حكومتنا صماء وترفض الحوار 

في عدد من القضايا التي تداولها الرأي العام الوطني خلال مدة ولاية الحكومة الحالية، بدا واضحا رفض الحكومة للحوار، والأزمات تفاقمت، سواء مع موظفي التعليم أو مع طلبة كليات الطب أو مع مهنيي الصحة او مع المحامين أو مع منظمات الصحفيين وناشري الصحف أو مع المركزيات النقابية، بالذات بسبب أزمة الحوار مع الحكومة.
حكومة الكفاءات عندنا لا تقبل أي شكل من أشكال الحوار، ولا تنصت لأي أحد قد تشتم منه رائحة اختلاف معها، ولا تفكر حتى في الانفتاح على رأي أحزاب المعارضة أو آراء مؤسسات دستورية، ولا تسمع سوى لنفسها ولحوارييها.
حكومتنا مع الأسف لا صلة لها بزمننا الدستوري الحالي وهي من زمن آخر مضى وانتهى منذ إقرار دستور 2011، وهي لم تدرك بعد أن المقاربة التشاركية نص عليها دستور المملكة، وأن الحوار من دعامات الممارسة الديمقراطية الحديثة.
طول إضراب طلبة كليات الطب وتوقف الدراسة لديهم، وإقدام المحامين على توقيف حضورهم الجلسات بالمحاكم، جسدا أزمتين عميقتين وغير مسبوقتين في تاريخ بلادنا، ومع ذلك لم يحدث أي استنفار حكومي في مستوى وحجم الأزمتين.
الحكومة تمعن في العناد والتماطل ورفض الحوار، وحين ترضخ لمطالب المحتجين تقوم بتلبية كل المطالب أو أهمها من دون أي انتباه آو مبالاة بما أضاعته على البلاد وما كلفه سلوكها من خسائر مالية وغير مالية للدولة والمجتمع.
حدث هذا مع شغيلة التربية الوطنية من قبل، ثم مع طلبة كليات الطب، ومن المؤكد سيحدث الشيء ذاته في حل الأزمات الأخرى.
ليس الأمر مجرد اقتراف للهواية وعشوائية التدبير وانعدام الكفاءة التفاوضية والسياسية، ولكن الأمر يتعلق بعمى حقيقي، ورعونة لا يجب أن تحضر بتاتا في السياسة وفي إدارة شؤون الدولة ومصالح الناس.
لم يعان المغرب من أزمة في الحوار مع الحكومة مثل الذي يحدث مع هذه الحكومة اليوم، ولم تكن أي حكومة من قبل أفشل من هذه في إدارة الأزمات الاجتماعية والمهنية والاقتصادية والتدبيرية، وبعض هذه الأزمات كان بالإمكان حلها منذ الأيام الأولى لاشتعالها، ولكن ذلك كان يتطلب بعض العقل وبعد النظر والمقاربة الاستباقية و… السياسة.
لقد قلنا منذ زمان بأن هذه الحكومة المكونة من أحزاب والمتمتعة بأغلبيات واسعة في كل مستويات التمثيل، لا حضور لها في المجتمع، سياسة وتأطيرا وتواصلا، وفي أزمنة ومراحل الأزمات تصاب بالخرس التام ولا تستطيع الكلام.
لننظر لطريقة وشكل ومحتوى ما يعرضه عدد من الوزراء من أجوبة في جلسات البرلمان، ولنتابع أجوبة الناطق الرسمي باسم الحكومة في لقاءاته الأسبوعية كل خميس، ولنشاهد بعض الخرجات الإعلامية غير المحسوبة لبعض الوزراء واختلاقهم للتوترات فور ما يتكلمون، ولنلتفت لعجز قطاع التواصل عن لعب دوره لصالح الحكومة أو لإعمال سياسة عمومية للتواصل والإعلام، بل وفشل القطاع حتى في إنجاح الحوار الخاص به في مجالات اهتمامه مع المهنيين المعنيين.
كل هذا يؤكد أن الحكومة تحيا في زمن قديم عكس الزمن الذي يعيشه مغرب اليوم، وعكس ما يفرضه الزمن المعاصر من تحديات على البلاد وعلى الناس.
هل على المغرب الاستمرار في هذه المعاناة، أي حكومة خرساء تفشل عند كل أزمة اجتماعية وترفض كل أشكال الحوار والسلوك التشاركي؟
نحن الآن نتفرج على أزمة حقيقية بين المحامين ووزارة العدل، وأمام مشروع للمسطرة المدنية يتضمن عديد اختلالات ومخاطر لا تعني المحامين وحدهم، وأمام مشروع للقانون الجنائي ومسطرته لا يخلوان كذلك من مشكلات، وأمام أسلوب غريب للحوار والجواب من طرف وزير العدل.
أمامنا كذلك أزمة حقيقية في قطاع الصحة، وعين لها وزير جديد لا علاقة تربطه بالقطاع أو بالحوار، وهناك أزمات واحتجاجات في قطاعات أخرى بالوظيفة العمومية، ثم هناك انسدادات واستعصاءات في العلاقة بين الحكومة والنقابات حول قانوني الإضراب والنقابات، إضافة إلى مشاكل الغلاء وأسعار المحروقات وتدهور القدرة الشرائية لفئات واسعة من شعبنا، وهناك استمرار تجليات عبث وتوقف الحوار في قطاع الصحافة…، وكل هذا، وسواه، يجعلنا أمام حكومة بلا صوت وبلا رأي أو إرادة لإيجاد حلول لما يطرح على البلاد من أزمات.
هل الحكومة ترغب في استمرار هذه الأزمات وتفاقمها؟ ولماذا؟ ولمصلحة من؟ ولأية غايات؟
إن حكومتنا مطالبة بإدراك ضعفها العام في التواصل مع المجتمع ومع مختلف تعبيراته السياسية والنقابية والجمعوية والمهنية والتمثيلية، وافتقارها لأي دراية أو قدرة لمعالجة الأزمات وحلها أو على الأقل لإعمال الحوار التشاركي والتعددي بشأنها، ومن ثم عليها أن تنزل من أنانيتها وعنادها وتتواضع لتمارس فعل الإنصات للمجتمع ولكل الهيئات التي تختلف معها، بدل أن ترتمي في أحضان من يطبل لها فقط ويقدم لها الواقع كأنه وردي بالكامل وبلا مشاكل.
مصلحة بلادنا، ومصلحة هذه الحكومة أيضا لو كانت تفهم، توجد في الانفتاح على النقابات والهيئات والأصوات المختلفة ذات الجدية والمصداقية، وفي الاستماع لقوى وأحزاب المعارضة، والسعي، ضمن مقاربة تشاركية منفتحة، لإنتاج الحلول للأزمات، وصياغة الإصلاحات والبرامج، وذلك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بدل الإمعان في الهروب إلى الأمام وإغلاق العيون والآذان والأفواه بعناد صبياني غريب ليست له علاقة، بتاتا، بالسياسة.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Top