انطلقت أمس الخميس (9 يناير 2025)، بالعاصمة العمانية مسقط، فعاليات الدورة 15 لمهرجان المسرح العربي الذي دأبت على تنظيمه الهيئة العربية للمسرح، كل عام في بلد عربي، وتستضيفه هذه السنة سلطنة عمان في الفترة الممتدة ما بين 9 و15 يناير الجاري..
وستشهد هذه الدورة، المقامة بتنسيق بين وزارة الثقافة والرياضة والشباب بسلطنة عمان والهيئة العربية للمسرح والجمعية العمانية للمسرح، 15 عرضا مسرحيا تقدم على 3 مسارح مختلفة وهي مسرح قصر البستان ومسرح العرفان بمركز عمان للمؤتمرات والمعارض وكذلك مسرح كلية الدراسات المصرفية.. ويقام أيضا، خلال المهرجان 28 مؤتمرا صحفيا مختلفا و4 أوراش تدريبية بالإضافة إلى المؤتمر الفكري الذي ينقسم لمسارين، المسار الأول سيختص بتقديم وتوقيع إصدارات حول المسرح في سلطنة عمان والخليج العربي وإلإصدارات الحديثة للهيئة، والمسار الثاني سيتوزع على ندوات وأبحاث علمية تتمحور حول موضوع “المسرح والذكاء الاصطناعي بين صراع السيطرة وثورة الإبداع الإنساني”، فضلا عن الجلسات النقدية التطبيقية لمناقشة وقراءة العروض المسرحية المتنافسة، كما سيشهد المهرجان أكثر من 500 ضيف مسرحي من داخل سلطنة عمان وخارجها من الدول العربية.
سعيد بن سلطان البوسعيدي: المهرجان انعكاس للقيم المشتركة في تعزيز التواصل الثقافي
هذا، وفي مؤتمر صحفي انعقد قبيل المهرجان، اعتبر الأستاذ سعيد بن سلطان البوسعيدي، وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب بسلطنة عمان، بأن المهرجان يعد “ملتقى يجمع نخبة من الفنانين والمسرحيين والكتاب والمخرجين المبدعين العرب للاحتفاء بفن المسرح وتعزيز دوره في دعم الثقافة والإبداع على المستوى العربي”، وتتميز هذه النسخة، يضيف المسؤول العماني، “باستقطاب عدد ضخم من العروض المسرحية العربية بالإضافة إلى الفعاليات المصاحبة”، مشيرا أن هذه النسخة ستشمل معرضا للصناعات الحرفية العمانية والمعرض الفني ومؤتمرا فكريا سيتضمن عددا من الأوراق البحثية، كما سيتم خلال المهرجان تقديم رسالة اليوم العربي للمسرح للفنان الفلسطيني فتحي عبد الرحمن. وأكد وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب بأن هذا المهرجان يمثل “انعكاسًا للقيم المشتركة في تعزيز التواصل الثقافي، وتبادل الخبرات على الصعيد الداخلي والخارجي، إلى جانب تحقيق الشراكة والتكامل مع المؤسسات المحلية والدولية في المجالات الثقافية”.
وأشاد وكيل وزارة الثقافة بدور الهيئة العربية للمسرح في احتضانها خلال السنوات الماضية للإبداع المسرحي العربي والذي كان له دور بارز في ظهور العديد من النجوم والفنانين الذين ذاع صيتهم على المستوى الدولي في مجال المسرح.
ولفت البوسعيدي أن سلطنة عُمان تفتخر باستضافتها لهذا الحدث المسرحي الكبير، الذي ينسجم مع تطلعات الإستراتيجية الثقافية للوزارة 2021 – 2040، والتي تهدف إلى تعزيز الحراك الثقافي والمسرحي في سلطنة عمان وإتاحة الفرصة للمسرحيين العُمانيين للاستفادة من العروض المسرحية، الورش التدريبية، والحوارات الفكرية التي تُثري المشهد الثقافي والفني.
إسماعيل عبد الله: الدورة 15 هدية الهيئة العربية للمسرحيين العمانيين
من جانبه، وفي ذات المناسبة، أوضح الأستاذ إسماعيل عبد الله، الأمين العام للهيئة العربية للمسرح رئيس مجلس الأمناء، بأن هذا المهرجان “يمثل أنموذجا في الشراكة المثمرة مع وزارة الثقافة والرياضة والشباب والجمعية العمانية للمسرح، إضافة لحكمة وخبرة الهيئة العربية للمسرح بتوجيه من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وهذه كلها ضمانات لتكون الدورة الخامسة عشرة دورة نوعية، وهي هدية الهيئة للمسرحيين العمانيين..”؛ وأشار الأمين العام أن اختيار مسقط لتحتضن المهرجان جاء “استجابة للرغبة الكبيرة والأكيدة من طرف المسرحيين في سلطنة عُمان، وبتعاون مثمر مع وزارة الثقافة والرياضة والشباب، والجمعية العمانية للمسرح، وتم اختيار مسقط لتكون حاضنة لتنظيم الدورة الخامسة عشرة من المهرجان كدورة مميزة، وهي الرابعة التي تنظم في دول الخليج (بعد قطر 2013، الشارقة 2014، الكويت 2016)، ولا بد في هذا المقام من الإشادة بالطموح والهمة والحيوية التي تميز بها الشركاء في سلطنة عُمان، وكذلك الإشارة بكل التقدير لجدية وحماسة المسرحيين في سلطنة عمان، ليجعلوا من المهرجان مناسبة ثقافية وطنية وعربية بامتياز”.
وقدم ذ. اسماعيل عبد الله، في معرض تدخله، نظرة موجزة عن برنامج المهرجان حيث يضم 15 عرضاً مسرحياً من 13 دولة عربية، 11 منها تتنافس على جائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي عربي، إضافة لمشاركين من 21 دولة عربية، واستضافة 500 مسرحي من مختلف أنحاء العالم، مشيرا بأن الهيئة العربية للمسرح كانت قد شكلت لجنة مشاهدة واختيار عربية، نظرت في 175 طلب مشاركة، وتكونت هذه اللجنة من الدكتور يوسف عايدابي، من السودان، رئيساً، وعضوية كل من د. جبار جودي من العراق، خالد جلال من مصر، هزاع البراري من الأردن ويوسف الحمدان من البحرين.
عروض مسار المنافسة الرسمية للمهرجان
أما العروض المسرحية المتأهلة والمتنافسة على الجائزة الكبرى للمهرجان (جائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي عربي)، فهي كما يلي:
– عرض “أسطورة شجرة اللبان” لفرقة مزون من سلطنة عمان عن رواية موشكا لمحمد الشحري/ اقتباس نعيم نور، إخراج يوسف البلوشي.
– عرض “البخارة” أوبرا تونس، قطب المسرح من تونس. من تأليف صادق الطرابلسي وإلياس الرابحي وإخراج صادق الطرابلسي.
– عرض “الملجأ” معمل 612. من الأردن، من تأليف نجيب نصير وسوسن دروزة، وإخراج سوسن دروزة والحاكم مسعود.
– عرض “المؤسسة” مسرح الصواري من البحرين. عن نص أنطونيو باييخو، إعداد عيسى الصنديد، إخراج عيسى الصنديد.
– عرض “بين قلبين” مشيرب للإنتاج الفني من قطر، من تأليف طالب الدوس. وإخراج محمد يوسف الملا.
– عرض “ريش” شادن للرقص المعاصر من فلسطين، تصميم وإخراج شادن أبو العسل.
– عرض “سيرك” للفرقة الوطنية للتمثيل من العراق، من تأيف وإخراج جواد الأسدي.
– عرض “غصة عبور” لفرقة المسرح الكويتي من الكويت، من تأليف تغريد الداوود. وإخراج محمد الأنصاري.
– عرض “كيف نسامحنا؟” لمسرح الشارقة الوطني من الإمارات، من تأليف اسماعيل عبد الله وإخراج محمد العامري.
– عرض “ماكبث المصنع” لفريق كلية طب أسنان جامعة القاهرة من مصر. عن ماكبث شكسبير، وإعداد وإخراج محمود ابراهيم الحسيني.
– عرض “هُمْ” لمسرح أنفاس من المغرب من تأليف عبد الله زريقة وإخراج أسماء الهوري.
أما عروض المسار الثاني فهي:
– عرض “ذاكرة صفراء”. لفرقة نورس المسرحية. من السعودية. من تأليف عباس الحايك، وإخراج حسن العلي.
– عرض “عد عكسي” للمسرح القومي دمشق من سوريا. من تأليف وإخراج موسيقي سامر الفقير، ومن تأليف ودمى وإخراج العرض هنادة الصباغ.
– عرض “نساء لوركا” للفرقة الوطنية للتمثيل من العراق. عن نصوص للوركا، من تأليف وإخراج عواطف نعيم،
– عرض “هاجّة” (بوابة 52) لمسرح الناس من تونس. من تأليف دينا مناصرية وإخراج دليلة مفتاحي.
المسابقة العربية للبحث العلمي المسرحي
سبق للهيئة العربية للمسرح ان أعلنت في بداية ديسمبر الماضي عن أسماء الفائزين في المسابقة العربية للبحث العلمي المسرحي، والتي نظمت تحت عنوان (التراث والمسرح، وما بعد التراث في المسرح العربي، رؤية نقدية في سبيل صياغة عربية جديدة)، وتشكلت لجنة التحكيم من الأساتذة: د. شمس الدين يونس من السودان، الدكتور عبد الرحمن بن زيدان من المغرب، الدكتور محمد شيحة من مصر، وكان الفوز من نصيب الدكتورة الزهرة براهيم من المغرب بالمرتبة الأولى، الحسين الرحاوي من المغرب بالمرتبة الثانية، حسام محيي الدين من لبنان بالمرتية الثالثة، على أن يتم تكريم الفائزين ضمن مراسم حفل ختام المهرجان.
ومن جانب آخر، اختارت الهيئة العربية للمسرح الفنان الفلسطيني فتحي عبد الرحمن ليكتب ويلقي رسالة اليوم العربي للمسرح الذي يصادف العاشر من يناير من كل عام، ويعد فتحي عبد الرحمن من أهم المسرحيين الفلسطينيين المؤثرين في صياغة المشهد الفلسطيني المقاوم منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي وفي ساحات عربية مختلفة، مصر والعراق وسوريا ولبنان والأردن وأخيرا فلسطين، وإضافة لكونة مخرجا فهو كاتب وناقد وممثل، وهو مؤسس فرقة المسرح الشعبي.
عن المشاركة المغربية
فضلا عن تميز صورة المغرب في مكونات الملصق الرسمي للدورة بإدراج مشاهد من العمل المسرحي المغربي المتوج في الدورة السابقة “تكنزا، قصة تودة” لفرقة فوانيس من ورزازات، مع وضع تصاميم خاصة تحمل ملامح عمان الحضارية، يشارك المغرب في معظم فعاليات دورة مسقط، ابتداء من العرض المسرحي “هُمْ” لفرقة مسرح أنفاس، مرورا بالمشاركة في ندوات المؤتمر الفكري، وتأطير جلسات النقد التطبيقية، وتوقيع الإصدارات الجديدة، وصولا إلى المساهمة في التأطير الإعلامي للمهرجان.. ومن الأسماء المغربية البارزة في برنامج هذه الدورة، نجد الأساتذة عبد الرحمان بنزيدان، عبد اللطيف فردوس، محمد مبارك تسولي، عادل الضريسي، الزهرة إبراهيم، الحسين الرحاوي، سعيد كريمي، عبد المجيد أوهري، أحمد طنيش، بشرى عمور… وعدد من المبدعين المسرحيين المغاربة المدعوين كضيوف لمواكبة أشغال المهرجان..
وبخصوص العرض المسرحي المغربي لفرقة مسرح أنفاس المدعم من قبل وزارة الثقافة والشباب والتواصل، فهو من تأليف عبد الله زريقة؛ دراماتورجيا وإخراج أسماء الهوري؛ تشخيص: هاجر الشركي، زينب العالجي، محمد شهير، عبد الرحيم التميمي؛ السينوغرافيا والإضاءة: أمين بودريقة؛ التأليف الموسيقي: رشيد البرومي؛ العزف الحي: أسامة بورواين، عبد العالي الروداني، رشيد البرومي؛ صوت خارجي: ضياء حجازي؛ المابينك: المهدي بودريقة؛ التصوير الفوتوغرافي: عبد العزيز خليلي.
المسرحية هي نص وعرض عجائبيان بطعم سردي وشعري… حول هذا النص يقول مؤلفه عبد الله زريقة:
«شخص لا يستطيع التمييز بين نفسه وبين كلماته، كأنه منفصل عن كل ما يحيط به، حتى حين يَصْدُرُ صوت من الخارج، لا نعرف هل سمعه حقًا أم لا. صوت ساعي البريد يبدو هو الآخر فقط كشيء ما، كرسالةٍ انسلت من تحت الباب، يبقى الباب فقط هو المنفذ الوحيد والاحتمال الأخير لأي طارئ أو لأي شيء قد يصدر عن الخارج، عن الآخرين، عنـ(هُم).
تصبح الكلمات كأنها آخر الكلمات. الفضاء نفسه كأنه آخر ملجأ. الأشياء كأنها نفس الكلمات التي تسمى بها. الأفكار – إذا كانت هناك أفكار – تصبح فيزيقية. الباب هو الباب. الكرسي هو الكرسي. كأن كل شيء بلغ حدوده. وكأن ما يدور هنا هو حول حدود الممكن، أي ما يمكن أن نعطيه من معانِ لأشياء وأمور بلغت حدودها.»..
من جانبها تقول الدراماتورج والمخرجة أسماء هوري عن عرضها:
“كتبت دراماتورجيا المسرحية انطلاقا من نص لعبد الله زريقة مطعم بمقتطفات سردية وشعرية للكاتب يصف من خلالها حالة العجز عن التعبير وعدم امتثال الجسد الفردي والجماعي لمتطلبات عالم يسير بِنَحوٍ مضطرد نحو الامتلاء، الاستعلاء والإقصاء، وعن إمكانية أو استحالة التصالح معه. كيف يصبح الجسد ساحة لتعارك الأفكار والحالات النفسية التي يولدها هذا العالم بل كيف تُكَيِّفُ هذه الأخيرة وجوديته وحتى مورفولوجيته عبر حالة من المسخ والتحول؟ كيف يمكن لهذا الجسد/الفكر أن يَلأم الثقوب المشرعة في ظهره من آثار الأشياء المنقذفة من الآخرين… مِنْهُمْ، هُمْ… هُمْ من يصنعون كينونتنا، يسكنوننا، يسلبونا أسماءنا وحتى سمائنا… هل الجحيم هو الآخر؟
عبر حالات بوح فردية وجماعية غاية في الشاعرية والتجريد، تخاطب المسرحية المتلقي، محاولة جعله منتميا ومندمجا مع حكي مسرحي يأخذه بطريقة حسية إلى مناطق متقدمة من التفكير والتفاعل الكتارتيكي أو التطهيري.”..
يشار إلى أن فرقة مسرح أنفاس المغربية سبق أن توجت بجائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي عربي، في الدورة التاسعة لمهرجان المسرح العربي المنعقدة بالجزائر سنة 2017، بمسرحيتها “خريف” تأليف وإخراج أسماء هوري.
وتوج المسرح المغربي أيضا في دورتين سابقتين: في الدورة 10 سنة 2018، حيث توجت مسرحية “صولو” إعداد وإخراج محمد الحر، وفي الدورة 14 عام 2024 حيث توجت مسرحية “تكنزا، قصة تودة” إخراج أمين ناسور.. فمن سيصعد لمنصة التتويج هذه السنة؟ لا يسعنا إلا أن نتمنى للفنانة المتألقة أسماء هوري وغريقها شرف التتويج…
****
حول الموسيقى في مسرحية “هم”
كتب: رشيد البرومي
تحضر الموسيقى، كما في في جل الإنتاجات المسرحية لمسرح أنفاس، بشكل حي في العرض، تعينه وتستعين به لاستكمال البناء الدرامي والجمالي المبحوث عنه. ينطلق التأليف الموسيقي من كل عناصر العرض بحضور شامل للتداريب التي خلالها يضبط المؤلف الإيقاع العام للمسرحية، حركات أجساد الممثلين، أصواتهم، شاعرية حواراتهم، إيقاعات النص المنطوق وبلاغة هذا الأخير. يمثل التصور الإخراجي العام المرشد الحقيقي لإبداع الجمل اللحنية والإيقاعية وأيضا الغنائية التي قد يحتاجها العرض في إشباع وإغناء رصيده الصوتي.
في مسرحية «هُمْ»، يرتكز التصور الإخراجي العام على فكرة وتقنية الجوقة chorus وما تفرضه في الممارسة المسرحية من امتزاج الأصوات وغنائيتها وإيقاعها. الأمر لا يترك لصدفة أو لاكتشاف عرضي خلال التداريب بل إنه عمل مفكر فيه ومضبوط يقوم به المؤلف الموسيقي انطلاقا من عمل الممثلين ورجوعا إليهم. فكرة الجوقة هي بهذا التوصيف الحاضن الحقيقي للزومية الموسيقى وضرورتها غير المجانية. تُختار آلات العزف الحي حسب درجة درامية المشهد أو المشاهد، وحسب نوع الأصوات المؤدية وانسجامها وكذلك حسب طبيعة موسيقى العرض الذي يحددها الخط الإخراجي.
تُعد الموسيقى، وعزفها بشكل حي خلال المسرحية، عنصرًا أساسيًا في تجربة مسرح أنفاس، حيث تسهم في تعزيز الجو العام، ونقل المشاعر، وتقديم العمق للموضوعات التي يتم تناولها. وعندما يكون موضوع المسرحية حول الإنسان العاجز عن التعبير بسبب الضغوط الاجتماعية والقيود التي يفرضها الآخرون، تبرز أكثر أهمية هذه الموسيقى كوسيط فني يُعبر عما لا يمكن قوله بالكلمات.
إن الأداء الموسيقي الحي (Live Performance) في المسرح يُضيف بُعدًا حيويًا يُعزز التفاعل المباشر مع الجمهور، كما أشار إلى ذلك الناقد الموسيقي جون بلاك في كتابه The Sound of Theatre “الموسيقى الحية تُضيف ديناميكية خاصة للمسرح لأنها تشارك الجمهور نفس اللحظة الحسية وتخلق رابطة شعورية مباشرة بين الممثلين والموسيقيين والجمهور”..
في مسرحية «هُم» التي تتناول، بين موضوعاتها، موضوع العجز عن التعبير، تعكس الموسيقى الحية هذا الصراع الداخلي من خلال تقنيات الارتجال والتفاعل الفوري مع الحدث الدرامي على الخشبة.
تُعد الآلات الوترية المختارة في مسرحية «هم» مثل الكمان، والتشيللو، والعود والكيتار من أكثر الأدوات قدرةً على إيصال المشاعر العميقة والمعقدة. فحسب الباحث ديفيد رايس في دراسته Emotive Strings in Theatre “توفر الآلات الوترية تنوعًا واسعًا في التعبير الموسيقي بفضل مرونة نغماتها التي تتراوح بين الحزن الشديد والقوة العاطفية”.
في المسرحية، استخدمنا الكمان والتشيللو لتجسيد الصراعات النفسية للمؤدين العاجزين عن التعبير والكلام. يحضر أيضا «الآخرون»، الـ «هُم»، غير الحاضرين على الخشبة، من خلال الألحان الوترية بنغمات متقطعة وكأنها «خطر محدق»، مما يضفي على الجو الدرامي العام تفاعلا بين المرئي واللامرئي، الواقعي والتخييلي، مع ما يقع فوق الخشبة وخارجها.
تلعب تقنية الكورَس دورًا حيويًا في المسرحيات ذات الطابع الفلسفي والاجتماعي. ويُمكن استخدام الكورَس كصوت جماعي يمثل المجتمع الذي يمارس الضغوط على الفرد، كما أشار بيتر بروك في The Empty Space “الكورَس هو الصوت الذي يجسد رأي الجمهور داخل العمل المسرحي”.
في هذه المسرحية، استخدمنا الكورَس، موسيقيا، للتعبير عن أصوات الآخرين التي تُقيّد الشخصية الرئيسية، حيث يُمكن أن يتداخل غناء الكورَس مع ألحان الآلات الوترية، مما يُبرز التناقض بين العالم الداخلي للشخصية والضغط الخارجي.
استخدمنا كذلك كلمات الأغاني من كلمات المسرحية ذاتها كوسيلةً فعّالة، أو هكذا فكرنا، لنقل المشاعر والأفكار. في هذا السياق، اعتمدنا في الاختيار على كلمات بسيطة لكنها مشحونة بالدلالات وقدرة الاختزال، للتعبير عن العناصر الرئيسة في المسرحية بالاعتماد على أسلوب شعري غنائي يتداخل مع السرد المسرحي، حيث يكون الغناء جزءً من التسلسل المنطقي للحوار أو المسرحية:
( إنه بابهم وليس بابي،
لا باب لي، لا حائط لي
إنها حيطان الآخرين…
حتى هذه الأشياء هي ملكهم )
************
(ورأيت دمي يخربش على الورقة وحده
ولحمي لحمي ينقضي كلما محوت كلمة
ورأسي رأسي يختفي كلما نسيت شيئا
فصرخت لأتعلق بحبل صوتي
وانتفضت حتى لا تنهشني حشرات صمتي )
************
إن نجاح الموسيقى في مسرحية كهذه يعتمد، في تقديري، على قدرتها على الانسجام مع النص المسرحي، كما قال برتراند راسيل في مقالته Art and Expression “الفن العظيم هو الذي يستطيع المزج بين الأشكال المختلفة للتعبير ليخلق تجربة موحدة ومتكاملة”.
لذلك، حاولت تنظيم الموسيقى بحيث تتصاعد تدريجيًا مع تطور الحبكة، وصولًا إلى ذروة درامية تتحد فيها الموسيقى الحية، الآلات الوترية، أصوات الكورَس، وكلمات الأغاني لتجسد اللحظة المرغوب إيصالها، فالموسيقى، بهذا التوصيف، ليست مجرد خلفية تزيينية، بل هي عنصر أساسي يُعبر عن أعمق المشاعر والصراعات الإنسانية الداخلية..
إعداد: الحسين الشعبي