الشعر ومراكش في الإعلام: الصورة ومجازات الأثر

 مساء الجمعة 20 شتنبر 2024، نظمت دار الشعر بمراكش لقاء ثقافيا تحت عنوان )الشعر ومراكش في الإعلام: الصورة ومجازات الأثر (. وقد شارك في اللقاء عدد من الشعراء والإعلاميين والباحثين: حفيظة الفارسي، الحسين الشعبي، محمد بلمو، عبد الصمد الكباص، حسن بنمنصور ومصطفى غلمان.

في بداية اللقاء، تحدث مدير دار الشعر بمراكش الشاعر والإعلامي عبد الحق ميفراني عن رغبة الدار المستمرة في تجديد التواصل بين مجموعة من الإعلاميين ورواد دار الشعر بمراكش. وأضاف أنه حين نتحدث عن الشعر وعن الثقافة أو عن الأدب عموما، فإننا نتحدث أيضا عن صورة مراكش داخل الإعلام؛ ليوضح أن صيغة هذا اللقاء لن تكون صيغة الندوة، بل هو منتدى حواري. هدا المنتدى الذي سيؤطره كل من الشاعر والإعلامي مصطفى غلمان، والشاعر والإعلامي محمد بلمو.  

عبد الحق ميفراني

في كلمته الأولى تحدث الشاعر مصطفى غلمان عن دور الثقافة كحاضنة مهمة لتنمية الإنسان. مما يفرض إيلاءها ما تستحق من عناية في باراديغم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مقرا أننا في هذه الفسحة سنحاول استعادة بعض الأحلام. وأوضح الدكتور مصطفى غلمان أن وجود مراكش في ملصق النشاط لا يعني الحديث عن ثنائية الصحافة والأدب في مراكش. وإنما الحديث يهم المدينة بمعناها الفلسفي والفكري. ليطرح، بعد ذلك، بعض الأفكار والتساؤلات التي يود تقاسمها مع المشاركين. كإشكالية تماهي الكتابة الإبداعية والصحافة، وسؤال: هل الصحافة أدب؟ وهل يستفيد أحدهما من الآخر؟..

مصطفى غلمان

مصطفى غلمان

أما الشاعر والإعلامي محمد بلمو فقد فضل التوجه مباشرة لمحاورة كل من الشاعرة والإعلامية حفيظة الفارسي، والفنان والإعلامي الحسين الشعبي، مستحضرا فترة السبعينيات، الثمانينيات والتسعينيات باعتبارها فترة لعبت فيها الصحافة دورا كبيرا في رعاية الشعر: الملاحق الثقافية لعدة جرائد وطنية )العلم، الاتحاد الاشتراكي، بيان اليوم، الميثاق وأنوال.. ( وصفحاتها الخاصة بالمبدعين الشباب )على الطريق بالاتحاد الاشتراكي، الباب المفتوح بالعلم والشباب بالميثاق…). هذه الصفحات التي كانت تعرف إقبالا كبيرا من طرف الطاقات الشابة من أجل ضمان جودة ما يكتبونه. أما الآن، يضيف الشاعر محمد بلمو، فالواقع يختلف كثيرا. فقد أصبحت الملاحق الثقافية تقاوم في ظل صعوبات تعرفها الجرائد الوطنية من أجل الاستمرارية، ومنافسة الصحافة الالكترونية التي لا يخصص العديد منها نافذة للثقافة. وإذا وجدت فإنها تنشر ما يتعلق بالمنازعات والإثارة التي يعرفها المشهد الفني. وكذا تهديد الذكاء الاصطناعي لجوهر الإبداع، ومواقع التواصل الاجتماعي التي سهلت عملية النشر. بحيث هناك إسهال رهيب له تأثير سلبي عل جوهر الكتابة الشعرية.

محمد بلمو

محمد بلمو

 في مداخلتها، انطلقت الشاعرة والإعلامية حفيظة الفارسي من تجربتها في إدارة الصفحة الثقافية والملحق الثقافي بجريدة الاتحاد الاشتراكي لما يقارب 8 سنوات. والتي لاحظت خلالها أنه لا يمكن فصل حضور الأدب، داخل الإعلام المكتوب أو الإعلام السمعي البصري، عن المنظومة ككل، وعن حضور المادة الثقافية وموقعها ضمن خريطة البرمجة في الإعلام السمعي البصري، أو في الاهتمام داخل إدارة النشر في الصحافة المكتوبة. ثم أضافت أن ذلك راجع ليس إلى الجانب التسييري فقط، بقدر ما هو راجع إلى هذا الغزو غير المضبوط للوسائط المتعددة جميعها، والتي ساهمت في إفراز نوع من الاستسهال والإسهال في إنتاج المادة الثقافية، خاصة في الشعر. وهذا أيضا يرخي بظلاله عل تلقي المادة الثقافية، وخاصة في الجانب الشعري. وترى الشاعر حفيظة الفارسي أن هذه الدمقرطة التي تتيحها وسائل التواصل الاجتماعي، دفعت كل )الشعراء ( – دون أن تسميهم شعراء ولكنها تضعهم بين قوسين – ربما هي محاولات شعرية يمكن أن تنضج بالقراءة والمعرفة. وأن تكون في يوم ما مستقبلا في مستوى النشر. وتواصل الشاعرة أنه مثلا في بعض الحالات يتم إرسال نصوص شعرية غير ناضجة، ويطلب مباشرة نشرها في الملحق الثقافي. وهذا ما تسميه الشاعرة نوعا من التضخم الذاتي لدى ]شعراء [اليوم، مصرة على وضعهم بين معقوفتين، لأن الإعجاب أو اللايكات في وسائل التواصل الاجتماعي ربما خلقت نوعا من الشعراء الجدد. وتوضح أن الحديث عن علاقة الصحافة بالأدب ربما يأتي من هذا التداخل الذي لا يمكن فصله، والذي يأتي من الجذع المشترك بينهما، الذي هو اللغة. فاللغة بالنسبة لها هي ذلك الجدار الذي يحتمي به الصحفي، ويحتمي به الصحفي المبدع أيضا. لأننا نلاحظ أنه في جميع التجارب الثقافية داخل الإعلام المغربي فالمشرفين على الملاحق الثقافية وعلى البرامج الثقافية في الإعلام السمعي البصري جلهم أدباء، شعراء، قصاصون وروائيون. أي أنهم قادمون من مجال الأدب. وهذه مزية تحسب للصحفيين المبدعين. لأن الصحافي المبدع – حسب الشاعرة حفيظة الفارسي – هو عكس الصحفي الإخباري أو الصحفي في مجالات التحقيق أو الاستجوابات، يمكنه في لحظة من اللحظات أن يحتمي باللغة وشعرية اللغة. وهذا ما يمكن ملاحظته في كتابات وتغطيات الصحفيين للأنشطة وللملتقيات الثقافية. فاللغة تحميهم أحيانا من الأورام الكثيرة في مهنة الصحافة. لذلك فالصحافي المبدع، تقول الشاعرة، نجده يحمي نفسه عند الضرورة بمجاراة الخيال واللغة الشعرية، التي تكسبه مناعة من تقريرية اللغة الخبرية الصحافية الجافة .

الحسين الشعبي

 أما الفنان والإعلامي الحسين الشعبي فقد اعترف في بداية  مداخلته أنه شخصيا ولج الصحافة من باب الثقافة، دون أن يدرس الصحافة. وأنه في بدايته كان مراسلا لجريدة البيان، التي سيصبح في ما بعد ذلك رئيس قسمها الثقافي ثم تحريرها حتى الآن، أي ما يقارب 25 سنة. كان مراسلا في ما يخص الشأن الثقافي من مدينة أكادير التي كان يقيم بها حينذاك. كما صرح الأستاذ الحسين الشعبي أنه تعلم كيف يعالج مادة ثقافية بشكل ثقافي من خلال إطلاعه على مختلف المنابر الإعلامية المتواجدة آنذاك، وكذا من الأساتذة الذين سبقوه في مجال الصحافة. وأضاف أنه تعلم الصحافة، أيضا، من حبه قراءة الجريدة الورقية. لأن لها علاقة حميمية وربما جسدية، تلامسها وتلامسك، تداعبها وتداعبك. وكذلك الكتاب، وكال ما هو ورقي. وتابع،أن جيله كان مدمنا على المجلات رغم ضعف الإمكانيات، وعلى المنشورات القادمة من العراق، تونس، سوريا، لبنان، مصر والمنشورات المغربية طبعا. الشيء الذي قل اليوم. ثم انتقل الإعلامي الحسين الشعبي ليتحدث عن تجربته في جريدة البيان، ثم بيان اليوم التي كان حضور الثقافي فيها من خلال صفحتين: صفحة داخلية والصفحة الأخيرة. ثم الملحق الثقافي الذي أكد أنه لم يكن ملحقا وإنما كان جريدة تصدر بشكل مستقل ومنتظم. فملحق البيان الثقافي كان مكونا من 24 صفحة تابلويد. جريدة تصدر منفصلة، وهي أول تجربة ثقافية إعلامية على مستوى الجرائد، حسب الكاتب، في مغرب التسعينيات. وقد كانت هيئة تحريرها تضم: الشاعر  إدريس الملياني، والقاص والناقد السينمائي محمد صوف، والقاص عبد الحميد الغرباوي، والمسرحي الراحل عبد العزيز الفاروقي والحسين الشعبي. من تلك اللحظة، يقول المتحدث، يمكن التأكيد بأن الثقافة أو الملاحق بشكل خاص يشرف عليها المثقفون وليس الصحفيين. ليشير، بعد ذلك، أن مقارنة الحضور الثقافي في الصحافة الوطنية ما بين الأمس واليوم مؤسف، لأن أكثر الجرائد اليوم لا تتوفر على صفحة ثقافية.

 وامتدادا لتدخل الكاتب الحسين الشعبي، أشار الشاعر مصطفى غلمان إلى أن هناك جرائد حزبية كان لها تأثير قوي جدا على أجيال متعاقبة. وكانت حاضرة في الفعل الثقافي، وأيضا مخلصة للإيديولوجيا السياسية. أما الآن، يضيف الدكتور مصطفى غلمان، فالعكس هو الحاصل، وهو أن المواقع الإلكترونية وكذا وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في خلق طفرة سلبية على مستوى القابلية. وأن هناك تراكما سلبيا، على الأقل في السنوات العشر الأخيرة، جعلنا نتحدث عن أجيال تصنع نفسها بشكل آخر. ليتساءل الإعلامي مصطفى غلمان، إلى أي حد يكمن سؤال المنهجية خصوصا في جرائد الأحزاب السياسية؟ فهي لم تغير نفسها ولم تستطع خلق صناعة صحافية جديدة. صحيح أنها، في نظر الشاعر مصطفى غلمان، أنشأت مواقع إلكترونية تتحدث باسم الحزب الذي يصدر نفس الجريدة. ولكن نفس المكون للصحافة المكتوبة هو نفسه في الصحافة الإلكترونية. وأنه ليست هناك أبعاد ثقافية، وليست هناك منهجية معرفية جديدة تمكننا من إعطاء سيولة من المعلومات لديها روح العصر بالنسبة للأجيال الجديدة .

وأثناء رده، أبان الكاتب الحسين الشعبي عن اختلافه مع الشاعر مصطفى غلمان. مؤكدا أن الجرائد الأكثر حرصا على الجودة والجدية، وعلى الصراحة، هي الجرائد الحزبية بكل أطيافها السياسية. ولديها حرص كبير على ذلك. لأن لديها موقفا سياسيا من المجتمع، ووجهة نظر للعالم. مضيفا أن الجرائد مختلفة من حيث اختياراتها المنهجية والثقافية والتحريرية. أما بخصوص موجة الرقمي فإن الأستاذ الحسين الشعبي يرى أن هذه الهجمة الإلكترونية لا يمكن إلا أن تكون لها فائدة للبشرية في استغلالها واستثمارها لتكون لصالح الأهداف النبيلة للثقافة وللسياسة.

حفيظة الفارسي

وقد أثارت مسألة علاقة الجرائد الحزبية بالثقافة الشاعرة حفيظة الفارسي، فأشارت إلى أن هذه العلاقة تعيدنا إلى علاقة المثقف المغربي الذي كان يقود هذه التجارب داخل الصحافة. فقد كان، غالبا وفي المجمل، مثقفا عضويا منخرطا داخل الأحزاب السياسية التي كانت في الستينيات والسبعينيات حاضنة للثقافة. أما اليوم، فالسؤال الجوهري الذي يمكن طرحه، في نظر الإعلامية حفيظة الفارسي، هو: ما موقع المثقفين المغاربة داخل الأحزاب؟ وهل، بالفعل، بقي مثقفون داخل الأحزاب؟ لتؤكد أن المثقفين، اليوم، انزووا إلى الخلف وتركوا كل ما كرسوه كفعل ثقافي وكقيم وكممارسة. أو انطووا تحت جناح السلطة. وبالتالي أصبح جلهم خبراء يفتون في كل شيء. وتضيف، اليوم ربما من بقي ممن تأثروا بهذه التجارب مازالوا يقاومون الرداءة. بحيث أن الثقافة أصبحث في نظر أغلب مدراء الإعلام غير منتجة، ولا تجد متلقيا. وهذا سؤال يطرح، أيضا، إشكالية التلقي وجمالية التلقي. فاليوم، الأدب وخاصة الشعر بدأ يتراجع متلقوه في حين يكثر مبدعوه. لذا يجب، في نظر الشاعرة حفيظة الفارسي، التفكير في أشكال جديدة لتداول الأدب وتداول الثقافة داخل الصحافة. لأن المبدع نفسه أصبح خاضعا، في بعض الأحيان، لهذه الذائقة الجديدة.  وأصبح ينوع ويغير في كتابة نصه حسب هده الذائقة. لذلك، تدعو الشاعرة إلى أن يؤطر ذلك بعملية نقدية، عملية ]رقابة نقدية[، والتي يمكن أن تعيد قطار الأدب إلى سكته.

عبد الصمد الكباص

عبد الصمد الكباص

 في توجهه لمحاورة كل من المفكر والإعلامي عبد الصمد الكباص والشاعر والإعلامي حسن بنمنصور، ركز الشاعر مصطفى غلمان بالنسبة للمفكر عبد الصمد الكباص على قدومه إلى الصحافة من باب الفلسفة، التي كثيرا ما اعتبرها رأسمالا ثقافيا إضافيا لممارسة الصحافة. وأنه كثيرا ما تماهى، حسب الشاعر غلمان في استحضار المدينة كبعد إيتيقي Ethique لإفشاء الأدب على مستوى الصحافة. ليطرح بعد ذلك سؤالا على الأستاذ عبد الصمد الكباص: كيف يمكن تفسير ذلك؟ وكذلك، ما هي الأبعاد التي اتبعها في ممارسته للصحافة؟ أما بالنسبة لمحاورته للشإعر والإعلامي حسن بنمنصور فقد جاءت مساءلة الشاعر مصطفى غلمان له حول تجربته في مضمار حضور الثقافة في برامج الإذاعة الجهوية بمراكش .

صرح المفكر والإعلامي عبد الصمد الكباص، في مداخلته، أن النتيجة التي توصل إليها من خلال كل أبحاثه المكرسة للصحافة هي أن زمن الصحافة قد أغلق. ونحن دخلنا زمنا بلا صحافة. وهذا، في نظر المفكر، شيء مؤسف. ويتابع متحدثا عن قدوم الكائن الشبكي الذي يرفض أية وصاية، ويرفض أن يقر بوضعه كمتلقي. وإنما هو منتج وموجه ومساهم في الحدث العام. هكذا يتصور نفسه ذلك الذي يقيم نفسه انطلاقا من درجة الانتباه، أي مدى ما أثاره من انتباه الآخرين، وما يحصل عليه من خلال عدد اللايكات والمشاركات. إنه، في نظر الإعلامي عبد الصمد الكباص، كائن ينتج محتوى بدون محتوى. وكائن ينتمي إلى الصيرورة السائلة. إن موقع الصحفي اختفى. وهذا، في نظر عبد الصمد الكباص، هو الجانب التراجيدي الذي نحياه اليوم. ولنعد قليلا إلى الوراء، يقول المتحدث، حيث كانت الثقافة، دائما، هي الراعية الحقيقية لشرف الصحافة، ولثقلها الرمزي في المجتمع. ليذكر الحضور بمن مارسوا الصحافة: جان بول سارتر، ألبير كامو… وميشيل فوكو الذي غطى احداث الثورة الإيرانية في الصحافة الفرنسية. في المغرب نفس الشيء، هناك اشتباك ثمين وحقيقي. منهم الصحفيون الذين بنوا مجد الصحافة المغربية. إنهم زعماء الحركة الوطنية وسياسيون في نفس الوقت: عبد الله ابراهيم، عبد القادر حسن، علال الفاسي والقائمة طويلة. فدائما، يقول الإعلامي الكباص، الكتاب هم الذين أنقذوا لغة الصحافة في العالم ككل. وعندما يبتعد الكتاب عن الصحافة فإنها تدخل في أزمة. وأن ما مارس الغواية عليه لولوج الصحافة، هو الثقافة. لأنه وجيله خريجي الملاحق الثقافية، والإذاعة الوطنية زمن مجدها. غير أن ما هو أساسي بالنسبة للكاتب الكباص، والذي يجب التفكير فيه هو علاقة المدينة بالثقافة، بالأدب، بالكتابة وبوسائط الخطاب. وهي نقطة مهمة، أولا لأن المدينة هي حصيلة صراع بين تدفقات الحاجة من ناحية وتدفقات الرغبة من ناحية أخرى. وإذا اختل هذا الصراع فإن روح المدينة تختل. وحدها الثقافة تستطيع أن تفي باستدامة هذا الصراع من خلال الإنسان.

حسن بنمنصور

 أما الشاعر و الإعلامي حسن بنمنصور، فقد انطلق من فترة السبعينيات والثمانينيات مشيرا إلى أن الإطار العام الذي عاشته بلادنا في تلك الفترة، كانت تحكمه شروط، وكانت هناك أجواء نستحضرها، الآن، من باب الحنين. لأن الثقافة كانت حاضرة بنسبة كبيرة على كل المستويات. فتحدث عن دورات مهرجان ربيع مراكش الثقافي بداية الثمانينيات، والأسماء الوازنة التي كانت تحضره، مثل: محمد عابد الجابري ،سالم يافوت. محمد برادة، محمد بنيس.. وقد كان الحضور لندوات هذا المهرجان تعرف إقبالا لا نظير له، بحيث أنه كان سوقا ثقافيا بامتياز. ثم عرج الإعلامي بنمنصور للحديث عن فضاء دار الشباب عرصة الحامض، والأنشطة الثقافية والفنية التي كانت تعرفها، والإقبال الكبير عليها. متسائلا: ما الذي تغير الآن؟ وفي حديثه عن الإذاعة، أشار الإعلامي حسن بنمنصور، إلى أن أول برنامج إذاعي ساهم فيه بالإذاعة الوطنية بداية الثمانينيات، كان حول الشاعر عبد الرفيع الجواهري، شفاه الله، وحول تجربته الشعرية ومجموعته الشعرية التي صدرت حينذاك »وشم في الكف«. أما أول برنامج إذاعي قدمه لإذاعة مراكش الجهوية، بداية الثمانينيات، كان برنامجا حول مدينة مراكش من خلال تاريخ أحيائها القديمة. ثم تحدث عما قدمته الإذاعة عن الشعراء والمبدعين والكتاب ذكر منهم: عبد الرفيع الجواهري، محمد برادة، عبد الكريم الطبال، مصطفى القباج وغيرهم.. وعن الرعيل الذي جاء بعد ذلك: عبد اللطيف الفؤادي في إذاعة طنجة، اسمهان عمور في برنامج الريشة والقناع، وغيرهم بكل الألوان الأدبية والفنية. علما أن الصحافة المكتوبة، في رأي الأستاذ بنمنصور، هي صحافة إلى حد ما لها جمهور حزبي ومتعاطفون، ولكن الإذاعة هي للجميع وتلامس الجميع.

وفي كلمته الأخيرة، تحدث الشاعر محمد بلمو عن اكتساح وسائل التواصل الاجتماعي والصورة. وهل هذا الاكتساح لا يشكل تحديا بالنسبة للعمل الصحفي الثقافي داخل الإذاعات، الصحافة المكتوبة والسمعي البصري.

جاءت إجابة الشاعر حسن بنمنصور، عما طرحه الشاعر بلمو، قصيرة جدا، اختصرها في قوله: لا يصح إلا الصحيح. ولا يمكن أن تنافس الرديء بالرداءة. أما الشاعرة حفيظة الفارسي فأشارت إلى أن السؤال هو سؤال مستقبل الثقافة في الصحافة. وذلك في ظل الثورة الرقمية، وسائل التواصل الاجتماعي، التي تسيد الرداءة مقابل الإعلام المكتوب والسمعي في شق كبير. أما البصري فقد انساق وراء الصورة، وتراجعت فيه الثقافة بشكل كبير، خاصة الإعلام العمومي. وتضيف الشاعرة، أننا، اليوم، نحن في مواجهة سؤال آخر، هو ليس سؤال الثقافة والإعلام الجديد، لكننا، اليوم، هل نحن أمام إعلام جديد واحد؟ إننا أمام إعلام بصيغة الجمع. وهذا الإعلام بصيغة الجمع لا يني يبتكر أساليب جديدة ووسائط جديدة كل يوم. وهو ما يستوجب، في نظر الشاعرة حفيظة الفارسي، من الإعلام التقليدي والإعلام المكتوب بصفة خاصة، أن يبتكر أشكالا جديدة. وهذا لا يعني، في نفس الوقت، التبخيس أو قبول الرداءة. ولكن وضع جدار للتصفية. لأنه لا يمكن، كما قال الأستاذ بنمنصور، أن نحارب الرداءة بالرداءة. وهي دعوة من الشاعرة للنقاد الذين تخلوا عن مهمتهم النقدية والتقويمية، وانساقوا وراء المجاملات ووراء الشللية. وهو ما يمكن أن يحمي الثقافة الحقيقية والثقافة الجادة داخل الإعلام الجاد.

أما الأستاذ الحسين الشعبي فقد أكد أن الثقافة والإعلام مندمجان ويمكن القول: إن الثقافة هي الكل، والإعلام جزء. الثقافة جسد والإعلام عضو، والعلوم عضو، والفنون عضو… وأضاف أنه في الوقت الذي تخلى الجميع عن الثقافة ]الدولة، الهيئات المنتخبة والأحزاب السياسية أيضا[ بقي السند الوحيد للثقافة هو الإعلام. وكانت علاقة صداقة بين الثقافة والإعلام. أما اليوم، فمنسوب هذه الصداقة تراجع. ليؤكد أن لابد أن نسترجع للصحافة، ثقافية كانت أو غيرها، سلطتها، وأن نخرجها من مستنقع التبخيس ونعيد لها صوتها.

أما الإعلامي عبد الصمد الكباص فقد تساءل: لماذا، في المغرب، نفتقر لمجلة نقوم بوظيفة الربط السيادي للثقافة المغربية خارج المغرب، مثل: مجلة نزوى، مجلة الشارقة، مجلة القاهرة وغيرها. أما السؤال الثاني الذي طرح الأستاذ الكباص فهو سؤال البيانات الثقافية، لماذا اختفت هذه البيانات؟ وأين هي النقاشات التي كانت تثار في الصحافة الثقافية؟ فالبيانات الثقافية كانت عبارة عن مشاريع جمالية لوجودنا الفكري. ليتساءل مرة أخرى: أين إدارة الخطاب؟ أين هندسة الحياة الثقافية؟ فبالنسبة إليه، عندما تراجعت الصحافة الثقافية تراجع كل شيء.

وفي نهاية تدخلات المشاركين في هذا المنتدى الحواري، فتح باب النقاش مع الحضور. ثم اختتم المنتدى بقراءات شعرية لكل من الشاعرة حفيظة الفارسي والشاعر محمد بلمو.

 متابعة: ابراهيم قازو

Top