يصادف نشر هذا المقال انطلاق منافسات كأس العالم في كرة القدم، ووجدتني أتساءل: ألا يمكن لي الكتابة بدوري في هذا الموضوع وإن كان ما دأبت على كتابته ظل محصورا في الفن والأدب؟ مع الوعي بأن للكتابة في مجال الرياضة أناسها الذين يدركون خباياها ومنعرجاتها إذا صح القول.
لم أتردد طويلا وقلت: نعم أستطيع، وقد سبق لي أن جربت الكتابة في هذا الموضوع، ليس من زاوية التحليل الرياضي المحض، ولكن من خلال التطرق إلى العلاقة بين الأدب وكرة القدم.
هذه الرياضة وغيرها من أشكال الرياضة، ليست منحصرة في مظاهر الاندفاع البدني والتنافس لتسجيل الأهداف والانتصار على الخصم.
المشاهد العادي هو الذي يقف عند هذه المظاهر السطحية وإن كانت هي الغاية من تنظيم المقابلة الرياضية.
على امتداد شهر كامل ستشد منافسات كأس العالم في كرة القدم أنظار الملايير من المشاهدين (آخر إحصاء لسكان هذا الكوكب الموبوء يشير إلى بلوغ ثمانية ملايير نسمة) يا له من رقم مهول، سيما في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها كوكبنا نتيجة التحولات المناخية الناجمة عن الاستعمال الفاحش للصناعات الملوثة للمناخ، إلى حد جعلنا نعيش صيفا طويلا جدا لا نهاية له (صيف طويل جدا يصلح أن يكون عنوانا لرواية عبارة عن يوميات تتطرق للحديث عن أثر تحولات المناخ على الذات وعلى الآخرين).
لنعد إلى خرفاننا، كما يقال في التعبير الأجنبي، ستكون متابعة المغاربة لمنافسة كأس العالم في كرة القدم التي تنطلق نهاية الأسبوع الجاري بحفل افتتاحي لا شك أنه ستتخلله مشاهد فنية: رقص، غناء، تشكيل.. ستكون المتابعة جد مغرية، بالنظر إلى مشاركة منتخبنا، حيث يعقد الأمل على مروره إلى ثمن النهاية أو على الأقل إلى الدور الثاني، كما حصل في سنة 1986 الموشوم في الذاكرة.
لعل أجمل ما في كرة القدم هو تلك الذكريات التي لا تنسى، لا يمكن نسيانها، من يمكن له أن ينسى بعض الأهداف التي تم تسجيلها في الأوقات الحاسمة والحرجة؟ هدف التيمومي الذي قذفه أرضيا في مرمى المنتخب المصري وطريقته الخاصة في الاحتفال بهذا الهدف المميز.. مراوغات الغريسي الذكية في مربع العمليات.. عفوية المرحوم الظلمي، جنون الحارس العسكري.. بعض التمريرات التي كان لها إسهام في تسجيل الأهداف: تمريرة موحا اليعقوبي على سبيل المثال في إحدى منافسات كأس أفريقيا حسبما أذكر.. إلى غير ذلك من الذكريات.
الذكريات لا تظل محصورة في الصراع على تسجيل الأهداف، بل تمتد إلى كل ما يجري على رقعة الملعب وفي محيطها من مظاهر الاحتفال والتعاطف، سواء في ما بين اللاعبين أو ما بين اللاعبين والطاقم التقني والجمهور وغيرهم من الحاضرين والمشاركين في هذه اللعبة، لا ننسى في هذا السياق الإشارة إلى التيفوات التي يتم عرضها من قبل الجمهور وما تحمله من خطابات ورموز، بعضها مستقى من الأدب العالمي، رياضة كرة القدم تفعل العجائب.
هذه الجلدة المنفوخة بالهواء كما دأب البعض على تسميتها، خاصة عندما يمنى فريقه بالهزيمة، كانت موضوع فنون أدبية: الرواية، القصة القصيرة..
رواية كرة القدم بين الشمس والظل للكاتب إدواردو غاليانو من الأوروغواي على سبيل المثال. فضلا عن الأفلام السينمائية، بالأخص لدى الأجانب، حيث أن ثقافتنا تعد مقصرة إلى حد اليوم في تناولها لهذا الموضوع، وهناك العديد من المثقفين والأدباء المغاربة الذين ظلوا ينظرون إلى رياضة كرة القدم بنوع من التنقيص ويتجنبون الحديث حولها أو التطرق إليها في كتاباتهم، لا لشيء سوى لكونها رياضة شعبية.
بقلم: عبد العالي بركات