عَصَفها ألفُ خريف وما زالت تَحمِل إكليلاً مِن الوردِ في قَلبِها
ليالي تشرين تسرح ضفائرها بالذكرى والدرب أصبح خالياً من الرفاق وصاحب البيت يحتال على اليمام
ينثر فتات اللهفة فوق فخ ملون وشرفته باتت مليئة بأسراب حمائم مكسورة الخاطر..
تباً له ولساعي البريد الذي ما فتئ يجلب مكاتيب أعدتها مئات المرات فليته نسي طريق بيتنا وليت قارئة الفنجان تقابله صدفة فتنسيه اسم شارعنا..
بينَ الليالي المُرعبة.. نَمضي بروحٍ مُتعبةَ.. بالأمس كانَت ضِحكَتنا صوتاً شَجِيًّا واضِحاً.. وَالآخرين فِيها مُعَجبة، واليَوم يبدو أنّها لا تَستَمِر وتختفي مثل الوعود الكاذبة… الظلام صارَ رفيقنا… يَمنعُنا من العمل، من متابعة الأخبار٬ ومن الهروبِ نحوَ الخارج بحُكمِ بدءِ موشحات الشتاء، نعيشُ أصعب أيامنا، شلَلٌ يَستبدِلُ لغة الحياة ويفرِضُ الصمت.. نكتُب لأنّنا نؤيد الصوت الصاخب٬ نُؤيّدُ البقاء على خط الحياة٬ ونُريد زَج كل من يرى في معاناتنا استعراضًا ولَفتٌ للنظر في محرقة النبذ والتخلّي… نكتُب لأنّ التاريخ بَدأَ يولَد في مشرحتِنا… نكتُب علّناً نجِد ما يقول لنا أننا بخير..
تلتهمنا الأشواق نغرف دمعاً من قدر الآماق، فتبكي للوعتنا يمامة كانت تسكن الرواق ..
تسلفنا يراعاً وكومة أوراق
توقظ قافية، وحرفاً أرهقه الحزن بالعناق ..
تقول للعابرين مهلاً، العمر لحظة وهيهات إن يباع من جديد في الأسواق
وفي شقوق الجدران العتيقة، تنساب حكايات الراحلين
كنهرٍ من الذكريات، في كل شَق يَحُطّ في فضاء الصمت ملحمة حنين لا يعرف للسكينة طريقًا.. ننظُر في المرايا باحِثين عنّا، فلا نجد سوى أطياف تاهت في مَمرّات الزمن، يختلِط الحلم بالواقع والذكريات تنزلق كالماء بينَ أصابعنا، نرى وجوهنا ولكنها ليست وجوهاً من لحمٍ ودَم بل صورة مُشوّشَة ضبابِيّة.. تحمِلُ في طيّاتِها صدَى أوقات مضَت.. تجارُب تركت أثرَها ولكنها لم تُكمِل مسارها.. أسدلت الستار وأعلنت النهاية بلا نهاية واضحة..
مرحبا من وراء أجنحة الشمس، مرحبا في عالم لا يشبهني لكنني متورطة فيه، مرحبا في حياة تتسع للحبّ و اللّهو، حياة تقطف النجوم من سماء بعيدة
مرحباً في ذاكرة لحن شارد وقلباً عائدا من مدن الحب،
في بيت شعر يكسر رتابة قصيدة
في غياهب تشيع الأوهام أحلاما أكيدة
في دنيا تمنحنا فرصة المحاولة لأكثر من مرة داخل عواصم لا تتسع إلا لليل والأعين المفتوحة
مرحبا في اللحظات الأكثر قسوة حين تشعر أنك بحاجة لأحدهم فتجد نفسك محاصراً بين أروقة الوحشة والأسئلة الغريبة، حين يكون التقدم مُجهدا والتّأني كفيفاً والرجوع مستحيلاً
متوجسة لحظات الانطفاء والحيرة والمسافات الراكدة الطويلة، أسهو في تعبٍ وأركض داخل مراتع التيه وأطفو ع حواف مجاز فتلفظني سحابة بعيدة، متأهبة دائماً لاستقبال أشياء جديدة، متريثة بهذا القدر من اليقين بأن الحياة غير عادلة وأن الالتفات هكذا فجأة يكسر شيء بداخلك، شيء ليس من السهل إعادة ترميمه.
في خضم هذا الشعور الذي يعتريني من حين لآخر تخطو أفكاري نحو فسحة ندية، فسحة منعشة بالحب بالأمل وبالأشياء الدافئة، مشاعر تشبه في رقتها ألوان فراشة جمالها ينير الدروب
ويُضفي ع الروح موجة تلاحق فتنة اللحظة
أي إغراء هذا؟
كيف له أن يواجه اختياراتي، أن يُبدي حقيقة خلافاتي، أن يحول غضبي إلى كلمات تتراقص في جوف الليل !
أُجابه لهفة الصيف الخجول وأقاوم سحر المجهول الذي ينتظرني، رغم كل المنغصات لازلت حماقاتي تتمادى في بعثرة أيامي بين أمل ومستحيل ومعارك طاحنة، مرة أخرى أركض تجاه الحب حد الشغف حد التخفي أن يسمع ضجيج قلبي
مرات كثيرة أتعثر أمام نوبة مشاعري أتوجس فجيعة الأمس وأطرق باب الخوف، كانت قصة مريرة لا تعرف فيها الأحلام سبيل قصة لم تلتمس لقلبي السبعين عذرا
لم أكن أبدا تلك المرأة الناصعة بالصبر الهادئة أمام رياح الشوق كنت دائما أنسج الحروف ع كيد انتباهك المستمر لتفاصيل ضفيرتي، ابتسامتي، عقدة حاجبي حين تمارس الكذب أمام نظراتي البريئة
أعرف أن الزمن يركض سريعا حتى قطار الحياة لا ينتظر من تتعثر به الأيام، حين أصرخ لا أحد هناك يسمعني لم أكن يوما بعيدة ولا حتى قريبة كنت أقف بما يكفي حتى أشاهد والأيام تعبر دوني، مرات عديدة وقفتُ لكن لم يراني لأنها كانت تعير انتباهها إلى أشياء أخرى، لوحت لكن لم تلتفت كالعادة إلا أنها النور الوحيد الذي أضاء عتمة روحي
ما أحوجني لمن يفهمني دون شرح دون الحاجة لكتابة رسالة أو نص، لمن يتحمل تقلبات مزاجي دون تذمر، لمن يعيد لي نسختي القديمة، لمن يُشعرني بالدفء حين ترتجف أضلعي من صقيع الوحدة، لمن يحتويني ويقرأ لغة الصمت حين تحاصرني مشاعري، أحتاج لمن يعثر علي داخل متاهات روحي لمن يقابلني بابتسامة بكلمة سخية تجمع شتاتي لمن ينقذني من شرودي من حين لآخر، لمن يتدارك غضبي قبل فواته
صدقوني لا شعور أقسى يعدل شعور الترقب والانتظار، شعور يرسل لك موجات اضطراب يفتح ألف باب للخذلان والمواجع لربما كانت هذه هي الحقيقة .. لكنني أكابر دوما عن التسليم بالأمر، منعطفات سحقية تجرني نحو الانهيار لكن محاولاتي المستميتة في الصمود مستمرة..
بقلم: هند بومديان