شاركت الفنانة المغربية سومية الإدريسي العلمي الملقبة بـ “سوزان” في المعرض الدولي “النزعة الخطية” الذي نظمته الهيئة الوطنية للفنانين التشكيليين والفوتوغرافين بالتعاون مع مؤسسة محمد السادس للتربية والتكوين بفاس، وجمعية قدماء تلاميذ ثانوية مولاي إدريس، في إطار الاحتفالات بالذكرى التاسعة والستين لعيد الاستقلال المجيد والذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة، وذلك في الفترة الممتدة ما بين 26 نونبر الماضي و8 دجنبر الجاري، في رحاب مؤسسة محمد السادس للتربية والتكوين بمدينة فاس.
واختار المنظمون لهذا المعرض عنوان “النزعة الخطية”، وهو اسم يطلق على تيار فني جديد في عالم التشكيل المغربي والعربي، في إطار حركة فنية رأت النور على يدي الفنان التشكيلي والناقد الجمالي المغربي عفيف بناني في العام 2018. وقد اجتذبت هذه الحركة العديد من الفنانين التشكيليين ومن بينهم الفنانة سومية الإدريسي العلمي. وينهض أسلوب وتقنية اشتغال المنتسبين لهذه الحركة، حسب ما جاء في بلاغ لها، على “تمثيل عدد لا حصر له من الخطوط الصغيرة على اللوحة، في بلاغة بصرية تجمع بين التقنية والألوان، وتتمحور مواضيع الحركة حول إبراز التراث المغربي في كل تجلياته الفنية”.
الناقد الفني الفرنسي دانييل كوتورييه رفقة الفنانة سوزان
ما ميز هذا المعرض أنه جمع 21 تشكيليا من مدن مغربية متعددة، منهم 13 من مدينة فاس العريقة، إلى جانب فنانين تشكيليين من مدن مغربية أخرى ومن بعض الدول كاليابان وروسيا وكندا وفرنسا.. اجتمعوا كلهم في منتدى فني حاملين معهم ذائقتهم الفنية وخيالهم التصويري، لكنهم، يقول ذات البلاغ، “يتوحدون في تيمة جمالية عنوانها البارز، “النزعة الخطية” كمنزع جمالي فرض ذاته في عالم الجماليات”.. وبرزت، خلال هذا المعرض، تجربة متميزة وناضجة وفريدة من نوعها من خلال لوحة فريدة للفنانة المغربية سومية الإدريسي العلمي، التي لاقت استحسان الجمهور وأساسا نقاد الفن والمهتمين بالجماليات الذين واكبوا أشغال المعرض…
من هي سومية الإدريسي العلمي وما طبيعة اشتغالها؟
لعل المتتبع لتاريخ ومسيرة الفنانة التشكيلية المغربية سومية الإدريسي العلمي، سيلمس في العديد من أعمالها، ذلك التدرج الذي خضعت له إلى أن وضعت نفسها وتجربتها الصباغية في خانة واحدة أصبحت عنوانا بارزا لأسلوبها.. فمنذ البدايات الأولى لخوضها التجربة الفنية في التشكيل، مارست فن الشارع الذي عشقته وهي طفلة، ورسمت جداريات واحتكت بالهواء الطلق والفضاء العام، كما عشقت فن البوب أرت وتولينغ، وولجت هذه التجربة وأبحرت فيها حول العالم مطلعة على تجارب ومدارس واتجاهات عديدة لتختار بالتالي أسلوبها المتفرد في نطاق ما يندرج ضمن حركات الفن المعاصر.. فضلا عن تكوينها العلمي وخبرتها المهنية وشغفها بالقراءة والكتابة الأدبية..
تعيش الفنانة التشكيلية المغربية سومية الإدريسي العلمي الملقبة بـ “سوزان” بمدينة الدار البيضاء، مدينة الضجيج والتوتر والحركية الصاخبة، لكنها آثرت أن تعمل في صمت، داخل هذا الضجبج، في ورشتها منذ سنة 1999 وتنحث أسلوبها بهدوء. تعرض إبداعاتها الفنية على القماش وبتقنيات تنفرد بها الفنانة في عدة معارض داخل الوطن وخارجه.. فهي فنانة محترفة ومثقفة ومفكرة وباحثة.. تعمل في إبداعها الفني على مفردات بصرية تنهل من الثراث الوطني والإنساني بأسلوب خاص بها تطغى عليه لغة التصوف والروحانيات.. ولا غرابة في ذلك مادامت الفنانة سومية العلمي تنتمي لجبل العلم والعلماء حيث أن جدها هو القطب الرباني مولاي عبد السلام بن مشيش شيخ أبو الحسن الشاذلي دفين مصر رحمهما الله. تنهل منه ومن متونه مستعملة عدة مواد من أجل توظيف ما تعتقده في مجال التصميم والتكوين الإنشائي ضمن ما يجعلها في مقام الصناعيين والمصممين التجريبيين في العالم. فهي لم تدخر جهدا للوصول إلى قمم الجمال ولم تكتمل تجربتها الصباغية الإبداعية إلا من خلال الثقة في الذات والإصرار على العمل الجاد والحضور المتواصل، وهذا بدوره عجل من دورة تملكها للتقنية والصنعة في إطار من الخلق والإبداع والتجديد المستمر.. لذا نجدها تبني جسرا ممتدا للتواصل بسلاسة مع المتلقي الذي تستهويه أعمالها الفنية وتستقطبه لوحاتها التي تصبح، أثناء عرضها، قطب اجتذاب بصري عماده النسب والقياس في الاختيارات اللونية والخطية والضوئية وكامل العناصر الفنية الأخرى..
هذا النوع من التلقي الذي تسعى إليه الفنانة سومية الإدريسي العلمي، ما كان ليتحقق لولا قدرتها على الغوص في وجدان ونفسية هذا المتلقي بفضل اختياراتها الجمالية المبنية على مضامين وأفكار، وليس فقط أشكال، تلامس تاريخ وثراث وذاكرة واهتمامات هذا المتلقي النوعي المتذوق للفن والجمال..
ويعد هذا المنحى، الذي ما انفكت تمارسه الفنانة سوزان، دليلا ملموسا على أن الفنانة سومية العلمي شغوفة بالبحث والدراسة والحفر والتنقيب في الأشكال والمضامين، في التاريخ والثراث، في العلوم بمختلف أجناسها، في الفكر والفلسفة، بما في ذلك تاريخ الفن وفلسفة الفن..
ومن ثمة جاء اهتمامها بالمرأة وخاصة الإفريقية، وكذا بالنفس البشرية وما تتسم به من حب وكراهية، ومن هواجس الحياة والرغبة في الطمأنينة.. كما لم تغفل موروثها الحضاري التاريخي فاشتغلت أيضا على التراث الأمازيغي والأندلسيي. وقادها انشغالها بالإنسان، بشكل عام، والمرأة بشكل خاص، إلى الاجتهاد في توظيف تقنيات وطرائق جديدة وغير مستهلكة تعكس هذا المسعى الإنساني، كالتركيز على مجموعاتها الخطية واللونية والخاموية في ائتلاف كل عناصر المنتج الفني في اللوحة الواحدة شكلا ومضمونا..
ولا أدل على ذلك من شهادة الناقد الفني الفرنسي دانييل كوتورييه الذي قال إن الفنانة سوزان “انخرطت في الحركية الخطية الناشئة بحماس وعزيمة، والممثلة هنا (بالمعرض) بلوحة نموذجية ومصاغة بإتقان”.
وأضاف الناقد الفني في رسالة وجهها إلى سومية الإدريسي العلمي، وكتبها بخط يده على كاتالوغ المعرض، معلقا على لوحتها الفريدة: “ها هي لوحة نموذجية تجسد الحركية الخطية الناشئة بأبعادها، بحيث يصعب تحديد ما إذا كنا نراها من الأمام أو من الأعلى على نحو متكامل. برافو!”..
وثمن كوتورييه عمل الفنانة سوزان قائلا: “نادراً ما نصادف طاقة جديدة مدفوعة بهذا التيار الفني الجديد الذي ولد في المغرب: (الحركية الخطية). لقد استوعبت الفنانة روح هذا التيار وبعده البصري، ونجحت في تطبيقه على لوحتها الجديدة، التي تختلف بلا شك عن مجمل إنتاجها المتنوع في الأشكال والمواضيع”.
وختم كلمنه المخطوطة بالتأكيد أنها “الآن أصبحت لديها قاعدة جديدة للتعبير والإبداع، والمساهمة في نشر الحركية الخطية التي شاركت في ولادتها في فاس”…
هذا، وفي نهاية المطاف، نجد الفنانة سومية العلمي تترجم ما يعتمل في ذهنيتها وما يختمر في مخيلتها من أفكار وصور إلى حالة تجريدية وجمالية بشكل دقيق وبقياسات محسوبة.. وكأنها بصدد كتابة معلومة بالصورة واللون، إذ تعتبر أن اللوحة تحمل بالضرورة معلومة، لكنها بصرية وعلى المتلقي اكتشافها واستيعابها، واعتبارها وسيلة لتمثل وقراءة اللوحة / المعلومة البصرية من حيث تنوعها التعبيري الفني والوظيفي، في كل أبعادها النفسية والطبيعية والتاريخية، ولكن في علاقتها دائما بالحياة وبكينونة الإنسان ووجوده.
كتب: الحسين الشعبي