فصول تلو فصول، فيها تشيخ ضفائر الخريف
ويسقط كل زهر الرمان، تعتق الشرفات مطر تشرين
وعلى ساق حورة تتماهى حروف القصيدة ..
وأغدو أنا امرأة حكاياتي فيها الخريف سيد الفصول ..
وعلى بعد عقدين من حنين، كانت تلك الملامح تعانق أنفاس الجدران ..
رائحة الطين تخالط عطر ياقاتهم، وهمس الريح يلتصق بزجاج النوافذ ..
وحده وجهي كان كل الحضور، ووحده صوتي استحوذ على كل النبرات، وتتوالى الفصول ..
فأدركتُ بعد الكثير من التدقيق والإمعان أني أفنيت نفسي في غمرة التفاصيل التي لم ينتبه لها أحد غيري ..
أهلكت عقلي بصخب أفكار لم تخطر على بال أحد سواي ..
وأقحمت قلبي في مشاعر لم تكن تمت له بصلة ..
ووضعتُ على عاتقي أحمال لا تعنيني ..
أدركت أني مشكلتي وليس العالم من حولي ..
استوعبت أن الصفعة الملحة التي أرغب في أن أوجهها للحياة.. أنا أكثر من يستحقها هناك حيث كانت ملامح وجهي هي كل التفاصيل..
ترقد أريكة ألجمها صمت فوق معصمها تتدلى سبحة
وعلى جيدها تنسكب زجاجة عطر عتيقة…
وما فتئت تضع كفها على خدها ..
وبالقرب من مقبض الباب أقف أنا ..
ياه كم كبرت ..
ألهذا الحد يغتالنا الغياب؟!!
دائماً ما أضَع جميع النهايات داخل عقلي وقبل حدوثها .
لا أعلم كيف ذات شرود يستلفك الحنين فتغدو نورساً
أو صغير سنونو فتنقر على ذاك الشباك متحججاً بكسرة خبز ترجوه أن يسرق من جعبة الأيام همساً دافئاً ..
أو أن يلملم لك من أركان الغرف المنسية ضحكات مترامية
هنا وهناك..
ترى لماذا تصبح الروح أحياناً كقرية مهجورة؟!
ولماذا كلما نضجت القصائد تسترق النظر إلى تلك الشرفة؟!
ألهذا الحد يعذبنا الهجر؟!
ولهذا الحد تغادر الروح الأسرة لتستلقي على الأعتاب؟!
ولماذا كلما تمايلت السروة تتراقص أبيات قصيدتي
وكلما نادت تلك اليمامة قبيل الصبح.. حسبت أني أفقت من ذاك الحلم ..
فأشرع لقلبي ستائر اللهفة..
وألقم قصيدي بيتين..
وأقول للعمر تمهل فما زالت القوافي حبلى..
وما زال النبض يلهو في روض الطفولة..
فمرحبا من وراء أجنحة الشمس، مرحبا في عالم لا يشبهني لكنني متورطة فيه، مرحبا في حياة تتسع للحب واللهو، حياة تقطف النجوم من سماء بعيدة
مرحبا في ذاكرة لحن شارد وقلب عائد من مدن الحب،
في بيت شعر يكسر رتابة قصيدة
في غياهب تشيع الأوهام أحلاما أكيدة
في دنيا تمنحنا فرصة المحاولة لأكثر من مرة داخل عواصم لا تتسع إلا لليل والأعين المفتوحة
مرحبا في اللحظات الأكثر قسوة حين تشعر أنك بحاجة لأحدهم فتجد نفسك محاصرا بين أروقة الوحشة و الأسئلة الغريبة، حين يكون التقدم مجهدا والتّأني كفيفاً والرجوع مستحيلاً
متوجسة لحظات الانطفاء والحيرة والمسافات الراكدة الطويلة، أسهو في تعبٍ وأركض داخل مراتع التيه وأطفو ع حواف مجاز فتلفظني سحابة بعيدة، متأهبة دائماً لاستقبال أشياء جديدة، متريثة بهذا القدر من اليقين بأن الحياة غير عادلة وأنّ الالتفات هكذا فجأة يكسر شيء بداخلك، شيء ليس من السهل إعادة ترميمه
..
في خضم هذا الشعور الذي يعتريني من حين لآخر تخطو أفكاري نحو فسحة ندية، فسحة منعشة بالحب بالأمل وبالأشياء الدافئة، مشاعر تشبه في رقتها ألوان فراشة جمالها ينير الدروب
ويضفي ع الروح موجة تلاحق فتنة اللحظة
أي إغراء هذا؟
كيف له أن يواجه اختياراتي، أن يبدي حقيقة خلافاتي، أن يحول غضبي إلى كلمات تتراقص في جوف الليل !
أُجابه لهفة الصيف الخجول وأقاوم سحر المجهول الذي ينتظرني، رغم كل المنغصات لا زلت حماقاتي تتمادى في بعثرة أيامي بين أمل ومستحيل ومعارك طاحنة، مرة أخرى أركض تجاه الحب حد الشغف حد التخفي أن يسمع ضجيج قلبي
مرات كثيرة أتعثر أمام نوبة مشاعري أتوجس فجيعة الأمس وأطرق باب الخوف، كانت قصة مريرة لا تعرف فيها الأحلام سبيل قصة لم تلتمس لقلبي السبعين عذرا
لم أكن أبدا تلك المرأة الناصعة بالصبر الهادئة أمام رياح الشوق كنتُ دائما أنسج الحروف ع كيد انتباهك المستمر لتفاصيل ضفيرتي، ابتسامتي، عقدة حاجبي حين تمارس الكذب أمام نظراتي البريئة
….
أعرف أن الزمن يركض سريعا حتى قطار الحياة لا ينتظر من تتعثر به الأيام، حين أصرخ لا أحد هناك يسمعني لم أكن يوما بعيدة ولا حتى قريبة كنت أقف بما يكفي حتى أشاهد والأيام تعبر دوني، مرات عديدة وقفت لكن لم يراني لأنها كانت تعير اِنتباهها إلى أشياء أخرى، لوحت لكن لم تلتفت كالعادة ألا إنها النور الوحيد الذي أضاء عتمة روحي
ما أحوجني لمن يفهمني دون شرح دون الحاجة لكتابة رسالة أو نص، لمن يتحمل تقلبات مزاجي دون تذمر، لمن يعيد لي نسختي القديمة، لمن يشعرني بالدفء حين ترتجف أضلعي من صقيع الوحدة، لمن يحتويني ويقرأ لغة الصمت حين تحاصرني مشاعري، أحتاج لمن يعثر علي داخل متاهات روحي لمن يقابلني بابتسامة بكلمة سخية تجمع شتاتي لمن ينقذني من شرودي من حين لآخر، لمن يتدارك غضبي قبل فواته.
صدقوني لا شعور أقسى يعدل شعور الترقب والانتظار، شعور يرسل لك موجات اضطراب يفتح ألف باب للخذلان والمواجع لربما كانت هذه هي الحقيقة.. لكنني أكابر دوما عن التسليم بالأمر، منعطفات سحقية تجرني نحو الانهيار لكن محاولاتي المستميتة في الصمود مستمرة..
“نحن لا نشبه أنفسنا في كل الظروف، فـكل واحد منا هو أشخاص مختلفون في ظروف مختلفة”
هند بومديان