تعديلات مدونة الأسرة… وللصحافة أيضا دورها..

حظيت التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة، في المجمل، بتلق إيجابي لدى معظم الأوساط الحزبية والجمعوية، واعتبرت خطوة مهمة في طريق تحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية والإنصاف للمرأة المـغربية، وفي نفس الوقت سجلت القوى التقدمية والحركة النسائية والحقوقية عددا من التحفظات بشأن عدد من المواد، أو بالنسبة لمطالب أخرى لم تتحقق، ودعت إلى استمرار النقاش، وأيضا الى تواصل النضال لتحقيقها.
لكن ما أثار الانتباه أكثر هذه الأيام هو الضعف الكبير الذي ميز تلقي تعديلات مدونة الأسرة ومناقشتها عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتفشي الكثير من السطحية والابتذال، وسيطرة السخرية والتخويف من هذه التعديلات بلا مبررات مقنعة أو حتى فهم سليم.
وهنا يبرز سؤال عميق وخطير: لماذا انحدر نقاشنا العمومي إلى هذا الدرك السحيق؟ ولماذا ضعف فهم شبابنا الى هذه الدرجة؟ ولماذا كل هذا العمى في النظر إلى الواقع ومشكلاته المجتمعية، وفي التمسك بالطموح والتطلع للمستقبل والاندماج في مقومات العالم المعاصر؟
في زمن سابق، كانت الصحافة الوطنية منصة حاضنة للنقاشات المجتمعية الكبرى وصانعة للاتفاقات الوطنية الأساسية وملهمة للأفكار والسياسات، لكن في السنوات الأخيرة تعددت ممارسات و» مناورات» جهات معروفة لصنع»صحافة» أخرى تنتصر للسطحية والاستسهال والابتذال، وتقوم على التشهير بكل تلاوينه، وعلى القذف واستهداف الأعراض، وعلى تخويف المخالفين وإبعادهم…
وهذه «الصحافة» المدّعاة أغدقت عليها الأموال والمنافع، وتفشت تفاهتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها بقيت بلا عمق أو فكر أو قيم أو وضوح نظر، وفرخت لنا جيلا من التابعين لها والمنبهرين بالتفرج على أعراض الناس، وعلى عاهات المجتمع، وطالما نبه الكثيرون إلى خطورة هذا المنحى على مجتمعنا، وعلى الوعي العام وسط شعبنا وشبابنا.
ولما طرحت أمامنا اليوم قضية مجتمعية جوهرية تتطلب الشرح والتفسير والتوعية والتعبئة، لم يظهر أثر لهذه» الصحافة» المصطنعة»، والتي جرى خلقها واحتضانها في البيوت المظلمة، وظهر أن المجتمع لا يعنيها، وأن مستقبل البلاد لا يهمها، أو أنها لا تستطيع لكل ذلك سبيلا.
وحدها الصحافة الوطنية ذات المصداقية ووضوح النظر الفكري هي التي تولت صياغة الموقف والدفاع عنه، وصمدت في بلورة المعنى وإشعاعه، لكنها تواجه، في نفس الوقت، صحافة الابتذال والتسطيح.
في عوالم التواصل الاجتماعي شاهدنا الكثير من السخرية والتهكم على إصلاح مجتمعي مطلوب وأساسي، وشاهدنا الكثير من غياب الفهم حتى للمساطر والإجراءات والصلاحيات، وشاهدنا من استدل ببلاغات شاردة لبعض»فقهاء» اللايفات، أو لبعض المتدينين من جغرافيات أخرى بعيدة عن المغرب، وشاهدنا الكثير من التناقض، والكثير من العقد والبلادة، لكن الجهات التي تولت، طيلة السنوات الأخيرة،» تعليف» صحافة على مقاساتها، بقيت صامتة ومستقيلة، ولم تقل لنا أين هي «صحافتها الكبرى»والقوية لتحضر في الميدان انتصارا للمغرب الذي تضع معالمه إصلاحات مدونة الأسرة.
ماذا استفاد المغرب إذن من كل ما صرفتموه أنتم، أيها السادة، على حوارييكم ليكونوا هم الصحافة البديلة في مغرب اليوم؟ هل تقدرون على تقديم الحساب بهذا الشأن؟ وهل تدركون أن الذي يقع اليوم هو مقدمة لما ستعانيه بلادنا اذا نجحتم في باقي المخططات الإقصائية والتحكمية المتصلة بالصحافة الوطنية ومستقبلها؟
هل تستطيع» صحافتكم» الوقوف للدفاع بعمق ووعي ومعرفة عن القضايا الوطنية الكبرى للمغرب؟ وهل تستطيع تعبئة المجتمع والناس حول مصالح البلاد؟ وهل تستطيع التصدي لخصوم المملكة ومواجهة التضليل؟
النقاش المرتبط اليوم بإصلاح مدونة الأسرة يعطينا بداية أجوبة عن هذه الأسئلة الخطيرة.
لقد أصدر جلالة الملك المبادئ والتوجيهات والقواعد، وقام بدوره الدستوري والديني، ثم أصر على احترام باقي المؤسسات وترك لها مجال القيام بأدوارها عبر الحكومة والبرلمان، وحرصت اللجنة الملكية الخاصة على التشاور الواسع أثناء الإعداد، وبرز في كامل المسار أننا بصدد أسئلة ومشكلات حقيقية يطرحها واقعنا الوطني والمجتمعي هنا والآن، ويجب أن نجد لها أجوبة وحلول من دون تبعية أو رجعية أو عمىً، لكن لما صارت هذه القضايا موضوع حوار مجتمعي واسع، وتقتضي الشرح والتفسير للناس، اختفت» صحافتكم» أيها السادة، وبدت عارية من أي قدرة أو مصداقية أو فهم، والأخطر أنها انشغلت، في نفس الفترة، بمواضيع تافهة تركز على الأشخاص وسيرهم وعاهاتهم، وجرت الناس إلى غير الجدي من الكلام.
المغرب يستحق صحافة أكثر جدية وأكثر أخلاقية وأكثر مهنية، والبداية يجب أن تكون من المكلفين بتدبير شؤون القطاع، ومن الذين يصنعون المخططات و… المناورات، والذين يمعنون في تشجيع التفاهة والتدني، ومحاربة الجدية والمصداقية.
يجب أن يخجلوا اليوم من نتائج صنيعهم هذا؟ يجب أن يوضحوا للبلاد أين هي» الصحافة» التي أغدقوا عليها الريع؟ يجب أن يقدموا الحساب عن كامل هذا اللعب الذي تواصل لسنوات؟

محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Top