يبدأ اليوم عام جديد نكمل خلاله الربع الأول من القرن الحالي، وتنتشر القراءات التحليلية والتقييمات واستعراض ما أنجز وما لم ينجز خلال السنة التي انقضت، وتجمع كل شعوب الأرض على أملها وتطلعها إلى عالم خال من الحروب والنزاعات والتوترات والأزمات، وإلى حياة يعمها السلام والأمن والاستقرار والحرية والديموقراطية والتنمية والتقدم.
في بلادنا، لا ينكر أحد ما تحقق من منجزات ونجاحات، خصوصا لفائدة قضية وحدتنا الترابية بفضل جهود وتوجيهات جلالة الملك، كما لا يمكن إغفال بعض الإجراءات الحكومية الإيجابية، ولو أنها جزئية وانتقائية ومحدودة الأثر، لكن شعبنا يستمر في المعاناة بسبب كثير اختلالات على صلة بحياته اليومية وقدرته الشرائية وأوضاعه المعيشية، ونتيجة تفاقم الغلاء، وأيضا جراء الوضع العام لعدد من القطاعات: التعليم، الصحة، التشغيل، السكن، وكل هذا نجم عنه تفشي حالة القلق وسط فئات واسعة من شعبنا، والكثيرون اليوم يخافون من المستقبل.
في بلادنا، وحدها الحكومة ترى أوضاعنا بألوان وردية وتعتبر أن كل شيء على ما يرام، رغم أنها لم تقنع أحدًا بذلك، ولا أحد يرى ما تراه.
لدينا اليوم أول حكومة تتورط من رأسها إلى قدميها في تضارب المصالح والهيمنة على السلطة والمال معا، ولا تخجل من الاعتراف بذلك أمام البرلمان، وتصر على «تخراج لعينين».
لدينا حكومة لا تستطيع الخروج عند المغاربة والتواصل المباشر معهم وإقناعهم بما تفعله، وحتى لما كلفها جلالة الملك بالتواصل مع الرأي العام الوطني حول إصلاح مدونة الأسرة، وجدت نفسها عارية بلا معرفة أو قدرة أو مصداقية، ونفس العجز حدث تجاه كل المشكلات التي عانى منها شعبنا (إضراب التعليم، أزمة طلبة كليات الطب، الغلاء، ارتفاع أسعار المحروقات، أزمات وتراجعات برامج الدعم)….
لدينا حكومة لا تنصت للمعارضة في البرلمان أو في المشهد السياسي العام، ولا تتفاعل مع الصحافة الوطنية إلا إذا كانت من ضمن المؤيدين والمطبلين، ولا تفهم الحوار إلا مع ذاتها أو مع الحواريين.
وحتى لما تتوالى فضائح لوبيات الفساد والريع التي تحلقت حولها، ويزج بالعديد من أباطرتها في السجن، فهي أيضا لا تشرح للناس ماذا وقع ولماذا، وتدس رأسها في أسفل سافلين.
ولما يتمعن المغاربة في كل هذا الذي يلفهم ويجري حواليهم وأمام أنظار الكل، يخافون من الغد، ويتساءلون بقلق: إلى أين تسير هذه الحكومة ببلادنا؟ وكيف سنواجه المطروح على المملكة من تحديات في سياق عالمي وإقليمي متقلب ومضطرب وصعب؟
وحتى لما تقدم هذه الحكومة على اتخاذ بعض التدابير القليلة فهي تكون على المقاس وبلا أثر كبير على معظم شعبنا، كما أنها تصم آذانها على كل الاقتراحات والرؤى الصادرة عن قوى مختلفة معها، وتصر على تسيير انفرادي ومتغول يعتمد على هيمنة عددية في البرلمان والجماعات ومجالس الجهات.
لم تقرأ الحكومة تنصيص الدستور وتوجيهات جلالة الملك على المقاربة التشاركية ولم تستوعب مدلولها ومعناها، وبقيت تدير ظهرها لكامل الطيف السياسي والنقابي والحقوقي والمجتمعي والإعلامي بلا أي مبالاة بما يصدر عنه.
وحتى الفاعلون الاقتصاديون وقوى المال والأعمال يوجهون، بدورهم، انتقادات ولا يخفون قلقهم وامتعاضهم من عديد ممارسات احتكارية وهيمنية أو من الضغوط المختلفة وتجليات تنازع المصالح المتورطة فيه الحكومة ورئيسها.
وعندما نربط هذا القلق الواسع، وهذا الخوف من الغد، بتفشي البطالة واعتراف مؤسسات رسمية وطنية بذلك، وتفاقم اختلالات ورش التغطية الصحية، والغلاء الفاحش في الأسعار، فإنه فعلا يجدر بنا أن نخاف على بلادنا وعلى مستقبلها.
الحكومة التي تبدأ العام ما قبل الأخير لولايتها نسيت حتى وعودها الانتخابية ولم تعد تذكرها، ونسيت أنها دعت المغاربة إلى رميها بالحجارة إذا لم تتحقق تلك الوعود، وصارت مكونات الحكومة منشغلة، منذ مدة، بالحروب الداخلية في أحزابها، وبالمناورات الصبيانية فيما بينها، وبالجري نحو هيمنة جديدة في الانتخابات المقبلة، ولم تعد تبالي بالفضائح المقترفة اليوم من لدنها، وهي التي تتناقلها كل مجالس الحديث وتروي قصصها بشكل يومي.
نتمنى لبلادنا وشعبنا عاما جديدا تتحقق فيه كل الأمنيات بالاستقرار والوحدة والتقدم والرفاه، ولكل الشعوب السلم والأمان والاستقرار والحرية والديموقراطية والتقدم.
<محتات الرقاص