رغم خفوت الصوت النقدي عربيا، إذ ما فتئت الشكاوي ترتفع هنا وهناك متذمرة من نكوص النص النقدي وعدم مواكبته الإبداع الأدبي المتراكم، غير أن هناك بعض الأدباء الذين حظيت أعمالهم بمتابعة نقدية متواصلة ومحترمة، ومن هؤلاء الأدباء الكاتب مصطفى لغتيري، الذي أصدر لحد الآن ثلاثين مؤلفا، إذ حظيت إبداعاته بمتابعات نقدية ملفتة، تجلت في بحوث جامعية ومقالات متناثرة هنا وهناك، على صفحات الجرائد والمجلات وبين دفتي كتب نقدية رأت النور تباعا، اهتمت بالقضايا التي تناولها هذا الكاتب، من خلال الأجناس الأدبية المختلفة التي كتب فيها انطلاقا من جنس القصة القصيرة ومرورا بجنس القصة القصيرة جدا وانتهاء بجنس الرواية.
وقد كان أول كتاب نقدي اهتم بإبداعات الكاتب قد ظهر إلى الوجود عام 2007 اختار صاحبه أن يعنونه بـ “شعرية الواقع في القصة القصيرة جدا”. وهو للكاتب التونسي عبد الدائم السلامي، الذي قارب فيها الكرسي الأزرق لعبد الله المتقي ومظلة في قبر لمصطفى لغتيري، ومما جاء فيه” ما قصص لغتيري والمتقي سوى استعارات صغرى لمفردات واقع يومي يعيشانه، يمثل بدوره استعارة كبرى لا يمكن تحديد مكوناتها، لتشعبها، إلا بتجزئتها على غرار ما جاءت عليه قصص “الكرسي الأزرق” و”مظلة في قبر”، استعارات قامت على تفصيل المرئي إلى مشاهد تفصيلا لم يغفل أدق الأجزاء فيه ما جعلها تضفي متضافرة، شعرية شفيفة على الواقع حولت فيه “مرارة” الحقيقة “لذة” في التأويل”.
في سنة 2013 ظهر الكتاب النقدي الثاني الذي قارب إبداعات الغتيري تحت عنوان” هواجس الكتابة القصصية” للكاتب عبد الرزاق جبران وتناول في شقه التطبيقي المجموعة القصصية الأولى لمصطفى لغتيري “هواجس امرأة”، الصادرة عام 2001، ومما جاء في هذا الكتاب” استطاعت القصة القصيرة في المغرب تجاوز البناء التقليدي للكتابة وبناء عوالم سردية متنوعة٬ استنسخت الأساليب القرائية المترهلة وفرضت على النقد بنية نصية مشاكسة٬ هدمت تصورنا اللساني للدال والمدلول واستبدلته بـ ‘الدال’ فقط٬ وبهذا يصعب الحديث عن دال ومدلول٬ شكل ومضمون٬ فنحن أمام دال متعدد مدلوله وغائب٬ وهذا يعني أننا أمام محطة تثير سؤال الكتابة في علاقته بالمرجعيات المتعددة٬ ويفرض تصورا نقديا جديدا يتجاوز القراءة الكلاسيكية٬ التي تركز على المضامين٬ والتي تمطط النص لتحشره في قالب الإيديولوجية٬ دون الانتباه إلى دلالة الشكل”.
أما الكتاب الثالث في هذا المضمار فهو كتاب” أسئلة الرواية المغربية.. قراءات في أعمال الروائي مصطفى لغتيري” للنقاد المغاربة سعيد بوعيطة ومحمد داني ونور الدين بلكويدري، وقد تناول كل ناقد من هؤلاء مجموعة من روايات لغتيري بالدرس والتحليل، ليخرج باستنتاجات عامة، وهكذا ركز سعيد بوعيطة قراءاته في هذا الكتاب على رواية (رجال وكلاب) من خلال مستويات عدة ترتبط ببنية السرد والدلالات التي يقدمها. أما في رواية (عائشة القديسة)، فركز على مستوى الحكاية، باعتبارها العمود الفقري لهذا النص السردي.
وفي رواية (رقصة العنكبوت)، تناول الشخصية الروائية من منظور التحليل العاملي كما حدده جريماس. فيما تناول الأستاذ “نور الدين بلكودري” الروايات التالية: (رجال وكلاب، ليلة إفريقية، على ضفاف البحيرة… أما الأستاذ “محمد داني”، فتناول روايات مصطفى لغتيري، من خلال بعدين رئيسيين: تجلى الأول في التجليات البنيوية في هذه الأعمال (الزمن، السارد، الشخصيات…)، أما البعد الثاني، فارتبط بصورة الآخر في مجمل هذه الأعمال. بهذا حاول هذا الكتاب الاقتراب من أهم الأسئلة الجوهرية التي تطرحها الرواية المغربية، من خلال نموذج الروائي “مصطفى لغتيري”، وإضاءة أعماله الروائية.
كما صدر للناقد الفلسطيني أمين خالد دراوشة كتاب حول أعمال الكاتب مصطفى لغتيري سماه” الرواية المغربية وثراء المتخيل السرد” مع عنوان فرعي” دراسة في الفن الروائي عند مصطفى لغتيري” وقد تناول الناقد في هذا الكتاب بالدرس والتحليل سبع روايات من إنتاجات الكاتب المغربي مصطفى لغتيري، من بينها “رجال وكلاب” و”ابن السماء” و”الأطلسي التائه”.
ومما جاء في مقدمة الكتاب:” إن التجربة الروائية للكاتب مصطفى لغتيري تستحق أن تنتشر ويذاع صيتها، وأن يدرسها النقاد، والطلبة في الجامعات، فهي تجربة غنية ولا يمكن تجاهلها..”.
وفي الفترة الأخيرة صدر كتاب” الرواية المغربية بعيون عربية، روايات مصطفى لغتيري أنموذجا”، يجمع بين دفتيه مقالات لنقاد وأدباء وصحافيين عرب، استهوتهم العوالم التخييلية للروائي مصطفى لغتيري، فدبجوا مقالات تناولت بالدرس والتحليل بعضا من رواياته، وقد نشرت المقالات في حينها في ملاحق ثقافية لصحف عربية وفي بعض المواقع الأدبية المتخصصة كـ “ثقافات” و”القدس العربي” وجريدة “العرب” اللندنية، و”السفير” اللبنانية و”الناقد العراقي”، و“الثورة” اليمنية، و”بيان اليوم” المغربية و”الوطن” العمانية والحدث الفلسطينية وغيرها.
وقد توجت تجربة الكاتب في القصة القصيرة جدا التي جمعت في عدد من المجاميع القصصية هي “مظلة في قبر” و”تسونامي” و”زخات حارقة” و”حدثنا القرد فقال”.. بمؤلف نقدي تحت عنوان” فن القصة القصيرة جدا عند مصطفى لغتيري”، وقد ضم بين دفتيه عددا من الدراسات لنقاد مغاربة وعرب، من بينهم الدكتور يوسف حطيني والدكتور جميل حمداوي.
ونشر كل من الناقد عبد النبي البزاز والناقدة خديجة الحنافي كتابين نقديين اختار الأول أن يسمي كتابه” آفاق القراءة وللتأويل في روايات مصطفى لغتيري” فيما عنوت الحنافي كتابها بـ” الرواية والتصوف الأطلسي التائه لمصطفى لغتيري نموذجا”.
كما تكللت التجربة الروائية للكاتب في عمومها بإصدار نقدي مهم، شارك فيه أكثر من خمسة عشر ناقدا مغربيا، تناولوا عددا من الروايات بالدرس والتحليل، وقد حمل هذا الكتاب اسم” عوالم الحكي والتلقي في التجربة الروائية عند مصطفى لغتيري” وقد ضم 375 صفحة.
وبذلك تكون التجربة الإبداعية لمصطفى لغتيري قد نالت حظا وافرا من الاهتمام، وهي التجربة التي تجاوزت عشرين رواية وتسعة من المجاميع قصصية، في انتظار مزيد من الكتابات النقدية حولها، لأن تعدد ثيماتها وانشغال الكاتب بالتجريب في كل عمل جديد، يغري المهتمين بمتابعتها نقديا.
بقلم: ليلى التجري