نافذة على الثبات والنضال.. رسالة على إثر صدور كتاب “إسماعيل العلوي.. نبل السياسة – مسيرة حياة”

القراءة متعة، انتشاء وطاقة روحية وحرية. فبعد قراءة كتاب “إسماعيل العلوي.. نبل السياسة – مسيرة حياة” حملت تأثيره في قلبي، حيث لا نخرج من أي كتاب مثلما دخلناه “أن تحمل كتابا في جيبك أو حقيبتك، خاصة في أوقات الحزن، معناه أنك تمتلك عالما آخر، عالما يمكن أن يجلب لك السعادة”، كما تختصر هذه المقولة الجميلة لأورهان باموق (كاتب تركي حائز على جائزة نوبل).

عاش معي الكتاب فترة من الأيام وعشت مع أحداثه المشوقة من مسار سياسي -مفعم بالتحديات والمواقف الشجاعة مع الاعتناء الكبير بالتفاصيل التاريخية – ساعات من السعادة أبهجت أوتار قلمي الذي سيطل على صفحاتي بصوت حبره.

فبعد معركة مع أفكاري عند إنهاء قراءة الكتاب، انتابتني نوبات صمت غريب. أكيد الصمت ليس هزيمة وليس عنوان غياب الكلمات بل قد يكون عنوان حضوره. هنا أستطيع أن أتخيل الصمت كشجرة وارفة الأغصان حيث سأجد غصن الصمت الناطق الذي هو صمت الذاكرة، حين فجأة تبوح الذاكرة بما عشته شخصيا في مساري الحزبي عندما كان السيد إسماعيل العلوي أمينا عاما لحزب التقدم والاشتراكية. حيث كنا دائما نرى فيه المناضل الذي يحمل مشعل النضال في محيطه، ويتمسك بالمبادئ والقيم المنبثقة من قناعاته ومعتقداته، ويجاهد في سبيل تبليغها وتثبيتها في مجتمع لم يعد رافدا من روافد اكتساب القيم السياسية التي صارت تخجل من نبل السياسيين الوطنيين والغيورين عن مصلحة البلاد. لطالما كان من رجالات الدولة النزهاء والشرفاء الذين قادوا معارك اجتماعية بكل تفان ونكران الذات.

الأستاذ إسماعيل العلوي جسد الشجاعة والجرأة السياسية في كل تجلياتها حيث ظل المناضل الذي لا يخشى على نفسه من شيء سوى تحمله مسؤولية تمثيل شريحة واسعة ويبدي استعدادا كبيرا لتحمل الصدمات من الآخرين، لكنه أبدا لا يتوقف عن أداء واجبه تجاه الرفيقات والرفاق المناضلين، الفرد والمجتمع، وذلك لأنه كان دائما يؤمن أن العمل السياسي عبادة من العبادات التي يتقرب بها المناضل إلى ربه.

ما يميز الأستاذ إسماعيل العلوي هو شخصيته كفاعل سياسي ومثقف ملتزم نظرا لارتباطه بالعمل الثقافي والفكري والجمعوي. وحرصه على ضرورة التأهيل الشامل للحياة السياسية في إطار تعاقد سياسي جديد هادف في عمقه للوصول إلى بلورة أرضية سياسية تقدمية حداثية جديدة عقلانية تحت شعار الأولوية للمصلحة العليا للوطن ووحدته وثوابته، حاملة باستمرار رهان تمكين المواطن من ملامسة وقع السياسات التنموية.

الأستاذ إسماعيل العلوي كاريزما سياسية، أبوة في النضال، راع ومسؤول عن رعيته، بصمة الاتزان والرزانة، يتقن التحليل السياسي والرؤية الأفقية السياسية مع صناعة الحدث السياسي من خلال التعبير عن نفس جديد بخطاب سياسي وسيادي متجدد، ومقنع للجماهير بمضمونه وآلياته التنفيذية ومستويات وقعه التنموية.

 معه تعلمنا أي حزب نريد؟ ومع من سنشتغل؟ أي برامج اجتماعية تخدم المواطن؟ لأننا نؤمن أن المجتمع الذي نريده نعرف من أين أتى؟ وإلى أين يسير؟

في تدبير الشأن السياسي وحتى الشأن الحزبي، والتاريخ شاهد على ما أقوله وحتى التنظيم شاهد على ذلك، كان الحزب يعج بكفاءات مناضلة وببرامج واقعية من أجل جيل جديد من الإصلاحات يجسد نخبا حزبية جديدة وشابة، بمقدورها حمل المشروع المجتمعي الطموح، المتمثل في بناء مغرب ديمقراطي حداثي ومتقدم، قائم على الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة.

وبما أن جذوري جبلية من إقليم تاونات دائما أستحضر تضحيتكم النضالية عندما قدمتم ترشيحكم مكان المناضل الفذ والغيور أيقونة التمرد على الاستبداد الأستاذ الرفيق مسعودي العياشي. وهذا ما يؤكد أن الإنسان لا يملك إلا أن يناضل، حتى قيل: “من تخلى عن النضال تخلى عن إنسانيته، ومن تخلى عن إنسانيته لم يستحق الحياة”.

إيمان الأستاذ إسماعيل العلوي بالهوية الحقوقية للمجتمع المدني وبمركزية وظيفته في التنمية الديموقراطية، وتحرير وتمكين المواطنة المغربية دليل على تأطير أوسع حوار اجتماعي وأشمل نقاش عمومي وأعمق تشاور مدني في سنة 2013، من أجل بلورة أوسع توافق ممكن بين الجمعيات وفعاليات المجتمع المدني، ومع الحكومة والبرلمان من أجل الإعمال التشريعي والمؤسساتي للأحكام الدستورية للديموقراطية التشاركية ولحريات ومسؤوليات المجتمع المدني وأدواره في السياسات العمومية محليا ووطنيا..

لو استطاعت موائد الحوار أن تبوح بكامل أسرارها لضجت من الصراخ بما ناديتم به حول التأطير والارتقاء بالعمل المدني لتحصين الديمقراطية وتمكين المغرب من أذرع جمعوية قوية قادرة على التتبع والتقييم ومحاسبة السياسات العمومية.

كل ما قدمتموه من مشاريع تنموية لفك العزلة بالمناطق القروية المنجزة من طرف جمعية تنمية مناطق الأرياف هي تتويجا لجهدكم، لتفانيكم، ولتقديركم الكبير بتقاسم هموم المواطنات والمواطنين في الجبال والقرى قصد رفع تحديات التنمية الترابية وتحقيق العدالة المجالية.

ختاما أتمنى لكم أستاذ إسماعيل العلوي ولكل مناضلي الأحزاب المكافحين النصر والتوفيق متمنية توريث التراكمات السياسية والثقافية للأجيال الصاعدة بمنطق يتيح لهم التمكن من تطوير مناهجهم ومعارفهم في مجال ربط خدمة الذات بخدمة الوطن ومستقبله بين رفاق الأمس ورفاق اليوم.

بقلم: حسناء شهابي

كاتبة وروائية

Top