حينما تهمس الروح..

في عتمة الصمت حيث تضيع الأصوات، وحيث تسكن الأرواح التائهة بحثًا عن معنى أعمق للحياة، تولد الكلمات. ليست كلمات عابرة، بل همسات تعانق الروح وتفتح أبواب الفكر.

لنمضِ معًا في هذه الرحلة، حيث الروح تجد ملاذها، وحيث الكلمات تصبح طوق نجاة في بحر الوجود. فما الإنسان سوى رحلة عابرة في كونٍ لا نهائي، تتراقص فيه الأرواح بين الحلم والواقع، بين السؤال والجواب، وبين الحيرة واليقين.

هل حقًا نحتاج دائمًا إلى إجابات؟ أم أن جمال الحياة يكمن في أن نحيا الأسئلة بكل ما تحمله من غموض؟

هذا الشعور ليس مرشدًا يفرض طريقًا، ولا خارطة توجه خطواتك. إنه مرآة تحمل انعكاس روحك كما هي، بكل تناقضاتها وجمالها. إنه دعوة صامتة لتجلس مع نفسك، تنصت إلى تلك الهمسات التي غالبًا ما تضيع وسط ضجيج الحياة. هنا، لن تجد الحقائق المطلقة، بل أحاسيس ربما توقظ في داخلك بريق التساؤل، وربما تدلك على مسار جديد نحو عمقك. لأننا حينما نتأمل، نتوقف عن الهروب، نكتشف أننا لسنا غرباء عن هذا الكون، بل جزء من نبضه الأزلي.. في صمت الكون وداخل أعماق الذات، هناك أسرار تنتظر من يكتشفها.

هذه التكسرات ليست مجرد كلمات، بل هي رحلة تأمل تبحث عن الجمال المخفي وراء الصعاب. تأملات الروح هي دعوة لكل قلب، لكل روح، لتغوص في عمق الأسئلة التي تلامس الوجود. هنا حيث تتقاطع الأرواح مع أفكارها، وحيث يقف العقل في مواجهة ما هو أبعد من مرئيات الحياة. كل روح، مهما كانت رحلتها، تحمل في داخلها أسئلة لا تنتهي.

بين ظلال الضوء وظلام الليل، بين الضحك والدموع، هناك لحظات تأمل تعيد تشكيلنا.

هذه المشاعر هي دعوة للاستماع لصوت داخلي يتحدث في صمت، لمواصلة البحث عن الحقيقة التي تسكن أعماقنا. فليست كل الأماكن تُضَمّد شتاتنا، بعضها يزيدنا تشرذمًا. وأنا، المنسية بين فوضى العالم، أمشي على طرقات لا تعرفني، وأستند على قلوبٍ لا تسعني.

ليس كل من يبقى يحبنا، وليس كل من يرحل يخذلنا. القلوب كالأوطان: منها مَن يسكنها الأمان، ومنها مَن يعصف بك ويُسقِطك في مهاوي الضياع.

ليست كل الأمنيات قابلةً للحياة، بعضها يكتب لها أن تبقى نورا بعيدا لا يدرَك، شعلةً لا تنطفئ لكنها لا تدفئ. وأنا، ضائعة بين أطراف الحكاية، أبحث عن سطرٍ يعيد ترتيب حياتي. أجمع بين أطراف التناقضات، أعيش بين أقصى الضوء وأعمق الظلال، بين الجنون والحكمة، كراقص على حافة الوقت. أرفض أن أمشي في صفوف الساعة الرتيبة. أختار أن أكون نقطةً شاردة في خارطةٍ رسمتها الحياة بأيدٍ مرتجفة.

المكان هنا، والزمان هناك، وأنا عالقة بينهما، أتنفس الحقيقة بكل ألمها، أرتشف منها كأسا مرا، فأدرك أن التصالح مع الحياة لا يعني التوقف عن التيه، بل التعايش معه.

عالقون في تلك الزوايا التي نخفي فيها أوجاعنا بعيدا عن الأنظار. الحياة تعلمنا، لكن دروسها تأتي متأخرة، كإشارة ضوءٍ نلمحها ونحن في طريقٍ لا عودة فيه.

بقلم: هند بومديان

Top