بلا سطحية

أتاحت التجاذبات الجارية اليوم وسط تحالف الأغلبية وحواليه لكثير من الناس أن يتحولوا إلى «محللين» وإلى «فهايمية» في السياسة، وفي الدستور، بل حتى في إملاء قواعد السلوك على الأحزاب، كما برز أيضا من بين بني جلدتنا من امتهن حرفة أخرى تقوم على التنجيم «وضرب خط الزناتي»، وعلى رسم المستقبل، وتحديد من سيكون الرابح من وراء ما يقع، ومن سيكون أسفل سافلين.
فعندما ينعقد اجتماع بين زعماء أحزاب الأغلبية الثلاثة (يوم الجمعة ويوم الاثنين)، يخرج علينا من يقول بأن رئيس الحكومة لا يتشاور مع شريكيه الآخرين، وبأنه فضل عقد اجتماع للأمانة العامة لحزبه(انعقد السبت للتذكير).
وعندما ينوه بيان الأمانة العامة لحزب رئيس الحكومة بزعيمي حزبي الأغلبية الآخرين، يخرج من يضرب أخماسه في أسداسه، ويصيح في وجوهنا كل صباح بأن حزبا سيفقد مقاعده الوزارية، وحزبا آخر سيكون أكبر الخاسرين، وثالثا سينال الدرجات العليا، وكل هذا يكتب ويقال حتى قبل أن يكون رئيس الحكومة قد شرع في المفاوضات أو في المشاورات.
ثم عندما يقال بأن قيادة حزب رئيس الحكومة أو اجتماع قادة أحزاب الأغلبية الثلاثة يرجحون خيار تشكيل أغلبية جديدة، بدل دفع البلاد نحو انتخابات تشريعية مبكرة، يخرج من يتولى الرد قائلا بأن رئيس الحكومة لن يجد من يتحاور معه، وبأن الأشياء خرجت من بين يديه.
هل كل هذا هو مجرد جهل للأشياء أم أن الأشياء نفسها والكتابة عنها لا تتحرك صدفة أو من غير تحريك أو إيحاء؟
إن التبسيطية التي تتم بها مواكبة تطورات حقلنا الحزبي والسياسي والحكومي هذه الأيام هي التي تحول دون استثمار الفرصة للانكباب على قضايا جوهرية.
فعندما ترجح أحزاب الأغلبية، وخصوصا رئيس الحكومة وحزبه، خيار تشكيل أغلبية جديدة بدل جر البلاد إلى انتخابات مبكرة، أليس هذا هو الخيار الأنسب، والأكثر استحضارا لمصلحة البلاد؟ وهل هناك من يرى الحل في خيار آخر؟ ثم أليس من الحكمة وبعد النظر اليوم تشجيع السير في هذا الاتجاه، والعمل من أجل إنجاح المسار كله، وتمكين البلاد من تثبيت مؤسساتها؟
إن الحس الوطني والنضج السياسي يفرضان اليوم مساهمة كافة الأطراف من أجل الخروج من المنغلق، وذلك بغاية الانكباب المستعجل على الملفات الإصلاحية الكبرى التي لم تعد تقبل مزيد تأجيل، وليس انتهاز الظرفية لتجميد الإصلاحات، كما أن مناسبة هذا «التعديل الحكومي» تفرض الاستفادة من كل ما قد يكون برز من تجليات قصور في الأداء والعلاقات والبنيات، وبالتالي، الانطلاق نحو ممارسة حكومية أكثر انسجاما، وأكثر فاعلية، وأكثر سرعة، وأكثر إنتاجا للفعل الملموس على الأرض.
البلاد اليوم في حاجة إلى إنهاء حالة التجاذب والعودة إلى الاستقرار المحفز على العمل، وهي كذلك في حاجة إلى متابعة إعلامية وتحليلية وسياسية أكثر نضجا واستيعابا لطبيعة المرحلة ورهاناتها من أجل أن نبتعد كلنا عن ازدواجية السلوك والتباس الموقف، وعن اللامعنى فيما يقال أو يكتب.
[email protected]

Top