صادق الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بالإجماع، خلال المؤتمر الافتراضي، المنعقد زوال أول أمس الأربعاء، على منح شرف تنظيم دورة 2030 من كأس العالم لكرة القدم، للملف المشترك بين المغرب وإسبانيا والبرتغال، كما منح نفس الشرف للمملكة العربية السعودية في دورة 2034.
والواقع أن المصادقة على الملف الثلاثي، كانت مجرد مسألة وقت فقط، بالنظر للمراحل الناجحة التي قطعها، منذ الإعلان الرسمي، عن قبول هذا التكتل الثلاثي غير المسبوق في تاريخ التظاهرات العالمية الكبرى.
إنه بالفعل تشريف وإنصاف للمغرب، كبلد طموح طارد هذا الحلم المشروع، منذ عدة عقود، آمن بحقه في الاستضافة، وكان في أكثر من مرة قريبا للوصول إلى تحقيق مبتغاه، إلا أن قوة الخصوم من جهة، ولعبة الكواليس، وما يحيط من دسائس ومؤامرات، شكل حاجزا أمام إمكانية تحقيق هدف، يختزل في شعاره أبعادا مختلفة أساسها الإنصاف، والحق في جعل التظاهرات الدولية الكبرى، رافعة للتنمية المستدامة.
وتؤكد كل المعطيات والدلائل، أن المغرب لعب دورا محوريا في جعل جهاز (الفيفا) يبدي منذ البداية، قناعة راسخة بأن الملف بأياد أمينة، وقوة إشرافية ضامنة وحريصة ونيرة، جعلت الترشيح المشترك يمر بكثير من السلاسة عبر مختلف المراحل، ولعل في قيمة تنقيط لجنة التقنية، خير دليل على قوة الملف، ومصداقية مشاريعه.
هناك تواريخ كانت أساسية في هذا المسار الناجح، فيوم 14 أبريل من سنة 2023، أعلن جلالة الملك محمد السادس من كيغالي بمناسبة تتويج جلالته بجائزة التميز الإفريقي، عن تقدم الدول الثلاث بترشيح مشترك، وجاء يوم 4 أكتوبر من نفس الشهر، ليعلن جلالة الملك، عن قبول هذا الترشيح من طرف الاتحاد الدولي لكرة القدم.
وما يؤكد على هذا المسار، الثقة التي يحظى بها المغرب من لدن شركائه، والقبول التلقائي بلعبه دور القيادة، لهذا الملف المشترك بين 3 دول من قارتين مختلفتين، لكن بقواسم مشتركة، من حيث التاريخ والجوار بضفتي المتوسط…
وكما أكد على ذلك من خلال الرسالة التي وجهها جلالة الملك، لأسرة الكرة الإفريقية والعالمية مباشرة من العاصمة الرواندية، فإن الترشيح المشترك، يعد سابقة في تاريخ كرة القدم، وعنوان الربط بين إفريقيا وأوروبا، وبين شمال البحر الأبيض المتوسط وجنوبه، وبين القارة الإفريقية والعالم العربي والفضاء الأورومتوسطي، كما سيجسد، يضيف جلالة الملك، أسمى معاني الالتئام حول أفضل ما لدى هذا الجانب أو ذاك، وينتصب شاهدا على تضافر جهود العبقرية والإبداع وتكامل الخبرات والإمكانات…
وقد تجسدت هذه الخصوصيات، في شعار “يلا فاموس” (هيا بنا) تأكيدا للتكاثف بين الدول الثلاث، بين المغرب ببعده الإفريقي، وإسبانيا والبرتغال البلدين الأوربيين، الواقعتين بالجانب الشمالي الغربي من حوض البحر الأبيض المتوسط، مجسدا أبعادا تاريخية وجغرافية، وجوانب حضارية مشتركة بين شعوب المنطقة…
وكما أكد على ذلك أيضا، جياني إنفانتينو، فان ملف 2030 يتوافق بشكل وثيق مع شعار (فيفا) “كرة القدم توحد العالم”، لذلك سيكون أول مونديال كروي ينظم في قارتين، بل في ثلاث قارات، أخذا بعين الاعتبار الاحتفال الرمزي بالذكرى المئوية للبطولة، في الأوروغواي والأرجنتين وباراغواي بأمريكا الجنوبية.
والأكيد أن الرفع من عدد البلدان المشاركة بالأدوار النهائية إلى 48 منتخبا، فتح الباب أمام مثل هذا الترشيحات المشتركة، في إطار من التلاحم والتكامل والرؤية المتحدة…
وهذا ما يعكس قوة ملف 2030، إذ تقدم البلدان الثلاث 20 ملعبا، متواجدا في 17 مدينة، وسيقتصر التنافس على لقائي الافتتاح والنهائي بين ملعب (سانتياغو بيرنابيو) في العاصمة الإسبانية مدريد، والذي خضع مؤخرا لعملية تحديث شاملة، وملعب (كامب نو) في العاصمة الكاتالونية برشلونة الذي يخضع حاليا للتطوير، وملعب (الحسن الثاني) المستقبلي بمدينة الدار البيضاء.
ويتضمن العرض الثلاثي أيضا 94 موقعا مقترحا لإقامة معسكرات المنتخبات المشاركة وموقعين لإقامة معسكر الحكام و80 ملعبا، فيما سيقتصر التنافس بخصوص مركز البت الدولي على مدينتي الدار البيضاء ومدريد.
كما تضمن البلدان الثلاثة توفير أكثر من 30 ألف منشأة فندقية و500 ألف غرفة في المدن المرشحة للتنظيم، وغيرها من الجوانب الأساسية التي تعد ركيزة أساسية لتنظيم يستوفي من الآن كل الشروط، لتقديم مونديال استثنائي على مختلف المستويات…
إنه نجاح تاريخي، يفتح المغرب على آفاق مستقبلية واعدة، بكثير من التفاؤل والثقة، والإيمان بقدرات بلد التحدي والتلاحم، قمة وقاعدة.
>محمد الروحلي