أخطاء ثابتة وتصعيد مقصود

لم يخل أي موسم من المواسم من احتجاجات حول التحكيم بجل الأقسام، إلى درجة تحول الأمر إلى لازمة، بل وصل إلى حدود الأزمة الحقيقية التي لا يمكن إخفاء تأثيراتها وانعكاساتها، وما يترتب عن ذلك من أجواء غير صحية…

في ظل هذه الأجواء غير السليمة، أصبح أغلب المتدخلين يجعلون من موضوع التحكيم، مطية للوصول إلى أهداف خاصة، ومنصة لتصدير الأزمات الداخلية، والدفع في اتجاه أن هذا الفريق أو ذاك، مستهدف، وأن هناك مخططا يحاك في الخفاء، لتفضيل فريق معين.

المؤكد أن أخطاء الحكام غالبا ما تكون عفوية وتعود لقلة التجربة؛ إلا أن هناك حالات صارخة، تجعل المتتبع يطرح أكثر من علامة استفهام حقيقية، خصوصا عندما يصبح التكرار مثيرا للاستغراب، إلى درجة التذمر، والرفض المطلق.

فالتصور العام الطاغي على الساحة، أن موضوع قضاة الملاعب، تحول إلى موضوع مزايدة، تجاوز الإطار الرياضي الصرف، ليصل إلى مجالات النفوذ واختبار القوة، بين مجموعة من المتدخلين والفاعلين، حيث تشهد الساحة نوعا من التعبئة، وحشد الدعم، وكأننا أمام حرب حقيقية، شعارها البقاء للأقوى، ولا مجال فيها للضعيف أو المتقاعس.

صحيح أن هناك احتجاجات من طرف العديد من الأندية،  وهناك أيضا بلاغات تسير في نفس الاتجاه، وهناك بالفعل أخطاء غير مقبولة، تحدث حتى بحضور تقنية حكم الفيديو المساعد، وهذا أمر غير مقبول تماما.

إنه بالفعل تصعيد واختبار قوة، تغذيه حرب بلاغات وتراشقات، تتجاوز كالعادة الإطار الرياضي، لتتحول إلى إساءة للأشخاص فرادى وجماعات، دون أدنى شعور بالمسؤولية، وكأن من يصعد أو يبالغ، هو الأكثر غيرة وحبا ووفاء.

والغريب أن بعض الصحفيين الرياضيين -سامحهم الله- وعوض أن يأخذوا مسافة من هذا الصراع، ويختاروا الحياد الإيجابي، انخرطوا سواء عن قصد أو دونه، وسط هذا الصراع المحموم، بل هناك من ينطلق من خيار الولاء لهذه الجهة أو تلك، ليعبر علانية عن موقف يسير في اتجاه ما يريده، إما لفائدة هذا الطرف أو ذاك، بل تصل في بعض الحالات، إلى ضرب لشرف المهنة، وعدم احترام ميثاق الشرف.

هناك بالفعل أخطاء غير مقبولة، خصوصا في زمن “الفار”، أخطاء استفادت منها أغلب الفرق، وهناك من تأثر أيضا، لكن أن يتحول المجال إلى ساحة لتصفية الحسابات، وحرب نفوذ، وطريقة لتحويل الأنظار عن المشاكل الحقيقية، فهذا المنحى غير الإيجابي، هو ما تقتضي المصلحة العامة رفضه، وعدم السماح باستمراره، لما له من تداعيات وتأثير سلبي، خاصة على الحكام.

إنه إشكال حقيقي، يتزايد حجمه حتى في زمن “الفار”، التقنية التي كان من المفروض أن تنقص من حرب البلاغات وكثرة الاحتجاجات لدى الأندية، وما يتفرع عنها من منتسبين، يغلب على سلوكهم، ردود أفعال ذات طابع تصعيدي والمزايدة مجانية، بل وحتى الإساءة.

الواقع يقر بوجود أخطاء فادحة، والتصعيد بالمقابل أصبح واقعا مألوفا، ومسؤولية الجامعة ولجانها ومديرياتها قائمة، والإصلاح أصبح مطلبا ملحا أكثر من أي وقت مضى، وأي تدخل من طرف المسؤولين عن هذا القطاع الحيوي، لابد وأن يعالج، لا أن يبرر حدوث أخطاء تؤكدها العين المجردة، دون الحاجة إلى اعتماد تقنية الفيديو…

محمد الروحلي

Top