“أبي لم يمت” يتحدث عن سنوات الرصاص لكي يعرف هذا الجيل ما مررنا به في هاته المرحلة الصعبة

المخرج عادل الفاضلي في حوار مع بيان اليوم

هو فنان ابن فنان، اكتشف السينما والمسرح مبكرا مع والده الراحل عزيز الفاضلي. كان يعرف ما يريد منذ صغره، سحرته السينما، ليقرر التوجه إلى فرنسا عام 1989 لدراستها في أحد المعاهد بباريس، قبل أن يعود إلى المغرب عام 1997. اشتغل المخرج عادل الفاضلي في بداياته مع المخرج مصطفى الدرقاوي، ثم توالت الأعمال وهو يحلم ثم يحلم.. إلى أن أخرج فيلمه السينمائي الطويل الأول “أبي لم يمت” الذي حصد عدة جوائز في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة وتوج فيه بالجائزة الكبرى قبل أن يعرض مؤخرا في القاعات السينمائية..
في هذا الحوار، يحدثنا عادل الفاضلي عن سبب اختياره لموضوع سنوات الرصاص وسط عالم “لافوار” بعيون الطفل مالك.. هنا، أيضا، حديث عن مشاكل الإنتاج والتوزيع التي تعيشها السينما المغربية.

لدي كمخرج الحرية في مناقشة مواضيع قد لا يمكن مناقشتها في بلدان مجاورة

 بالرجوع إلى الوراء.. تلقيت تكوينك السينمائي في فرنسا وعدت إلى المغرب.. هل كانت أحلام عادل الفاضلي أقل من الإمكانيات التي اصطدم بها في الواقع؟
 درست السينما في فرنسا، كان لدي حب كبير لهذا الميدان منذ الصغر، وكنت أعرف ما أريد منذ البداية، لهذا توجهت إلى باريس عام 1989 للدراسة في Le Conservatoire libre du cinéma français (CLCF)، قبل أن أعود إلى المغرب عام 1997. اشتغلت في البداية مع المخرج مصطفى الدرقاوي كمساعد أول. بعد ذلك، توالت مجموعة من الأعمال ثم أسست شركتي الخاصة وبدأت أشتغل كمخرج ومنتج لأعمالي فقط. اشتغلت مع أختي حنان الفاضلي في “سكيتشات” مع القناة الثانية (دوزيم). ويمكن القول، إن بدايتي الحقيقية كانت مع القناة الأولى عام 1999 في العمل الأول “في انتظار أكسيون”.. بعد ذلك أخرجت أول فيلم تلفزيوني لي وهو “ولد الحمرية” وكانت تلك الانطلاقة.
جوابا على سؤالك، فكل عمل كنت أشتغل فيه كان بالنسبة لي بمثابة حلم. نعم، كان هناك طموح، وهذا الطموح ولد لدي أحلاما كبيرة. من الجيد أن يأخذ الحلم وقته الكافي لأنه يشجعك على العمل والاجتهاد وبناء طموحات أكبر. حلمت بقصص وبعوالم وبشخصيات، الحلم مهم وخصوصا إذا تحقق.

لماذا تأخر فيلمك الطويل الأول “أبي لم يمت” الذي عرض مؤخرا في القاعات السينمائية رغم أنك خضت تجارب تلفزية عديدة؟
 في البدء، كان لدي حلم إخراج فيلم طويل، وأعطيت هذا الحلم جميع الإمكانيات والوقت لتحقيقه. حينما بدأت في التلفزة، لم يكن لدي تصور عن شكل وموضوع فيلمي السينمائي الأول. لكن بعد فيلمي القصير الأول “حياة قصيرة” بدأت تتكون لدي فكرة إخراج فيلم طويل. وقد أخذ فيلمي الطويل الأول “أبي لم يمت” مدة طويلة في التصوير لأنني كنت أريد إخراج عمل يلائم الانتظارات والتوقعات، خصوصا وأن فيلمي القصير الأول جال 54 مهرجانا في العالم.
واجهت صعوبات في التصوير، لأن أحلامي كانت تحتاج لإمكانيات مادية كبيرة، والفيلم الذي تصورته هو فيلم مصور بكامله في الأستوديو. كما كنت أريد أن أحكي فترة تاريخية تحتاج إلى ديكورات وملابس معينة. وبالرغم من أنني أخذت الدعم من المركز السينمائي المغربي، إلا أن الفيلم كلفني أضعاف مبلغ الدعم الذي أخذته.
استغرقنا تسعة أسابيع متفرقة من التصوير على مدار سنة كاملة، بملابس وديكورات بنيت خصيصا للفيلم، وممثلين كثر.. كل هذا تطلب إمكانيات أكثر من فيلم كان سيتم تصويره في مقهى أو منزل عاد.. في السينما، حينما تبني عالما، فذلك يتطلب إمكانيات أكثر مما تتصوره في عالم هو أصلا موجود، لهذا كنت أوقف التصوير حتى أستطيع الحصول على الإمكانيات المادية لتصوير كل مشهد كما تخيلته. كما كانت هناك أيضا فترة كوفيد ثم موت والدي عزيز الفاضلي رحمه الله، كلها عوامل أسهمت في تأخير الفيلم. والحمد لله، حينما خرج الفيلم، كانت ردود الأفعال حوله إيجابية في المهرجانات.

بالنسبة لك.. كيف كانت النقلة من التلفزة إلى السينما؟ وما هي نقط الاختلاف والتشابه بينهما؟
طبعا كانت دراستي سينمائية، ولكن حينما عدت إلى المغرب، حاولت أن أخرج أعمالا بلغة سينمائية في التلفزة، ولم أبدأ بالسينما لأنها تتطلب الوقت والإمكانيات. ولم يكن لدي في ذلك الوقت تصور عما أريد إخراجه في السينما. اليوم، أقول إن التلفزة أصعب من السينما لكي تعجب الناس، في التلفزة ليست لديك نفس وقت وإمكانيات وحرية السينما.. وبالرغم من هذا كله، يجب أن تعجب الناس، كما يجب أن تحترم جمهور تلك القناة وتوجهاتها، ويجب أن ترضي الجمهور الذي تدخل إلى بيته.
أما عن نقط التشابه بينهما، فلديهما لغة واحدة، ونفس الأدوات مع اختلاف المواضيع، لأن السينما تقترح فيها مواضيع يذهب إليها من يرغب في مشاهدتها، أما التلفزة فيجب أن تحترم انتظارات جمهور العائلات.

لماذا اخترت الاشتغال على سنوات الرصاص بعيون عالم “لافوار”؟
كما نعرف، فإن السينما أول ما بدأت كانت في “لافوار” بوضع جهاز للعرض وتسليط الصور على قماش أبيض. وقد اخترت “لافوار” لأنني أردت أن أتحدث عن أشخاص في سنوات الرصاص جريمتهم الوحيدة هي أنهم كانوا في موقع غير مناسب في زمن غير مناسب. وهم أشخاص ليس لهم علاقة بالسياسة لكنهم راحوا ضحية لتلك الفترة. كما أن “لافوار” فيه تلك الفرجة البريئة والألوان.. دون انتظارات سياسية، أي فرجة من أجل الفرجة فقط. وأردت أن أنطلق من هذا المكان البريء لأحكي أحداثا كانت تقع في محيط “لافوار”، ومن هنا جاءت فكرة الطفل الذي يرى العالم بطريقة بريئة، ولكن العالم الحقيقي جعله يواجه صعوبات أكثر في الحياة.
أحب أن أشير، أيضا، أنني تحدثت عن سنوات الرصاص، بالرغم من أنه ليس موضوع الساعة، ولكنني أردت أن أتحدث عن هاته الفترة لأنني أردت أن يعرف هذا الجيل أننا مررنا من هاته المرحلة الصعبة، وأيضا أردت أن أبين أنني كفنان لدي الحرية في مناقشة مثل هاته المواضيع التي قد لا يستطيع مخرج آخر تناولها في بلدان مجاورة. والفيلم مدعم من الدولة، وهذا يدل على أن هناك مصالحة مع التاريخ، وأي مجتمع أراد أن يتقدم يجب أن يتصالح مع ماضيه، وحتى نحن كأفراد يجب أن نتصالح مع ماضينا، لأن العيش في الماضي سيمنعك من عيش حياتك.

أول ما يجذب المشاهد في فيلمك الطويل الأول، هو “الأفيش” الذي يوحي إلى كلاسيكيات السينما. بالنسبة لك كمخرج.. ما هو دور “الأفيش” في الترويج للعمل؟
الفيلم كلاسيكي، وأخرجته بطريقة كلاسيكية، و”الأفيش” يجب أن تمثل صورة الفيلم بألوانها وشكلها.. وهي بمثابة تكريم لكلاسيكيات السينما التي كبرنا معها، مثل الأفلام المصرية والأمريكية والهندية.

قد يعتقد المشاهد أن لعنوان الفيلم علاقة بوفاة الراحل عزيز الفاضلي الذي أدى آخر أدواره في فيلمك قبل وفاته..
 صحيح أن الجمهور ربط العنوان بوفاة والدي، لكن عنوان الفيلم “أبي لم يمت” كان موضوعا أساسا في مشروع الفيلم، وحينما انتهينا من التصوير وتوفي الوالد احتفظنا بنفس العنوان. ولو كنت مخرجا وأبي غير معروف، كان سيكون العنوان عاديا ولن يطرح الجمهور هذا السؤال. لكن بحكم أن والدي كان نجما معروفا حصل هذا الربط.

كيف استطاع عادل الفاضلي الغوص في عوالم الشر والاشتغال على شخصيات مركبة أظهرت الجانب الإنساني أيضا.. مثل محمد خيي، الذي ظهر متأثرا في النهاية بعد وفاة ابنه؟
في جميع أعمالي السابقة، حتى التلفزية منها، دائما ستجدين ثنائية الخير والشر في الشخصيات التي اشتغلت عليها. لا أحب أن أشتغل على شخصيات طيبة دائما أو شريرة دائما، المهم أن تلك النسبة، أي نسبة الخير والشر قد تخرج بدرجات معينة. تثيرني الشخصيات المركبة المعقدة التي فيها تناقض ويمكن أن تحمل الخير والشر بداخلها، أي أنها تعبر على الطبيعة الإنسانية. وقد ساعدني الممثلون في إبراز هذا الجانب، مثل محمد خيي وعبد الغني الصناك وعمر لطفي وعبد النبي البنيوي ونادية كوندا وفاطمة عاطف.. هؤلاء ممثلون لعبوا في المسرح ولم يكن لديهم مشكل في تقمص هاته الأدوار التركيبية.

 الفيلم يحكي عن فترة تعد من أحلك فترات المغرب.. خيم عليها القمع والظلم.. هل اخترتم حكايتها بعيون الطفل لتكون أسهل هضما على المشاهد؟
طبعا، كنت أبحث عن ذلك الجانب البريء ووجدته في الطفل الذي يرى العالم بالألوان بالرغم من أنه يعيش في حقبة سوداء. اخترت الطفل، أيضا، لأنه يمكن أن يخاطب الكل، فكل واحد فينا بداخله هذا الجانب الطفولي الذي يمكن أن يحييه وهو يشاهد الفيلم. وذلك ساعدني كثيرا لأحكي مشاهد كانت ستكون صعبة نوعا ما لو تناولتها بطريقة أخرى.

 سبق واشتغلت على عروض للأطفال.. هل ذلك ساعدك في بناء رؤية الطفل “مالك” لقصة الفيلم؟
طبعا، فقد اشتغلت على مسرح الكراكيز، بالإضافة إلى طفولتي التي عشتها في عالم الفن، حيث كنت أذهب إلى السينما والمسرح كثيرا.. كلها عوامل جعلتني أحكي هاته القصة من هذا الجانب. وحتى في أعمالي الفنية كنت أركز على الطفولة، كما في فيلم “ولد الحمرية” (2000) الذي كانت الطفولة مهمة فيه.

كيف كان الاشتغال مع المخرج/الممثل فوزي بنسعيدي، الشخصية التي بصمت عدة مشاهد دون أن تنبس بكلمة؟
في فيلم “أبي لم يمت”، كانت هناك شخصيات كثيرة مستلهمة من شخصيات حقيقية كانت في تلك الفترة. وكنت أبحث عن شخصية صلبة تمثل السلطة في ذلك الوقت. ومنذ البداية فكرت في فوزي بنسعيدي، وهو صديق ومخرج أحترم كثيرا أعماله. ولكن فوزي بنسعيدي، هو ممثل أيضا، اشتغل في المسرح، وحتى أثناء التصوير، كان هناك احترام ومهنية كبيران بيننا، إذ كان يؤدي دوره كممثل فقط، وهو يفهم ذلك جيدا من الجانبين كمخرج وكممثل. اخترت فوزي، أيضا، لأن ملامحه يمكن أن تعبر على أشياء كثيرة دون أن يتكلم، لهذا لم يكن محتاجا إلى الكلام.

الملاحظ أن هناك مجهودا لافتا في الاشتغال على حركة الكاميرا والإضاءة والألوان والموسيقى التصويرية.. مما جعل المتفرج يعيش وسط المشاهد بجميع حواسه.. هل أعطيت لفتاح النكادي تصورك للموسيقى التي ستلائم مشاهدك؟
 اشتغلت كثيرا أنا وفتاح النكادي على الفيلم. كان يزورني في المنزل، ويعزف على البيانو.. لم يكن التعامل معه صعبا، كنت عينه في الفيلم.. تكلمنا كثيرا عن الموسيقى، وكنت أحكي له عن المشاهد. اخترت فتاح لإحساسه كفنان عارف بالموسيقى المغربية. كنت أريد موسيقى فيها آلات جديدة غير تلك التي كنا نسمعها في الأفلام، ولكنها موجودة في الموسيقى الشعبية مثل La trompette، التي كنا نسمعها في “الهدية” وفي الأعراس.. وهي آلة قريبة من عالم “لافوار” وشخصياته.

 أثناء اختيارك للممثلين.. هل كنت ترى وجوها محددة لتأدية الأدوار؟
نعم، فجميع الممثلين تقريبا شاركت معهم الفكرة منذ البداية، بعد أن أخذت الدعم، وكثير منهم سبق لي واشتغلت معهم مثل محمد خيي وفاطمة عاطف.. أعطوني ثقتهم، وفعلت كل ما بوسعي لأستحقها. كانت فترة التصوير طويلة ولكننا عشناها في أجواء عائلية، وكنا نعرف أن النتيجة ستكون في المستوى.

وظفت في الفيلم عدة مشاهد مستلهمة من التراث الإسلامي. لماذا اخترت سردها من خلال تلك اللوحات؟
عموما الفيلم بأكمله يحتفي بالثقافة الشعبية، بالموسيقى والديكور والشخصيات والقصة.. “تمغربيت” كانت حاضرة فيه بقوة. كبرنا ونحن نرى تلك اللوحات في المنازل والناس أعجبهم توظيف تلك الثقافة الشعبية في الفيلم.
أتذكر حينما كنت صغيرا، كنت أشاهد تلك اللوحات دون أن أعرف مضمونها، كنت أرى فقط تلك الشخصيات المرسومة وأتخيلها تتحدث مع بعضها البعض. تلك النظرة البريئة التي رأيت بها الأشياء هي التي صورتها في الفيلم.
حينما وقع لمالك المشكل واختفى والده، كانت الوسيلة الوحيدة ليجد والده هو عالم الخيال، أي العالم الموازي، وقد كان ذلك بمثابة سفر من الطفولة إلى الشباب، ليجد أجوبة لأسئلته حول اختفاء والده. في جميع اللوحات كان الطفل يضع الشخصيات التي يعيش معها في حياته الواقعية، أي أنه يخلق تلك العوالم ليجد أجوبة لأسئلته من لوحة إلى لوحة.

المعروف أن تلك اللوحات كانت رائجة قديما وتعلق في معظم البيوت المغربية.. في نظرك هل المغاربة كانوا يعرفون رمزيتها.. أم كانوا أكثر تسامحا مع مضمونها مقارنة بالآن؟
أعتقد أن كثيرا من الأمور تغيرت في مجتمعنا، سابقا كنا نتقبل أشياء لا يمكن أن نتقبلها اليوم. حتى “الأفيش” كنا سابقا نتقبل جرأتها في تجسيد قصص حب يظهر فيها الرجل قريبا من المرأة، ولكننا اليوم لا نتقبلها، في حين أن اليوم يجب أن نكون أكثر انفتاحا من ماضينا.. هي أشياء تطرح عدة تساؤلات..

غاص الفيلم في العوالم الليلية للدار البيضاء في مشاهد جعلتنا نتأمل التراث المعماري للمدينة.. هل كان ذلك مقصودا؟
 طبعا، لأن الدار البيضاء مدينتي، وأعرف كيف كانت وكيف أصبحت. سابقا كانوا يصفونها بـ”باريس الصغيرة”، من الناحية المعمارية واللباس.. ما وظفته اليوم وظفته بغرض التمعن فيه، بالرغم من أنه كان صعبا علي التصوير في أماكن مثل شارع 11 يناير وشارع إدريس الحريزي. لكن المشاهد الكبرى بنيت في الأستوديو خصيصا من أجل الفيلم مثل “لافوار” والمنازل والأزقة..

ما رمزية وجود شخصية فرنسية داخل الفيلم؟
وقعت لي قصة غريبة مع هاته الشخصية (يضحك)، في السنوات الأخيرة كانت لدينا مشاكل مع فرنسا، بالتالي الناس لم تتقبل هاته الشخصية، لكن بعدما تحسنت الأمور بيننا وبين باريس، أصبح الناس ينظرون إلى الشخصية بشكل عاد.
أردت أن أجسد الحضور الفرنسي بالمغرب من خلال تلك القصة، فلم يكن من الممكن الحديث عن تلك الفترة دون وجود تلك الشخصية، لأن الفرنسيين ظلوا يعيشون في المغرب حتى بعد الاستقلال، وحينما كنت صغيرا، عشت كثيرا مع جيران فرنسيين وإسبان ومغاربة يهود.

أنتجت الفيلم بنفسك.. وقد سبق وذكرت أنك لم تجد منتجا يثق بالعمل.. هل هذا جعلك تخرج “أبي لم يمت” كما حلمت به؟
المنتجون رأوا أن الفيلم مكلف جدا، مثلا في مشهد من المشاهد الذي كانت مدته دقيقتين، صورته بـ 200 شخصا، فكان من الصعب أن يقبل منتج أن يدفع تكاليف باهظة لمشهد كهذا. لهذا أردت أن أنتج الفيلم بنفسي لكي لا يتحكم في حريتي وخيالي أحد ويجبرني أن أمثل بعشرة أشخاص فقط بدل مائتين. ولهذا تأخرت، كي أجد حريتي وأخرج فيلما مبنيا على اختياراتي أنا فقط.

 بالحديث عن الإنتاج.. لماذا يميل المنتجون لنوعية السينما التجارية ولا يبحثون عن نوعية الأفلام التي تناقش قصة تعيش مع مرور الزمن..
 هناك من يدخل هاته المهنة لأغراض شخصية، وهناك من يدخلها حبا في الميدان وكي يتشارك أعماله مع الجمهور، هناك من يريد أن يحقق حلمه.. أعتقد أن الفيلم الذي لديه إقبال كبير في السينما حاليا هو الفيلم الكوميدي، وأعتقد أن تنقل الناس إلى السينما لمشاهد الفيلم هو أمر محمود ومهم. لكن، في المقابل، هناك نوعية أخرى من الأفلام، تتطلب نقاشات وتطرح تساؤلات، وتسافر بك في عالم آخر.. هاته الأفلام جمهورها قليل. كمثال، في فرنسا الأفلام التي تتنافس لتحصل على الجوائز، هي نفسها التي حققت أعلى الإرادات في القاعات السينمائية، وهي ليست أفلام كوميدية. أي أنهم تخطوا مرحلة الذهاب للسينما من أجل مشاهدة فيلم كوميدي. نحن لم نتخط بعد هاته المرحلة!
لكن هذا الجمهور المغربي الذي يذهب لمشاهدة هاته الأفلام الكوميدية، سيرغب لاحقا في مشاهدة أعمال أخرى. لكن حاليا أهم شيء هو أن تكون لدينا ثقافة الذهاب إلى السينما، ومن هذا الجمهور ستتفرع جماهير أخرى، وستكون هناك أذواق مختلفة. ولكي نكون جمهور أو فنان الغد يجب أن نتوجه إلى الطفل من خلال التلفزة والمدرسة والسينما والمسرح والإعلام.. الطفل يجب أن لا يكون وحيدا مع هاتفه، بل يجب توجيهه.

ما هي المواضيع التي يريد عادل الفاضلي الاشتغال عليها مستقبلا؟
في السينما، سأبقى دائما وفيا لفيلمي القصير الأول “حياة قصيرة” وفيلمي الطويل الأول “أبي لم يمت”. حاليا، أشتغل على سيناريو فيلم سينمائي جديد يتحدث عن فترة الخمسينات، تلك الفترة مهمة بالنسبة لي، ودوري كفنان أن أعيد إحياء فترة ما، وأن أقترح على الناس عملا يتحدث عن فترات تاريخية، لأن نوعية هاته الأعمال قليلة جدا سينمائيا وتلفزيا خصوصا مع اكتساح موجة المسلسلات التركية.. للأسف لدينا محطات تاريخية كبيرة وثقافة خصبة وغنية لكننا نتجاهلها..
أنا أشتغل على الفترة فقط.. مثلا يمكن أن أتحدث عن فيلم بوليسي في الخمسينات وأخلق فيه شخصيات من خيالي، طبعا ذلك لا يكون اعتباطيا، لأنني أقوم بأبحاث تفيدني لأخلق الفرجة والقصة سينمائيا. هناك أيضا، مشاريع تلفزية في طور الإنجاز.

حصد الفيلم أهم جوائز المهرجان الوطني للفيلم بطنجة. ماذا يعني لكم ذلك؟
كنت سعيدا أكثر للناس الذين وثقوا بي وبالمشروع. الجوائز بمثابة اعتراف وهدية للمجهود الذي بذلوه، وخصوصا أنها كانت مختلفة، عن الصورة والموسيقى.. إضافة إلى الجائزة الكبرى. الجوائز حافز مهم، لكني شخصيا لا أخرج الأفلام كي أتنافس بها في المهرجانات وأحصد الجوائز، أنا أقوم بإخراج الأفلام ببساطة لأني أحب ما أقوم به.

كمخرج.. ما هي المواصفات التي يجب أن تكون في فيلم جيد؟
الفيلم هو مجموعة من الأشياء: قصة وتمثيل وصورة وموسيقى وديكور وألوان وطريقة حكي المخرج.. لا يمكن للعمل أن يكون ناجحا بخاصية واحدة أو اثنتين، بل يجب أن تجتمع كل هاته التوابل لتعطيك فيلما جيدا.

خلقت بصمتك الخاصة كمخرج.. هل ترى أن أعمالك موجهة لجمهور معين أم لفئات عريضة..
لا يمكن أن أعرف، أنا أخرج الفيلم وأترك الجمهور يشاهده، يمكن أن يتقبله وإذا لم يتقبله فإذن يجب علي أن أجتهد.
أحب أن أشير إلى أن الانتهاء من التصوير لا يعني أننا انتهينا من الفيلم، هناك مرحلة أخرى يلزمها عمل آخر وهو التسويق، وجزء كبير من وصول الفيلم للجمهور وتحفيزه ليدخل إلى السينما هو طريقة توزيعه وإمكانيات الإشهار، وكل هذا يتطلب مبالغ مهمة.
في المغرب التوزيع ضعيف جدا، لكن في الأفلام الأوربية والأمريكية يتم تخصيص حملة مكثفة تجذب الجمهور لمشاهدة الفيلم الذي يتم توزيع “أفيشه” بطريقة جيدة، إذ نجده مثبتا ومعلقا في كل مكان، في الشوارع والحافلات العمومية.. بغض النظر عن أن الفيلم جيد أم لا، إلا أن الجمهور سيدخل السينما ويشاهده بفضل الترويج الجيد.

 أجرت الحوار: سارة صبري – تصوير: أحمد عقيل مكاو

Top