ضريح مولاي علي الشريف قلب تافيلالت وأعرق المآثر

معالم وآثار من عمق المغرب

يزخر المغرب بتراث غني يعكس تعاقب الحضارات على أرضه، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. مآثره المتنوعة ومعالمه الفريدة تحكي قصص أمجاد وتاريخ حافل شكل ملامح مغرب اليوم.
في هذه الزاوية الرمضانية، تأخذكم بيان اليوم في رحلة عبر الزمن، نستكشف فيها معالم بارزة ومآثر متميزة، ليس فقط بجمالها وتفردها، بل أيضًا بما تحمله من دلالات تاريخية وثقافية. في كل حلقة، نسلط الضوء على جزء من الموروث المغربي الأصيل، بين عمران يعكس عبقرية البناء، وتقاليد تصوغ هوية الوطن، وصفحات من التاريخ صنعت أمجاد هذا البلد العريق.

دائما في حديثنا المتواصل عن المدينة التاريخية البهية سجلماسة، لا بد أن نتحدث عن ما تركته من إرث ثقافي وحضاري وروحي على منطقة تافيلالت بأكملها، فبالإضافة إلى ما تركته من إرث انتقل إلى القصور والقصبات الممتدة بعدد من مدن الجنوب الشرقي، نجد هناك معالم أخرى ما تزال قائمة وتعد من الإرث الثقافي والروحي التي أسهمت فيه التاريخ والذهب سجلماسة.
ومن ضمن هذه المعالم الفريدة ضريح مولاي علي الشريف الذي له تاريخ كبير بالمنطقة ويعد من أهم المعالم وأبرزها لما يحمله من دلالة وعمق تاريخي مرتبط بتاريخ المغرب القديم والحديث.
فالضريح بني في عهد السلطان محمد بن عبد الله (1747–1790 م)، في سياق استيطان المناطق المجاورة لما تبقى من سجلماسة التاريخية، حيث ذكرنا في الحلقات السابقة، كيف تحولت مظاهر الحضارة والثقافة والسياسة، وحتى العلم والدين من سجلماسة إلى القصور والقصبات التي هاجر إليها العلماء والحرفيين والتجار واستقروا بها واحتموا بأسوارها.
وحسب الكثير من المصادر فإن التأسيس يرتبط بشخصية مولاي علي الشريف جد العلويين، والذي يتربط بسلالة مولاي الشريف، رئيس الشرفاء الفيلاليين، وهو ابن حفيد مولاي الحسن بن القاسم، الملقب بالداخل، سليل علوي من ينبع بالحجاز بالجزيرة العربية، ويعود نسبه إلى الحسن السبط، ابن فاطمة بنت الرسول محمد (ص) والإمام عليبن أبي طالب.
وحسب الباحثين كان مولاي الشريف قد استقر في تافيلالت في الفترة 1266/1277 م في بداية عهد المرينيين وكان ذلك في عهد السلطان أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني، حينما حلت عدد من قبائل بني معقل العربية هناك.
وأجمع عدد من الباحثين أن الشرفاء العلويين بسجلماسة لما شعروا بخطر توسع الزاوية الدلائية، القطب السياسي الديني المتأثر بالشاذلية المستقرة آنذاك بوسط المغرب، سارعوا إلى مبايعة مولاي علي الشريف سنة 1631م. وقد كان ذلك في خضم سياق سياسي على حافة الانهيار بالمغرب على إثر سقوط الدولة السعدية.
وحسب هذه الورايات فقد كان مولاي علي الشريف رجلا قويا ورعا، ولما فطن للرهانات السياسية المتمثلة في التنافس بين الزاوية الدلائية وسط البلاد ودار إيليغ بسوس على تافيلالت المزدهرة، تخلى عن الملك سنة 1636 م لصالح ابنه مولاي امحمد (1636-1664 م) الذي اختار أن يقوم بأمر المُلك من بعد أبيه.
وتوفي مولاي علي الشريف سنة 1659 م، ووورِي جثمانه في زاوية تيغمرت التي تبعد مسافة 200 كلم عن الريصاني، قبل أن يُنقل رُفاثه لاحقا إلى ضريحه الحالي الذي يصنف من بين أجمل المآثر التاريخية التي تزخر بها جهة تافيلالت.
ويعد ضريح مولاي علي الشريف إلى اليوم واحدا من أرقى المعالم التاريخية والدينية التي تحمل بين طياتها إرثا ثقافيا ودينيا عميقًا. فهو لا يعد فقط مزارا دينيا، بل أيضا نقطة تلاقي تاريخية مهمة، يتجسد فيها التراث الملكي العريق للمملكة المغربية وحضارتها الغنية.
وبالإضافة إلى رمزيته التاريخية، يتميز ضريح مولاي علي الشريف بتصميمه المعماري الفريد الذي يمزج بين الطراز المعماري الإسلامي التقليدي مع لمسات من الفنون الأندلسية والمغربية الأصيلة. ويتميز الضريح ببساطته وروحانية تصميمه، حيث يعتبر واحدًا من أروع المعالم التي تعكس الفن المعماري العريق الذي كان سائدا في المغرب خلال القرن السابع عشر.
كما يشتمل الضريح على العديد من العناصر المعمارية التي تشهد على تطور البناء في تلك الحقبة، وتعكس أهمية هذه الشخصية التاريخية، التي تحظى بالاحترام الكبير للإرث التاريخي والديني. حيث يتوافد العديد من الزوار سواء من داخل المغرب أو من خارجه، لإحياء الذكرى السنوية لمولاي علي الشريف وللاستمتاع بهذا المعمار الفريد الذي يؤرخ لحقبة هامة في تاريخ المغرب.

< إعداد: محمد توفيق أمزيان

Top