“مي حليمة”، سيدة بيضاوية في الستين من العمر، تتجه إلى أحد الأسواق المركزية بالدارالبيضاء، حاملة في يدها قفة تنتظر أن تُملأ بما تتُوق لها هي وأسرتها من أكلات لذيذة خلال شهر رمضان المبارك، حيث تقف أمام كل دكان على حدة لتَرنو إلى السلع المتراصة من كل الأصناف، وتبدأ جولة مفاوضات مع البائع بُغية الفوز بصفقة مربحة، وهي شراء ما تشتهيه البطن والمائدة بأقل دراهم ممكنة.
بعدما فَرَغَتْ من التسوق، سألناها ما إذا كانت راضية عن الأسعار، فأجابت والتفاؤل يعْلو محاياها: “لدي مبدأ في الحياة، هو أن على كل إنسان أن يشتري ما يحتاجه فقط وحسب استطاعته المادية، فنحن المغاربة نبْتاع كميات كبيرة على الرغم من أننا نستهلك البعض منها، فالعين تشتهي قبل البطن لدى بعض الناس، وعلى العموم الأسعار مناسبة وفي المتناول باستثناء بعض المواد”.
معسكر تحضيري
على بعد أيام قليلة من حلول شهر الغفران، تدخل الأسر المغربية في معسكر تحضيري استعدادا لمواجهة الشهر الفضيل. هنا ينطلق موسم التسوق الذي تعرف خلاله محلات العطارة والمراكز التجارية الكبرى إقبالا ملحوظا بخلاف الأيام العادية، حيث ترتفع وتيرة استهلاك الأسر المغربية، الشيء الذي يؤدي إلى ارتفاع سعر البعض منها رغم وفرة العرض، خاصة تلك التي تتشكل منها المائدة الرمضانية وتدخل في إعداد “الشهيوات”.
يبرر غالبية المتسوقين اختيارهم التبضع في هذه الأوقات، كون الأسعار تقفز مع بداية الشهر، ولتفادي الإصابة بحمى الأسعار يلجؤون إلى الاستعداد القبلي، حيث تلاحظ حركة دؤوبة ورواجا في أسواق الدارالبيضاء، إذ يتدفق المواطنون على الدكاكين كما يتدفق النمل على إناء العسل، كما تتسابق المحلات التجارية الكبرى إلى توزيع إعلانات لها وتقديم عروض خاصة برمضان.
أسعار على حافة الاشتعال
خلال جولة في أسوق الجملة للخضر والفواكه وكذا التمور واللحوم بالدارالبيضاء، يلاحظ تذبذب الأسعار حسب كل منتوج، فالتمور مثلا وباعتبارها عنصرا أساسيا في المائدة المغربية والتي تعرف طلبا كبيرا، تتراوح أثمنتها بين 30 و 150 درهما؛ أما الخضر والفواكه فأثمنتها تبقى مُطمْئنة خصوصا الطماطم التي تستعمل في إعداد الحريرة، حيث يبلغ سعرها 2.33 درهما بارتفاع نسبته 7.87 في المائة، في حين بقي سعر البصل مستقرا بـ5.50 درهما، بينما وصل سعر البرتقال2.40 درهما، أما الموز فبلغ سعره 10.50 درهما للكيلوغرام بارتفاع قدر بـ 2.44 في المائة.
اللحوم الحمراء والبيضاء لم تعرف تغيرا كبيرا، فسعر اللحوم مازال في حدود الـ70 درهما والدجاج 14 درهما، بينما شكلت الأسماك الاستثناء المتمثل في العرض المحدود وأسعار على حافة الاشتعال، إذ بلغ سعر السردين 12 درهما للكيلوغرام، الصول 60 درهما والقمرون 100 درهم للكيلوغرام، حيث عزا المهنيون هذا الارتفاع إلى مجموعة من العوامل الطبيعية والاقتصادية، خاصة الاضطرابات الجوية التي شهدتها مؤخرا السواحل البحرية للملكة.
استنفار حكومي
وزارة الداخلية عقدت اجتماعين متتاليين الأول في 18 أبريل والثاني في 2 ماي، للتنسيق وتتبع وضعية تموين السوق الوطنية ومستوى الأسعار الأساسية، خاصة بالنسبة لبعض المواد التي يكثر عليها الطلب خلال رمضان، وكذا لتعزيز تدخلات المصالح المكلفة بالمراقبة، وبحماية المستهلك وآليات التنسيق بين مختلف الإدارات والهيئات المعنية على المستويين المركزي والمحلي، كما قامت بتوجيه تعليمات للولاة والعمال من أجل تفعيل خلايا المداومة والرقم الهاتفي الوطني، الذي سيتم وضعه رهن إشارة المواطنين في القريب العاجل قصد تلقي ومعالجة الشكايات المحتملة للمستهلكين والتجار بشأن التموين، الجودة والأسعار.
أما بخصوص أسعار المواد الأساسية، فقد أشار بلاغ وزارة الداخلية إلى أن غالبيتها تبقى مستقرة وفي مستوياتها المعتادة، عدا بعض المواد التي تعرف أثمانها تغيرا نسبيا مرتبطا أساسا حسب عوامل ظرفية أو موسمية، كما دعا وزير الداخلية إلى المزيد من اليقظة والتعبئة وتنسيق الجهود من أجل حماية المستهلك من الممارسات غير المشروعة التي قد تمس بقدرته الشرائية وبصحته وسلامته، مشددا على أن عمليات المراقبة وتتبع الأسواق يجب أن تندرج في سياق الاستمرارية والتطوير المتواصل لآليات العمل واستباق المخاطر.
في المقابل أكد لحسن الداودي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة أن كل المواد التي يستهلكها المواطن خلال رمضان بكثرة متوفر في الأسواق، سواء المنتجة في المغرب أو المستوردة من الخارج، مضيفا أن “المشكل هو في الاحتكار ومن يبيع مواد فاسدة، فالحكومة ستتعامل بصرامة مع هذه السلوكات والممارسات وأنها لن تقبل باحتكار مواد معينة”. مشددا على أن “كل تجاوز تم تسجيله في هذا الإطار سيتم عرضه على القضاء”.
“لهطة” رمضانية
أظهرت آخر دراسة للمندوبية السامية للتخطيط حول العادات الاستهلاكية للمغاربة خلال شهر رمضان ، ارتفاع هذه النفقات بمتوسط بلغت نسبته 16.3 في المائة خلال هذا الشهر. وبالموازة مع هذا الارتفاع، يبقى شهر رمضان مصدرا لتغيير كبير يطال نمط الاستهلاك، إذ يزيد إنفاق الأسر على التغذية بنسبة 37 في المائة، وعلاوة على ذلك فإن تغيير السلوك الاستهلاكي للمغاربة خلال رمضان يؤثر بشكل واضح في تطور أسعار، حيث تبقى الأسماك من أكثر المنتجات التي يمس أسعرها الارتفاع.
“منى”، موظفة بنكية في عقدها الثالث، تجر قفة من أذنيها نحو السوق، لتسأل البائع عن ثمن الزنجلان واللوز ليجيبها كمن يُبرّئ نفسه من تهمة ارتفاع الأسعار: “البلدي 42 درهما، والرومي الذي كان بـ22 درهما ارتفع ثمنه ليصبح بـ 30 درهما للكيلوغرام”، ويضيف: “أما اللوز فانتقل من 80 درهما إلى 90 درهما للكيلوغرام”, لم تخف “منى” امتعاضها وتذمرها لسماعها أثمنة مواد تعتبرها أساسية في صنع “البريوات” و”سلو” إلا أنه على الرغم من حُمّى الأسعار، قررت اقتناء ما تحتاجه فهي مكرهة ولا خيار أمامها حسب قولها.
> أنس البشارة (صحفي متدرب)