لا شك أن إنجازات أسود الأطلس في مونديال قطر، تجاوزت بشكل كبير دائرة الإنجاز الرياضي الاستثنائي في “لعبة رياضية تَوحد العالم واجتمع على حبها”، الذي طالما حلم به مجتمع بروافده الثقافية المتعددة الممتدة على رقعة جغرافية شاسعة، ليذيب كل الخلافات ويمحي كل الحدود المعنوية بين كل مجتمعات القارة الأفريقية ومعها عرب وأمازيغ كل العالم، وليسوق لمغرب متعدد ومتنوع ومضياف، يقبل الجميع المختلف والمتعدد.
رسائل وإنجازات لا تعد، تجاوزت حدود الوطن، ليفرح لنا الوطن العربي الإسلامي الإفريقي برمته، إلا أن الوطن الأم (المغرب) كان له النصيب الأوفر من كل ذلك، وسنقتصر في حديثنا هذا على جزء من هذه الإنجازات التي صرفت عليها لدهر من الزمن ملايير الدراهم عبر برامج متعددة الألوان، منها ما حقق نتائج ملفتة إلى حد ما، ومنها ما “ولد ميتا” منذ الوهلة الأولى، دون تحقيق الانتظارات في جميع الأحوال، قبل أن يلتحم أبناء الوطن من مختلف بقاع العالم في منتخب بمنسوب وطنية مرتفع جدا، ويحقق المرجو في أسابيع فقط، وهو الترويج للمغرب، كعلامة سياحية تجذب أنظار العالم…
وما يؤكد الإنجاز التاريخي على القطاع السياحي في المغرب الذي حققه “أسود الأطلس” عبر بطولة كأس العالم التي احتضنتها قطر والتي حاز خلالها لقب أول منتخب عربي وأفريقي يصل إلى نصف النهائي، هو الإقبال غير المسبوق الذي شهدته وجهة المغرب، منذ انطلاق مباريات كأس العالم، جعلها تحتل مكانة متقدمة على الساحة الدولية، مما يمهد الطريق لأسواق جديدة محتملة، بل كانت من ضمن الكلمات الأولى بحثا على محرك غوغل.
تألق أسود الأطلس، إلى جانب الدعم القوي للجمهور المغربي من داخل المغرب وخارجه، شكلا فرصة سانحة لإشعاع القطاع السياحي، حيث أبانت عملية التتبع، التي تقوم بها فرق العمل التابعة لوزارة السياحة منذ انطلاق كأس العالم، عن اهتمام غير مسبوق بالمغرب خصوصا في صفوف المشاهير وصناع الرأي، الذين مثلوا 40٪ من الأشخاص، الذين تحدثوا بشكل إيجابي عن المغرب؛ وهو الاهتمام الذي اجتاح أيضا وسائل الإعلام الدولية الأكثر تأثيرا، والتي أجرت العديد من التغطيات والروبورتاجات عن المغرب، حيث تم ذكر اسم “المغرب” أكثر من 13 مليون مرة، وتسجيل أزيد من 130 مليون تفاعلا مع محتويات “المغرب” من قبل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي” وهي الأرقام التي تضاعفت بعد تأهل المنتخب المغربي إلى مراحل الإقصاء المباشر، مما سمح بإمكانية بروز أسواق جديدة محتملة بالنسبة لوجهة “المغرب”، بعيدا عن السوق الأوروبية، التي تعتبر المصدر الرئيسي للسياح” إلى المملكة.
كل هذه الإنجازات، التي من المفروض أنها اختصرت الطريق على كل الفاعلين في القطاع السياحي، وحققت ما كانوا يصبون إليه من خلال البرامج الأخيرة التي لا غبار عن جودتها وأهميتها، أبانت عن حقيقة مؤسفة، ووضعت الأصبع على مكمن الخلل الحقيقي، أو ربما فقط أكدته، لأننا أشرنا إليه في أكثر من مناسبة، وهو ضرورة وأهمية “بناء الإنسان قبل العمران”، علما أنه حين الحديث عن السياحة المغربية، فإن الخلل يمس أيضا العمران إلى حد ما (الفضاءات التاريخية للمدن والبنية التحتية).
كل ما قام به الفاعلون في القطاع السياحي على مدى سنوات طويلة، وما حققه المنتخب الوطني لأجل هذا القطاع، دهب أدراج الرياح بسبب جشع سائق سيارة الأجرة بعاصمة السياحة المغربية “مراكش” في لحظات، وحتى نكون منصفين ولا نتحامل على هذا السائق بعينه ونحمله وزر أقرانه، فإنه وهو ما لا يخفى على أحد، مجرد مثال بسيط على ما بات “أصلا وليس استثناء”، لما يحدث داخل قطاع سيارات الأجرة بكل المدن المغربية، ولا أظن أن قارئ لما أخطه لم يسبق له أن دخل في مشادة أو شعر بظلم من طرف هذه الفئة، التي أضحت تهدد حتى المسؤولين أنفسهم، ولنا في مدينة الجديدة مثال (لم تستطع السلطات حتى الآن فرض اعتماد العداد من طرف سيارات الأجرة رغم عقود من الزمن عن إقراره)، وأيضا ما يحصل أمام كافة محطات القطار بالمغرب (خاصة بمراكش والجديدة والدارالبيضاء وطنجة)، من ابتزاز للزبناء ومعاملات غير أخلاقية لمواطنين مغاربة وأجانب أيضا، وكل ذلك أمام أعين السلطات…
ومرة أخرى وحتى لا نكون متحاملين على هذه الفئة بعينها، رغم أنها تمثل الواجهة الرئيسية للسياحية المغربية، حيث إنها أول من يكون في تواصل مباشر مع كل وافد للوطن أو وافد لوجهة محددة من وجهة أخرى داخل أرض الوطن، بل هي الفئة التي يقضي معها السائح أغلب وقته، فإنها ليست الوحيدة التي تسيء لصورة السياحة المغربية، حيث لا يخفى عن أحد ما يحدث داخل المطارات من طرف موظفين ومسؤولين في مناصب مختلفة أثناء تواصلهم المباشر مع الوافدين لأرض الوطن من السياح الأجانب وأفراد الجالية المغربية، وأيضا ما يحدث داخل “البزارات” ومختلف المحلات التي يقبل عليها السياح من نصب وخداع وما إلى ذلك…، وهو ما لا يخفى على المسؤولين والقائمين على القطاع، وبالتالي ما من دعوى للتفصيل فيه أكثر، لأن الواضح لا يوضح، وشرح الواضحات من المفضحات.
أخيرا، كما تمت الإشارة إليه، ما فعله سائق “الطاكسي” هو نموذج فقط لما يقع داخل القطاع، مما يستدعي اليوم تكاثف جهود كافة المتدخلين لتنظيمه بشكل يليق بصورة مغرب اليوم، كما أن ما يجري داخل قطاع “سيارات الأجرة” هو عينة لفئة عريضة من المجتمع المغربي التي تسيء لصورة الوطن وتهدم كل ما تبنيه الفئة الأخيرة (القوة الناعمة) من صورة جميلة وتروج لها، مما يجب معه وبشكل مستعجل على المسؤولين اليوم، التفكير في الارتقاء بالعنصر البشري، وبعده الالتفات لنواقص البنية التحتية التي لا زالت بدورها تسيء لصورة المغرب، وبعدهما يأتي الترويج للسياحة على المستوى العالمي، وإلا سنكون موضوع البيت الشعري للشاعر عروة الرحال: “وهل يُصلِحُ العَطّار مَا أفْسَدَ الدَّهر”؛ بمعنى فهل سيصلح أسود الأطلس ما أفسده الفاعلون المباشرون في القطاع السياحي من “سائقي سيارات الأجرة، موظفين، تجار…”، ليبقى السؤال الأدق: هل يعي المسؤولون والقائمون على القطاع السياحي اليوم بالمشكل الحقيقي ومكمن الخلل ويقومون بما يجب للإصلاح؟ أم سيتركون هذه الفئة تهدم كل ما يتم إنجازه، ويتم تغليف الحقيقة البارزة بمبرر “الاستثناء” وتحميل السائق وزر كل من تحدثنا عنهم؛ إن الرهان على القوة الناعمة ينبني على تأهيل الإنسان كفاعل ومسوق للمنتوج الوطني، سواء على مستوى التواصل وتجويد الخدمات من المطار إلى مغادرته، كما تفعل باقي الدول الرائدة في المجال؛ فهل سيصدق على ما فعله سائق الطاكسي المثل الحكيم قديما “على أهلها تجني براقش” فهل جنى سائق الطاكسي على نفسه والقطاع برمته؟
عبد الصمد ادنيدن