الهم المشترك

في الآونة الأخيرة أصبحت الشريحة الأكبر من المغاربة قاب قوسين أو أدنى من عتبة الفقر المدقع، في ظل غياب أي إجراءات حقيقية وواقعية ملموسة تنقذ الطبقة المتوسطة صمام أمان المجتمع المغربي في الإستقرار، رغم دق ناقوس الخطر لهذه الوضعية منذ أشهر عدة، حيث إنه في ظل الزيادات غير المسبوقة والمتتالية التي تفوق القدرة الشرائية للمغاربة بشكل كبير، خاصة أن كثير منها غير مبرر وصلنا إلى وضعية مغاربة تحت عتبة الفقر.

وهكذا فالمواطن المغربي الأجير والموظف فقد كافة مدخراته للطوارئ (دواير الزمان)، واستنفد كافة الحلول التدبيرية للأزمة من لجوء للقروض عبر المؤسسات البنكية أو غيرها، في وقت يصعب فيه تصور وضع فقراء الوطن، مما أدخل المغاربة في حالة يأس واكتئاب شديدين، نتج عنهما أجواء مشحونة بفضاءات الشغل وداخل الأسرة وأيضا الشارع، وفي الفضاءات العامة، وهو ما باتت نتائجه تظهر للجميع بشكل جلي، خاصة بعد الوضع الأخير الذي جعل المواطن بين مطرقة جشع المضاربين من بني جلدته وسندان لا مبالاة المسؤولين.

بالأمس القريب، سمعنا تحذيرات من جهات رسمية وغير رسمية عن ندرة المياه، لم تجد آذانا صاغية، وها نحن اليوم نحصد تبعات اللامبالاة والاستمرار في استنزاف الثروة المائية؛ ليأتي  التدخل الباهت متأخرا جدا ولا جدوى منه، وها هو اليوم يتكرر السيناريو ذاته مع غلاء الأسعار، حيث أنه على مدى أشهر عدة تم التنبيه إلى أنه يتم سحق الطبقة المتوسطة والقضاء على الفقراء ببطء، وبدل التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، تبنت الحكومة من جديد سياسة الصمت، قبل أن تعلن استنفارها نهاية الأسبوع الماضي بعد أن وصل السيل الزبى عند المواطن، واستشعرت الخطر الكبير الذي بات يهدد السلم الإجتماعي بل يهدد استمراريتها…

نقدم هذين المثالين فقط لكثير من المخاطر التي أصبحت تهدد السلم الاجتماعي، ليس للظروف السوسيواقتصادية والمناخية التي يعرفها العالم بأسره، وإنما تعود أساسا لعدم مبالاة المسؤولين السياسيين وبعدهم عن هموم المواطن البسيط، واهتمامهم بمصالح الطبقات الغنية وترك العمال والشغيلة والعاطلين في مواجهة مباشرة مع مصير مجهول.

لذلك نقولها للمرأة الألف، أنه على الحكومة أن تتدخل بشكل مستعجل وتتخذ إجراءات فعلية آنية وملموسة لأجل إعادة الوضع إلى ما كان عليه، والبحث في سبل تحسين ظروف عيش الطبقة المتوسطة المنتجة، خاصة أن العملية الإنتاجية ترتبط بشكل كبير بهذه الطبقة وبمدى الاستقرار المالي والنفسي للمواطن، فكلما ارتفع هذا المنسوب زاد الإنتاج والاستقرار وكلما انخفض تراجع الإنتاج واختل التوازن وهدد الاستقرار الإجتماعي.

إلى جانب تكثيف المراقبة التي يجب أن تكون مستمرة للضرب بيد من حديد على المضاربين وكل من تخول لهم أنفسهم استغلال الظرفية لإمتصاص دماء المواطن البسيط دون حق (الفاعلين في النقل، التجار، المؤسسات…)، يجب أيضا اتخاذ  إجراءات أخرى شعبية تخفف من آثار الأزمة الاقتصادية على جيب المواطن من قبيل مراجعة الضرائب الكثيرة والمتعددة التي تمص دماء المواطن من خلال إقرار بعض الإعفاءات ولو بشكل مؤقت، فضلا عن تخصيص دعم أو منح عن البطالة ولو بشكل مؤقت أيضا، ومن جهة أخرى إستيعاب الدرس وتحمل المسؤولية اللازمة مستقبلا في التعاطي مع القضايا المصيرية للشعب في الوقت وبالشكل اللازمين، من خلال الإنصات لتنبيهات الخبراء والصحافة المواطنة.

أخيرا، نؤكد إن هذه الأزمة تفرض علينا جميعا، مواطنين ومسؤولين التحلي بالمسؤولية والمواطنة الحقة كل من مكانه وحسب إمكانياته إلى أن تمر هذه السحابة السوداء، فيجب أن نكون الرياح التي تدفع بها بعيدا؛ وأن نقتنع أننا نستمر فقط باستمرارنا جميعا، والقضاء على أي طبقة يعني أكيدا اختلال التوازن والقضاء على تماسك المجتمع.

ولنضرب لذلك مثالا، إذا كنت مواطنا أشتغل في النقل أو فاعل في الأسواق أو تاجر…، يجب أن أعي جيدا أن استمراري رهين بفضل زبنائي، وبالتالي فاستنزافي لهم واستغلالهم يعني بالضرورة القضاء عليهم وبالضرورة القضاء على مصدر رزقي؛ وإن كنت مسؤولا حكوميا فيجب أن أتحمل مسؤوليتي أمام الشعب الذي وضع كل ثقته في لإخراجه من عنق الزجاجة وتحسين وضعيته وليس تفقيره والقضاء على كل آماله وأمانيه؛ أمال المغاربة في هذه اللحظة الصعبة، أن يظهر مجددا النبوغ المغربي في تجاوز الأزمات، فهل نرى ذلك في القريب العاجل؟

عبد الصمد ادنيدن

الوسوم ,

Related posts

Top