عنوانه الحنين إلى زمن الدولة الراعية

«سراب» للمخرج المجري زابوليك هاجدو فيلم منفتح على ثقافات مختلفة وأنماط سينمائية متنوعة
تتوالى عروض المسابقة الرسمية برسم الدورة الرابعة عشر لمهرجان مراكش الدولي للفيلم، بين أفلام عالية الجودة وأخرى لا بأس بها، ومن بين أهم ما عرض لحد الساعة فيلمان كبيران وجديران بإثارة لجنة التحكيم وهما “كل شيء أحببناه” للمخرج ماكس كوري من نيوزلندا و”سراب”، للمخرج زابوليك هاجدو من المجر، هذا الأخير الذي تم عرضه يوم الاثنين الماضي ويتمحور حول خيبة الأمل والضياع الذي واجه بعض شعوب أوروبا الشرقية بعد انهيار النظام الشيوعي ونهاية مفهوم الدولة الراعية ليجد مواطنو هذه المجتمعات بعد اليقظة من أحلام  رفاهية النمط الغربي  أنفسهم متروكين لمصائرهم في مواجهة الكوابيس، والمخرج هنا يقدم تجربة المجر الذي انتكس  فيه الحال إلى العبودية حسب ما يستعرضه هذا الفيلم.
يحكي الشريط قصة لاعب كرة قدم  إفريقي في نهاية مشواره يتهم بتلقي رشاوى من أجل تغيير نتائج المقابلات ويجعله هذا موضع بحث من طرف الشرطة ما يجعله يلجأ للاختباء في إحدى الضيعات، لكنه سرعان ما يكتشف أن هذه الضيعة يسيرها مجرمون يستعبدون الناس ولا يترددون في قتلهم أو طمرهم  أحياء في حفر مع النفايات وتغطيتهم بالاسمنت المسلح، اللاعب الإفريقي ويدعى فرنسوا (اسحق دي بانكولي) يجد نفسه داخل الكماشة فاقدا لحريته وماله ومهددا بالموت في إي لحظة فينتفض لاسترجاع كرامته الإنسانية التي هدرت.
الفيلم وهو من النوع الأسود، يحكي عن منطقة فلاحية في المجر وضيعاتها التي كانت في ملك الدولة، قبل أن يتملكها الخواص فتفلس وتصبح مرتعا لمجرمين يسومون الناس سوم العبودية وبإصرار كبير يحاول المخرج إبراز الخراب الذي حل بالمنشات بعد انهيار المعسكر الشرقي والتدهور الكبير الذي أصاب القيم، غير أن الشريط ليس مأسويا بقدر ما هو منمق ببهارات سينما البولار والويسترن وأفلام  العصابات إضافة إلى كونه ناطقا بعدة لغات الفرنسية، والانجليزية، الرومانية، والمجرية،  ومؤثث بكادرات لمناظر طبيعية والجميل في الفيلم كذلك كونه لا يعتمد الحوار ألا ناذرا على شكل ربليكات قصيرة بينما تهيمن فيه لغة الصورة السينمائية.
فيلم جيد بكل المقاييس فهو سياسي وفرجوي ممتع ويمرر خطاباته بسلاسة دون أدنى ملل أوثقا أو صعوبة في الاستيعاب ما يرافق الفيلم السياسي عادة، فشخصيات الفيلم تتحرك في صمت لكنه صمت يتحدث ويكاد يصرخ أحيانا ومما لاشك فيه أنه يحتفظ بحظوظ قوية للفوز بإحدى جوائز المهرجان،  كما حصل مع الفيلم القرغيزي “سرطان” الذي  يتقاطع معه في تناول نفس القضية حيث يرصد حياة قرية بعد انهيار الشيوعية والناس فيها صاروا متروكين لمصائرهم في غياب الدولة الراعية، وقد حاز على نجمة مراكش الكبرى متقدما على العديد من الدول ذات الباع الطويل  في الفن السابع، لأن مهرجان مراكش الدولي ميزته الأساسية نزاهة النتائج دون انحيازات سياسية، عرقية أو دينية أو محاباة بل هي نتائج ظلت تنم عن حنكة ومهنية كبار المخرجين والنجوم الذين يكونون لجن تحكيمه دورة بعد أخرى.

Top