعرضت بشأنه مقترحات وأفكار لا بد اليوم لباقي الأطراف، وخصوصا السلطات العمومية، أن تهتم بها، وتسعى للوصول إلى آليات تنظيمية وقانونية لتأطير هذا المجال.
يوم الأحد الماضي، لم  تكن بلادنا تستحق أن يصور أمنيوها وهم يقومون بـ «سحل» الناشط الحقوقي والنقابي عبد الحميد أمين في الشارع، وأمام مرأى الكل، وهي الصورة التي طافت مختلف جهات العالم، مخلفة الاستياء والامتعاض والحزن.
وبغض النظر عن درجة الاتفاق أو الاختلاف مع  هذا الشكل الاحتجاجي أو ذاك الذي يقرره هذا التنظيم أو ذاك، فإن مسارعة عناصر الأمر منذ البداية إلى استعمال الركل والرفس واللكم، وحتى السحل، واللجوء أيضا إلى الهراوات والتعنيف المهين في حق بشر، وفي حق مناضلين معروفين، يعتبر أمرا مرفوضا.
عبد الحميد أمين، سواء اتفق معه الجميع أو اختلف معه الكل، فإنه مواطن مغربي يزيد عمره عن 69 سنة، ولديه أسرة، ويعاني من المرض، ويجر خلفه كذلك مسارا نضاليا طويلا، ومن ثم، فإن تعمد إهانته كما وقع الأحد الماضي وسط العاصمة، واقتراف الكلام النابي في حقه، وأمام زوجته الخائفة عليه، واللجوء إلى «التجرجير « في حقه، يعتبر زيادة ومبالغة من لدن بعض عناصر الأمن.
إن ما يفرزه العالم يوميا من تحولات في التمثلات والأفكار والمواقع والرؤى، وما أعلنه المغرب أيضا من التزامات وتطلعات، كل هذا يفرض على السلطات الأمنية أن تستحضره، وتستعد، بالقانون، للتفاعل معه، وذلك حتى يكون للتميز المغربي امتداد ملموس على الأرض.
من حق نشطاء «20 فبراير» أن يحتجوا، ومن حق المختلفين معهم أيضا أن يعبروا عن رأيهم، ومن حق شعبنا وشبابنا أن يستمتعوا بفعاليات «موازين» وبهاء لحظاته الفنية الممتعة، كما من حق الرافضين للمهرجان أن يسمعوا صوتهم، لكن من واجب كل هذه الأطراف وغيرها، أن تحتكم إلى مقتضيات القانون، وتتفق جميعها على احترام قواعد لاستغلال الفضاء العمومي، ومن واجب السلطات العمومية والمؤسسات المعنية أن تعمد إلى إيجاد هذه القواعد، وتعد شروط تطبيقها، ومن واجب القوات الأمنية أن تستحضر كل هذا خلال تدخلاتها في الميدان، وأن يتوفر لها التكوين والتدريب الكافيين من أجل النجاح في هذه المهام.
وكما أن المزايدات مرفوضة، وأيضا الانتصار إلى الالتباس والغموض من هذا الطرف أو ذاك، فإن العنف الذي تصر عليه قوات الأمن، وتعمد إهانة المحتجين، وخصوصا الوجوه الحقوقية المعروفة، والصحفيين الذين يقومون بتغطية التظاهرات، كل هذا أيضا غير مقبول، ويجب أن يختفي من مغرب اليوم.

Top