بدعم من وزارة الثقافة، أعد الناقد الفني عبد الله الشيخ كتابا عن سيرة الفنانة العالمية الراحلة الشعيبية طلال يحمل عنوانا دالا ” الشعيبية: أسطورة حية”، على لسانها نجلها ووحيدها المبدع التشكيلي الحسين طلال. يتصدر الكتاب مقتطف من نص الرسالة الملكية التي بعثها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده إلى الحسين طلال بمناسبة رحيل أمه الشعيبية، بتاريخ الجمعة 11 صفر الخير 1425 ه الموافق لثاني أبريل 2004 م. جاء فيه:” فقد فيها المشهد الثقافي الوطني عامة، والفن التشكيلي بصفة خاصة رسامة مبدعة وفنانة رائدة تميزت بعصاميتها وعبقريتها الخاصة، التي مكنتها من تخليد اسمها في سجل الفنانين التشكيليين المرموقين داخل الأروقة والمعارض والأوساط الوطنية والعالمية”.
يعتقد طلال بأن “المؤلف المونوغرافي الذي انكب على إعداده الناقد الفني عبد الله الشيخ جدير بالتقدير والاهتمام، لأنه يرصد أبرز منعطفات مسار الشعيبية داخل المغرب وخارجه، موظفا كل الوحدات الوثائقية والمراجع الإعلامية والفوتوغرافية التي يتوفر عليها رواق “ألف باء”. فهذا الكتاب المرجعي، يخلص طلال، سيمكن قراء العربية من الاطلاع على الرصيد العالمي للفنانة الشعيبية بشكل واضح وبليغ. فأعمالها مازالت ذات حضور معاصر داخل المغرب وخارجه لأن راهنيتها مرتبطة بقوة إعداده وإنجازها، ويذكر طلال دوما بقول والدته الراحلة الشعيبية:” لوحتي دائما حية على الجدار، فهي تثير شعور الفرح والبهجة في نفوس وقلوب ناظريها”.
حول مسار الشعيبية البصري و مقتربها التشكيلي، يقول نجلها:” عبرت الشعيبية كل أنحاء العالم، وأثارت اهتمام كبار نقاد الفن ومؤرخيه، كما أنها اخترقت عن جدارة واستحقاق كبريات المحافل الدولية، وبصمت فضاءات الأروقة العالمية. إن سر الشعيبية يكمن في العمل الجاد. إنها فنانة اشتغلت كثيرا طيلة حياتها، في بيتها استقبلت عددا وافرا من الشخصيات الاعتبارية. في عملها الإبداعي الخاضع للقاعدة الذهبية كل عنصر في مكانه الخاص، بالنسبة إليها الصدق هو مفتاح الإبداع وجوهره العام، تتجلى شخصية الشعيبية في الخطوط والتركيبات. كل لون يكشف عن صورتها الفنية، علينا أن تعترف بأن الشعيبية قد أفضت بالتصوير المغربي إلى مستوى الكونية عن طريق ألوانها، وملابسها واستيهاماتها وبوهيميتها”.
كتتويج لمسارها الفني صنفت الشعيبية ضمن رواد حركة كوبرا (حركة صباغية حديثة نشأت بأروبا عام 1945، حيث دافعت عن فن خام، متخلص من كل تأثير تاريخي) من أمثال آبل، وألشنسكي، وكونراي وكونستون. تنفرد الشعيبية بقوة التعبير الغرافيكي واللون الخام، هنا يتجلى سر الفن.
في فترة السبعينيات من القرن المنصرم، يسرد الفنان العالمي الحسين طلال، في تضاعيف هذا المؤلف السيرذاتي، كان هناك عدد كبير من الفنانين الذين سايروا مسلكها الإبداعي خاصة بالبرازيل وباريس، للإشارة فإن الفنان محمد بناني اسر لطلال، أنه اضطر إلى الاصطفاف مع جماهير الناس بأتينا لزيارة متحف فني، وكم كان مندهشا عندما وجد أن الأمر يتعلق بمعرض للشعيبية.
مقتطف مما نشره قاموس أكسفورد الدولي للإعلام:
الشعيبية ب ” معجم تراجم الفنانين الأفارقة”
أصدر مؤخرا قاموس أكسفورد الدولي للإعلام بنيويورك المؤلف المرجعي ” معجم تراجم الفنانين الأفارقة”، حيث خص مقالا رصينا لمسار الفنانة العالمية و الفريدة الشعيبية طلال (1929 – 2004) من تأليف الناقدة و مؤرخة الفن أوزير غلاسيي. ففي ضوء مقاربة مقارنة و حجاجية، كتبت هذه المؤرخة ذات الصيت الدولي المقال الآتي المعنون ب “مسار فنانة عالمية”:
” الشعيبية طلال بلا منازع أكثر الفنانين المغاربة شهرة في القرن العشرين، إضافة إلى ذلك، فهي مصنفة ضمن كبار الفنانين العالميين على غرار ميرو، وبيكاسو ، و مودغلياني على سبيل التمثيل لا الحصر. إنها، أيضا، الفنانة الوحيدة بالمغرب التي حطمت أعمالها أرقاما قياسية في المزاد العلني الدولي. للإشارة، فقد بلغت أعمالها التشكيلية ما قيمته مليون درهما بالنسبة للحجم الكبير. ولدت الشعيبية عام 1929 بشتوكة، قرب الجديدة. لا شيء يبدو معدا سلفا بخصوص مسار هذه الفنانة ذات الشهرة العالمية. ترعرعت، فعلا، في أحضان أسرة قروية، في قلب البادية، إبان فترة ما زال التعليم فيها امتيازا بالنسبة لأبناء الطبقة الميسورة.
في سن الثالثة عشرة، تزوجت الشعيبية طلال برجل طاعن في السن خاض سبع تجارب في الزواج. دام هذا الرباط عامين : تبعا لحادثة سير ، توفي زوجها، و ترملت في سن الخامسة عشرة، و هي أم لابنها حسين في سنته الاولى. كانت تنسج الصوف من أجل تأمين حاجياتها، و إعالة ابنها، و قد اشتغلت كخادمة لدى عدد من الأسر الفرنسية حينها كان المغرب يعيش فترة الاحتلال.
لم تحل الساعات الطوال من العمل دون تأكيد عزم الشعيبية، فهذه الأخيرة تريد، مهما كلفها الأمر ذلك ، أن يتخلص ابنها من جرح الأمية، هذا الجرح الذي عانت منه طوال حياتها، و الذي لم يتفوق لا المجد و لا الثراء في علاجه. بشكل مماثل، لم يؤثر الفقر في قرار الشعيبية عدم الزواج مجددا : فقد رفضت كل العروض التي تلقتها في هذا الباب. من جهة ، تريد حماية ابنها ضد كل معاملة غير لائقة و محتملة من طرف الزوج، و من جهة أخرى ترغب في العيش حرة طليقة. عرفت الشعيبية كيف تتمثل حريتها، و لو في مسكن بدون كهرباء. يتذكر حسين طلال أنه درس تحت ضوء الشموع إلى حين مغادرته المغرب، قصد استكمال دراسته بالخارج، و تأكيد مساره كفنان معترف به.
واصلت الشعيبية عملها كخادمة، في الوقت الذي أسس فيه حسين مساره الفني. عندما كانت الأم ترى ابنها ملطخا بالصباغة، كانت توبخه و تؤنبه، مفسرة إياه بأنه مرهق حال تنظيف هذه القذارة. و كم كان مستبعدا التخيل بأن الأدوار ستنقلب قريبا. على ضوء تجربتها الشخصية، الشعيبية مقتنعة بأن لكل واحد منا، رجلا أو امرأة، قدرا مخططا مسبقا. تكفي معرفة قراءة اشارات الحياة لمعرفة التوجه. الواقع، أن هناك حدثين وجها الشعيبية نحو المسلك الذي يجب أن تنتهجه. في بداية الأمر، التقت رجلا قديسا بزاوية مولاي بوشعيب الذي تنبأ بأن هذه المهبولة ستصير بركة، و نعمة قريتها. تلى ذلك الحلم الذي غير مجرى حياتها. في سنة 1963 ، حلمت الشعيبية و عمرها آنذاك خمسة و عشرون سنة، بأنها بداخل غرفة نومها. باب الغرفة مفتوح. اكتشفت صفا من الشموع المضيئة يمتد حتى الحديقة. كل ألوان قوس قزح تتلألأ في سماء زرقاء تماما. بعد ذلك، دخل رجال شديدو بياض الثياب الغرفة.منحوا الشعيبية قماشات و فرشات، موضحين لها : “هذا هو مكسب قوتك”. في حالة اليقظة، عرفت الشعيبية بأن هذا الحلم يجب أن يتحقق. يومان بعد ذلك ، اقتنت الصباغة، و انكبت بدون تريث على الرسم. ذات يوم جميل، فوجئ حسين برؤية أمه ملطخة بالصباغة، و حفزها على الاستمرارية.
واصلت الشعيبية عملها كخادمة نهارا مخصصة أمسياتها للرسم الصباغي. عامان بعد ذلك، و تحديدا سنة 1965، دعا حسين أحمد الشرقاوي، رسام مغربي، و بيير غودبير، ناقد فني و مدير متحف الفن الحديث بباريس، لتناول وجبة الكسكس في ضيافة أمه. بدون أفكار مسبقة، أظهرت هذه الأخيرة لوحاتها لضيوفها.
أحب كثيرا بيير غودبير أعمال هذه الفنانة الناشئة. بعد فسحة من الزمن، تعترف الشعيبية بأن هذا الأخير ساعدها و شجعها كثيرا. في البداية، أقيمت ثلاثة معارض أولية عام 1966 ، واحد بمعهد غوته الألماني بالدار البيضاء، و الآخر برواق “Solstice” بباريس، و الثالث بصالون “أقصى المستقلين “Surindépendants ” بمتحف الفن الحديث بباريس.
تتابعت بعد ذلك بتسلسل المعارض عبر بقاع العالم. كان تألق الشعيبية ساطعا. أثارت “المهبولة” ، مجنونة بلدة شتوكة الصغيرة، إعجاب جمهور عريض بعدة أقطار دولية من بينها كوبنهاغن، و فرانكفورت، و إبيزا، و تونس، و البرازيل، و روتردام، و العراق، و برشلونة، و زيلاندا الجديدة، و بفرلي هلس.
توج مشاهير النقاد في العالم الشعيبية فنانة كبيرة في القرن العشرين، لعامل موضوعي نظرا لكون أعمال هذه الأخيرة عرضت بجانب أعمال فنانين عالميين أمثال ميرو، و بيكاسو، و مودغلياني.منذ عام 1971 ، أدرجت أيضا الشعيبية في “لاروس” الفن بالعالم، و خلال عام 1977 ، دخلت القاموس المرجعي “Bézénit”.
لكن لا أحد نبي في بلدته. فبينما يقف الغرب مذهولا أمام موهبة الشعيبية طلال الخارقة، نجد الأسماء الصادحة للفن المعاصر بالمغرب تخصها بازدراء كلي. يجب القول بالنسبة لهم بأن إنتاج هذه الأخيرة مختزل في الفن الفطري. مع ذلك، فنقاد الفن يجمعون في هذا الصدد حول هذه الحقيقة : أسلوب الشعيبية لا علاقة له بالشكل التعبيري للفن الفطري. و إذا كان من اللازم تصنيف هذا الأسلوب فقد اتفق بعض النقاد على القول بأننا في حضرة “فن خام” (Art brut)، أي نموذج تشكيلي كما نادت بذلك الحركة الأروبية كوبرا (Cobra ) عام 1945، و الذي يهم فنا متخلصا من كل تأثير معرفي، و ثقافي، و تاريخي. الواقع، أن أسلوب الشعيبية غير قابل للتصنيف. في ما بعد، نقول عمل “الشعيبية” كما نقول عمل “بيكاسو” … و أيضا كما نبيع عملا ل “بيكاسو” : الشعيبية هي الفنانة المغربية الوحيدة المتداولة أعمالها في البورصة بسعر مرتفع، و جماعو اللوحات مستعدون لدفع مليون درهما كمبلغ زهيد لاقتناء واحدة من لوحاتها.
توفيت الشعيبية بالدار البيضاء عام 2004 في سن الخامسة و السبعين سنة، على إثر أزمة قلبية. وهبت للأجيال القادمة إنتاجا فنيا فياضا. فلوحاتها تعزز و تغني مجموعات عدة دول من بينها فرنسا، و إيطاليا، و اليابان، و سويسرا، و الهند، و هايتي، و استراليا، و بريطانيا العظمى، و الولايات المتحدة الأمريكية. كما تغني لوحاتها كبريات المجموعات الخاصة في العالم، كمجموعة ملك المغرب، و كذا مجموعات أخرى بفرنسا، و إيطاليا، و لبنان، و مصر، و الهند، و كندا، و اسبانيا، و سويسرا، و هولاندا، و بلجيكا، و هايتي، و اليابان، و السويد، و الدانمارك، و ألمانيا، و أستراليا، و الولايات المتحدة الأمريكية، و بريطانيا العظمى، و زيلاندا الجديدة، و افريقيا الجنوبية. حاصل الكلام، لقد كانت مهبولة شتوكة بركة و نعمة بالنسبة للمغرب كله”.
* ترجمة: عبد الله الشيخ (ناقد فني)