يصر بعض الناس على ترقيع وتفصيل تخيلاتهم الذاتية وعرضها وسط الآخرين كما لو أنها حقائق، ويمعنون في التيه بتقيؤها في وجوه الكل كل حين وفي كل مكان.
مثال عن هذا النموذج يتعلق بما يروج له هذه الأيام عن وجود “حركة تصحيحية” من داخل حزب التقدم والاشتراكية، لا أحد يعرف تفاصيلها سوى الراسخون في… الوهم.
وجود حركة يتطلب بداية وبداهة وجود أعضاء ومنتسبين لها، فضلا عن مسؤولين ومتحدثين باسمها، أي كيان وهيكل حقيقيين ومن… لحم ودم، وبعد ذلك يمكن الحديث عن الأفكار والبرامج والطروحات والرؤى والأهداف، أما في حالتنا هذه فكامل الحكاية موجودة في الفايسبوك ولا أحد يعلم شيئا عن اجتماعات يقال إنها انعقدت وعن قرارات اتخذت وعن تنسيقات ومشاورات جرت.
صوت واحد تكلم وقال وفعل في المؤتمر الوطني الأخير وبعده، واليوم تنشر بعض الصحف والمواقع الإلكترونية أشياء وأشياء تنسب له أو تصور من حوله وخلفه، كما لو أن الأمر فعلا حركة حقيقية، فبالأحرى أن تكون تصحيحية…
لا أحد من الذين كتبوا في بعض صحفنا أو روجوا للأمر عبر بعض المواقع توقف لحظة ليسأل من يحمل له الأخبار والبلاغات عن طبيعة هذه المسماة حركة ومن هم أعضاؤها وما هي علاقتهم ووضعيتهم داخل صفوف الحزب المراد تصحيحه، ولا أحد أيضا بحث، ولو صحفيا، عن حضور هذه السخونة الطارئة وإشعاعها وامتدادها داخل الحزب أو حواليه أو خارجه، ولا أحد توقف ليقارن كلام الحركة المدعاة مع مجريات الاجتماع الأخير للجنة المركزية ومستوى الحضور والقرارات المتخذة…
ومع ذلك كثيرون هم الذين يكتبون عن حركة تصحيحية في حزب التقدم والاشتراكية و”يحللون” ويتوقعون و… ينجمون.
حزب التقدم والاشتراكية استطاع الاستمرار لأزيد من سبعين عاما لأنه بالذات كان دائما ينجح في تصحيح ذاته، وهذا سر الوصفة السحرية لمن يستغرب، ولهذا منذ المؤتمر الوطني الماضي ينكب على تطوير منظومته الهيكلية الداخلية وبنائه التنظيمي، وأعلن خلال اجتماع لجنته المركزية الأسبوع الماضي عن عقد مؤتمر استثنائي لمراجعة بعض مقتضيات قانونه الأساسي، أي أنه في تجديد وتصحيح مستمرين للتلاؤم مع مستلزمات وشروط المرحلة التي يحياها وما تطرحه عليه الممارسة من أسئلة ومهام.
إن مراجعة القانون الأساسي لا تكون من أجل طرد فلان أو علان، خصوصا إذا كانوا بلا أي أثر لا في الميدان ولا في سير عمل الحزب، ذلك أن منظومة التأديب وإجراءات الانضباط الحزبي موجودة دائما ومعروفة وتطبق بموجب قوانين وأنظمة صادق عليه مؤتمر الحزب، ولكن المراجعة تكون من أجل تطوير عمل الحزب وتقوية إشعاعه وسيره إلى الأمام.
مرة أخرى عندما يتسيد الوهم في بعض العقول ويتفاقم الشعور بالنقص والعجز يكثر الادعاء بكون كل مراجعة أو قرار أو موقف أو كل ما يتحرك ويدب على الأرض هو ضد هذه العقول ويستهدفها أو يسعى إلى إبعادها وطردها وإقصائها، والحال أن كل هذا مجرد أوهام وأضغاث أحلام.
أما الحقيقة الموضوعية القائمة اليوم فهي أن التقدم والاشتراكية ربح كثيرا من رهاناته الانتخابية والسياسية والإشعاعية، ونجحت الدورة الأخيرة للجنته المركزية، وهو ينكب على تفعيل الآليات والهياكل والتصورات لتنمية إشعاعه وتمتين منظومته الداخلية.
عدا هذا ليس فيما يروج سوى… الوهم.
[email protected]