أشاد محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، بالعمل الذي قامت به المركزيات النقابية الممثلة بمجلس المستشارين، والتي فرضت إدراج مشروع القانون التنظيمي رقم 95.15 المتعلق بتنظيم ممارسة حق الإضراب، ضمن القانون ضمن المقاربة الاجتماعية العامة، وفي إطار الحوار الذي يتعين أن يكون أساسا مع المنظمات والمركزيات النقابية، بحكم الطابع السياسي والاجتماعي لهذا القانون، معربا عن أمله في إدخال تعديلات أساسية وجوهرية تضمن حق الإضراب كما هو منصوص عليه في الدستور.
وشدد محمد نبيل بنعبد الله، خلال ندوة نظمتها جبهة الدفاع عن الحق في ممارسة الإضراب، أول أمس الثلاثاء، بمقر حزب التقدم والاشتراكية بالرباط، على أن مشروع القانون التنظيمي ينبغي أن يكرس هذا الحق الدستوري وأن يضع له الإطار المناسب لممارسته، وليس للتضييق عليه، وعلى مختلف الأساليب والآليات المؤدية إلى ممارسته، داعيا إلى مواصلة العمل بشكل مشترك لتثمين الدينامية الإيجابية التي أطلقتها الجبهة والتي أفضت إلى وضع الملف على طاولة المفاوضات الاجتماعية العامة.
وبحسب محمد نبيل بنعبد الله، فإن المطلوب اليوم، من كل المناضلين الديمقراطيين والتقدميين، أمام ما يحدث في بلادنا، هو العمل بشكل جماعي من أجل مواجهة التحديات المطروحة، والتي ضمنها مشروع القانون التنظيمي لممارسة حق الإضراب، مشيرا إلى أن العمل بشكل جماعي ومشترك على هذا المستوى خلق دينامكية إيجابية، ويتعين الاشتغال بنفس الروح الجماعية وبنفس المقاربة على مجموعة من الملفات والقضايا الأخرى، كملف التقاعد الذي تستعد الحكومة لطرحه قريبا، بالإضافة إلى قضايا أخرى لها طابع سياسي واجتماعي، كمشروع مدونة الأسرة الذي يروج حول مجموعة من المغالطات باستغلال مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل تغليط الرأي العام.
وأضاف الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أن هناك واجهات نضالية مختلفة، يتعين الاشتغال حولها بشكل مشترك، مع نبذ كل الاختلافات وتوحيد الجهود، لجعل تلك المواضيع فرصة لتقديم التصور الديمقراطي الذي تمتلكه القوى التقدمية والديمقراطية في كل القضايا.
وخلال هذه الندوة التي أدارها يونس فيراشين عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وعضو في جبهة الدفاع عن الحق في الإضراب، تقديم قراءات حقوقية وقانونية، وتدخلات سياسية ونقابية أجمعت كلها على الطابع النكوصي والتراجعي لهذا المشروع الحكومي الذي يقيد ممارسة الحق في الإضراب.
عبد السلام لعزيز: الحق في الإضراب مقدس بالنسبة لكل مناضل يساري ديمقراطي
وفي هذا السياق أكد عبد السلام لعزيز الأمين العام لحزب فدرالية اليسار الديمقراطي، على أن الحق في الإضراب هو حق مقدس، بالنسبة لكل مناضل يساري ديمقراطي، وأن جميع الدساتير المغربية على هذا الحق، مشيرا إلى أنه في ظل هذه الموجة الجديدة من التراجعات، والتي بدأت منذ دستور 2011 فإن الحكومتين الأخيرتين نهجتا نفس المنحى التراجعي وتحديدا في مجال الحقوق والحريات، حيث تم تكسير أفق انتظار الحراك الاجتماعي الذي انطلق مع حركة 20 فبراير.
وشدد عبد السلام لعزيز على ضرورة توحيد كل القوى المناضلة، لأن هناك قضايا تحتاج إلى الوحدة من أجل خلق ميزان قوى، ومن أجل تجميع كل القوى المناضلة التي لها مواقف واضحة، مشيرا إلى أن الرأسمال الكبير هو الذي يشرع اليوم، وهو الذي يهيمن على المؤسسات الدستورية كالحكومة والبرلمان.
وأضاف الأمين العام لحزب فدرالية اليسار الديمقراطية، أن البلاد في حاجة إلى الاستقرار، من أجل تحقيق التنمية وتحقيق التقدم وأن ذلك لن يتأتى، بحسبه، إلا بإقرار عدالة اجتماعية، وأن ذلك لن يتحقق في ظل تغول الرأسمال وزواج السلطة بالمال، مما يجعل الوضع صعبا، والأفق غير واضح، مشيرا إلى مشروع القانون التنظيمي لممارسة حق الإضراب، جاء بتراجعات خطيرة، يضرب حق شريحة اجتماعية واسعة وهي الطبقة العاملة، التي من المفروض أن يكون هذا المشروع في صالحها، وليس في صالح الطرف الآخر الذي له إمكانية الدفاع عن مصالحه.
وفي إطار مقاربته، لمفهوم الحق في الإضراب في سياق دستورانية الحقوق والحريات، أكد الأستاذ الباحث خالد دحمان، على أن حق الإضراب لا يمكن معالجته ولا تقنينه بشكل منفصل على اعتبار أن الدستورانية الحديثة في الدول الديمقراطية، هي دستورانية الحقوق والحريات بعدما كان يتم تكبيلها في الدساتير الكلاسيكية.
وأضاف دحمان خليفة، أن دستور 2011 نص على حق الإضراب مضمون وتحدد كيفية ممارسته بقانون تنظيمي، الذي يعتبر درجة أدنى من الدستور وهو مكمل له وأن طبيعة قواعده هي قواعد دستورية، ، لكنه أعلى مرتبة من القانون العادي، مشيرا إلى أنه لا يمكن الحديث عن القانون التنظيمي إلا بإحالة من الدستور، على اعتبار أن طبيعة الدساتير الجامدة تأتي دائما في سياق نوع من الهرمية ونوع من التسلسل القانوني.
وأوضح المتدخل أن الحق في الإضراب، هو جزء لا يتجزأ من الحريات النقابية التي يؤكد عليها الدستور الذي يعطي لهذا الحق قوة إضافية، ويعتبر كذلك مكملا للحق في التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية، ويعطي كذلك لنقابات قوة تفاوضية اكبر، مشيرا ايضا إلى أن حق الإضراب يساهم تحقيق توازن القوى في علاقة الشغل بين أرباب العمل والعمال، وهو أيضا أداة فعالة بالنسبة للعمال للدفاع عن مصالحهم وتحسين شروط عملهم.
خالد دحمان: ضرورة تعزيز آلية الحوار الاجتماعي ونشر ثقافة الحق في الإضراب وتعزيز دور النقابات
إلى ذلك، يرى خالد دحمان أن ممارسة حق الإضراب، يندرج في إطار الممارسة الديمقراطية، فهو مظهر من مظاهر الممارسات الديمقراطية والحوار الاجتماعي، يتيح للإفراد والجماعات التعبير عن مطالبهم بشكل جماعي، وبشكل ممثل يساهم في تعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرارات والتأثير في السياسات العمومية، مؤكدا في الوقت ذاته على أن الإضراب يتعين أن يكون سلميا وقانونيا لا يمكن ممارسته خارج الإطار التشريعي وفي إطار قانوني بغض النظر عن مضمون هذا النص القانوني، مضيفا أن الإضراب يجب أن يكون هو آخر وسيلة يتم اللجوء إلهيا بعد استنزاف كل الوسائل الأخرى وفي مقدمتها المفاوضات، بالإضافة إلى ضرورة تحقيق التوازن بين الإضراب والحقوق الأخرى.
وبخصوص مشروع القانون رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب، أوضح خالد دحمان أن الضمانات التي جاء بها تكمن في تحديد نطاق مفهوم الإضراب، وإمكانية اللجوء إلى القضاء بالنسبة للعمال ولأرباب العمل، وإدراج فئة جديدة ضمن نطاق ممارسة حق الإضراب وهي فئة العمال المنزليين.
وبحسب خالد دحمان فإن المشروع في صيغته المحالة على مجلس المستشارين، تم حذف مجموعة من القيود ذات الطابع الجنائي، والتي كانت فيها عقوبات سابلة للحرية، مشيرا إلى أنه تم تعويض ذلك بالعقوبات المالية، وأصبح الإشعار المسبق ملزما، وهو ما يمنح المشغل وقتا للاستعداد واتخاذ الإجراءات اللازمة، والتفاوض قبل اللجوء إلى الإضراب، كما نص المشروع يضيف المتحدث على ضرورة ضمان استمرارية عمل المرافق ذات الطابع الحيوي.
ودعا خالد دحمان إلى ضرورة تعزيز آلية الحوار الاجتماعي وإدخالها في الثقافة العامة، على اعتبار أن إعمال هذه الآلية من شأنه أن يساهم في حل مجموعة من النزاعات قبل حدوثها، كما أنها تضمن حق استمرارية العمل دون الوصول إلى مرحلة الإضراب، بالإضافة إلى نشر ثقافة الحق في الإضراب، وتعزيز دور النقابات للقيام بدور الوساطة بين العمال وأرباب العمل.
علال البصراوي: الحكومة الحالية اعتمدت ” “منطقا خطيرا” في تمرير قوانين ذات أهمية كبرى من قبيل قانون الإضراب
من جانبه، أبدى النقيب علال البصراوي، ملاحظة، يرى أنها مهمة، وهي مدى أحقية الحكومة في تمرير قوانين من هذا الحجم بالاعتماد على الأغلبية البرلمانية، مشيرا إلى أن الديمقراطية في بعدها الحقيقي لا تسمح لها بذلك، لأن الديمقراطية تتطلب انتخابات حقيقية شفافة ونزيهة، كما تتطلب الاحتكام إلى الدستور الذي يضمن حقوق المعارضة، ويؤكد على المقاربة التشاركية، والمقاربة الحقوقية، داخل وخارج المؤسسة التشريعية، عكس المنطق الذي اعتمدته الحكومة الحالية الذي وصفه ب”المنطق الخطير” في تمرير قوانين ذات أهمية كبرى من قبيل قانون المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية وقانون الإضراب.
وعاب علال البصراوي، على مشروع القانون غياب الديباجة التي يراها ضرورية، باعتبارها تشكل الخلفية والمرجعية المتحكمة في القانون، وفقا لمقتضيات الدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب، مشيرا إلى أن غياب الديباجة يفتح المجال للاجتهاد القضائي.
كما انتقد النقيب علال البصراوي، تعريف مشروع القانون للإضراب، لأنه بذلك يمنع بشكل صريح مجموعة من أنواع الإضراب التي لا تندرج في التعريف الوارد في المشروع أي “الإضراب للدفاع عن مصلحة مهنية أو اقتصادية أو اجتماعية مباشرة” وبالتالي يصبح الإضراب السياسي والإضراب التضامني، والاعتصام ممنوعا بموجب هذا القانون، مشيرا إلى أنه لا يمكن الفصل بين ما هو سياسي وما هو اجتماعي واقتصادي، وأن هناك تداخل بين كل هذه المجالات، بالإضافة إلى أن المشروع يقيد الحق في الإضراب بضرورة الانتماء إلى النقابة، أو الحصول على 50 في المائة من العمال من أجل الدعوة إلى الإضراب، والإخبار بذلك بـ 45 يوما قبل يوم الإضراب قابلة لتمديد 15 يوما، لفتح المجال أمام المشغل من أجل إطلاق المفاوضات، مع أن خوض الإضراب حول نفس المطالب، لا يمكن أن يتم إلا مرة واحدة في السنة.
وفي نظر النقيب البصرواي فإن مشروع القانون قزم حق الإضراب كحق دستوري، لأن تعقيد الإجراءات يكبل ممارسة الحق، ويخالف توجهات منظمة العمل الدولية التي تدعو إلى تنظيم الإضراب بالشكل الذي لا يؤدي إلى تكبيله، وتقييده، مشيرا إلى أن هذه خطورة هذه الإجراءات تمكن أيضا، في إعطاء الحق للسلطات العمومية ولرئيس الحكومة من أجل منع الإضراب، تحت مبرر الحفاظ على الأمن العام، كما يعطي الحق لصاحب العمل من أجل استقدام عمال آخرين لضمان استمرارية العمل.
وبعد نقاش غني عرفته هذه الندوة، تم إفراز مقترحات وتوصيات تشكل قاعدة ارتكاز لمكونات الجبهة في برنامجها النضالي والترافعي للمرحلة الراهنة، وخاصة خلال مرحلة الدراسة الجارية لمشروع القانون التنظيمي بمجلس المستشارين.
يشار إلى أن جبهة الدفاع عن الحق في ممارسة الإضراب، التي تشكلت بمبادرة من مركزية الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، تضم طيفا واسعا من المنظمات النقابية، و الأحزاب السياسية، وهيئات حقوقية ومهنية و مدنية.
محمد حجيوي
تصوير: رضوان موسى