في وداع محمد السكتاوي

الكتابة هنا عن المناضل والخبير في قضايا حقوق الإنسان، محمد السكتاوي، الذي شيع جثمانه أول أمس السبت بالرباط، تفرضها مكانة الرجل وسيرته النضالية والإنسانية.
الراحل محمد السكتاوي كان موقعه خاصا ضمن حركة حقوق الإنسان ببلادنا، وحظي دائما بتقدير واحترام كل مكوناتها الجمعوية بدون استثناء.
هو الذي وضع اللبنات الأولى لفرع منظمة العفو الدولية «أمنيستي» بالمغرب، ثم ترأسه واقترنت صورته بصورته، ونجح في تجاوز كل الصعاب والضغوط والمآزق.
ناضل من قبل في هيئات سياسية (الاتحاد الوطني والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حزب الطليعة)، وفي نقابة التعليم بالكونفدرالية الديموقراطية للشغل، وفي جمعيات وطنية لحقوق الإنسان، وفي التضامن الجامعي المغربي، وفي كل هذه الواجهات كان يجاور القادة الكبار، ويساهم في صنع المواقف والقرارات والمبادرات النضالية.
لم يكن يتردد في التعبير عن مواقفه بالوضوح والحزم اللازمين، متى اقتنع بأن ذلك هو الأنسب والأسلم في كل مرحلة نضالية.
لم يتنازل السكتاوي عن قناعاته الديموقراطية التقدمية، ولم يساوم في المبادئ، ودافع دائما عن آرائه بصرامة وصمود، وأدى ضريبة ذلك حرمانا من الحرية لسنوات إلى جانب قادة تقدميين كبار، ورغم ذلك بقي حاضرا في ساحة النضال من أجل الديموقراطية والحريات والمساواة والعدالة الاجتماعية، واختار الواجهة الحقوقية لذلك، وكان صوتا متفردا ومسموعا في حركة النضال الوطني من أجل حقوق الإنسان.
يعرفه الحقوقيون المغاربة أنه يجيد إدارة مسلسلات التشبيك والعمل المشترك، ومبدع في رسم البدائل وفي صياغة المخارج والحلول لكل المآزق، وفي إعداد التوافقات بكثير من النبل والود.
السكتاوي نجح في الجمع بين الحضور النضالي الميداني والكفاءة التنظيمية والتدبيرية، وأيضا الخبرة والمعرفة الحقوقيتين، وصار واحدا من الخبراء الحقوقيين عبر العالم، ويحظى بالتقدير والعرفان خارج المغرب وداخله، وساهم بمعارفه وخبراته في العديد من المنتديات بدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكان أحد الأطر الكبيرة لأمنيستي أنترناشيونال عبر العالم.
من عمل إلى جانب السكتاوي يعرف إخلاصه لقضايا حقوق الإنسان ونزاهته، وإصراره الدائم على التمسك بـ»سحنة» تميزه ورفاقه عن سواهم.
ومن عمل معه أيضا يشهد بأنه كان دائما سندا قويا للشباب والمنخرطين الجدد، ويدفع بهم لتولي المسؤوليات حتى لما يخشى الآخرون ذلك، ويبقى إلى جانبهم مؤطرا ومتابعا وناصحا، وهذا ما أدى لبروز عدد من القياديين وأطر جمعيات حقوق الإنسان في فرع أمنيستي وحواليه في الحقل الحقوقي المغربي.
شخصية سي محمد السكتاوي لم تكن مسكونة بمعجم المزايدات أو رفع سقوف الكلام، ولكن تميزه كان يكمن في اقتران صرامة التمسك بالمبادئ بالسعي إلى إعمال التوافقات الضرورية وتحقيق المكتسبات بالتدريج والتشبث الدائم بالتفاؤل.
لم يكن السكتاوي أبدًا ينسى حبه لوطنه، وسعيه لتطوير مساراته الديموقراطية والمساعدة من أجل ذلك، وبقدر ما كان مناضلا من أجل كونية حقوق الإنسان وأمميتها فهو كان كذلك، وأساسا، يحاول الدفع بالتجربة الوطنية المــــــغربية إلى الأمام، ويتمسك بواقعية خاصة به تميزه، ويفهم السياقات وموازين القوى، ويحاول إبداع المقاربات والصيغ للسير قدما.
لكل ما سبق، يعتبر رحيل محمد السكتاوي خسارة لنا جميعا، وفقدنا فيه عقلانية النظر والتقدير، والموقف الصادر عن معرفة وخبرة، والحرص الوطني المقترن بأفق أممي.
وفي آخر سنوات عمره، قدم لنا السكتاوي شخصيته شاعرا رقيقا حمل بهاء وألفة بني خلاد وتغنى بها في كل الأماكن والمنابر، واكتشفنا كلنا أن ثقل الرجل وتميز شخصيته في السياسة والنقابة والنضال الحقوقي كان مصدره… الشعر.
نم قرير العين صديقي وأستاذي ومعلمي، لقد كنت في كل مجالات نضالك شاعرا، وهنا سر كل الأشياء الأخرى التي يعرفها محبوك.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Top