على أرصفة الشوارع وتحت الجسور وفي الأزقة المهجورة، يعيش المتشردون حياة قاسية ومليئة بالتحديات. هؤلاء الأشخاص الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، يجسدون وجها من وجوه المعاناة الإنسانية التي تغيب عن أنظار الكثيرين ممن ينعمون بالدفء في منازلهم. هذا التفاوت الاجتماعي يدعونا للتأمل في مسؤوليتنا تجاه هؤلاء الأفراد الذين يعيشون في ظروف أقل ما توصف به أنها مأساوية.
في المقابل، يعيش الكثير من الناس في منازل دافئة، محاطين بأسرهم وفي أجواء مريحة وآمنة. هذا النمط من الحياة يجعل من السهل على البعض نسيان وجود أشخاص بلا مأوى وتجاهل معاناتهم. فالانشغال بالحياة اليومية وضغوطاتها يجعل التفكير في معاناة الآخرين أمرا ثانويا بالنسبة للكثيرين, ومع ذلك، فإن وجود منازل دافئة لا يعني أن على المرء أن يغفل عن معاناة أولئك الذين لا يملكون سقفا يأويهم.
تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى التشرد، فمنها ما يرتبط بالفقر المدقع، ومنها ما ينجم عن فقدان الوظائف أو المشكلات الأسرية أو الأمراض النفسية والعقلية، في كثير من الأحيان، يجد هؤلاء الأشخاص أنفسهم معزولين عن المجتمع، بلا مأوى يأويهم ولا يد عون تمتد إليهم، ومع قسوة الطقس، سواء كان باردا قارصا في الشتاء أو حارا لاهبا في الصيف، تصبح حياتهم أشبه بصراع يومي للبقاء.
وعلى الرغم من قسوة الحياة التي يعيشها هؤلاء الأشخاص، هناك دائما بصيص من الأمل يتمثل في الجهود التي يبذلها الأفراد والمنظمات لتقديم العون لهم. نجد أناسا يكرسون وقتهم وجهودهم للتخفيف من معاناة الفئات المهمشة. هؤلاء الناس يمثلون روح الإنسانية التي ترفض التخلي عن الأشخاص بلا مأوى.
هذا هو الحال مع علي الشيظمي الكاتب العام لجمعية مغاربة متضامنون بلا حدود و التي تعمل منذ عام 2017 على مساعدة الأشخاص المحتاجين.
حيث عبر الشيظمي لبيان اليوم على أن العمل التطوعي لا يقتصر على العمر، بل تشارك فيه جميع الفئات العمرية، صغارا وكبارا، طلبة وطالبات، مهنيون، رجال ونساء التعليم، أمهات وجدات وأحفاد.
كما صرح علي الشيظمي أن العملية التطوعية تنظم من خلال مجموعات، بحيث تتكون المجموعة الأولى من السيدات، ودورهن إعداد الوجبات الساخنة و الباردة، بينما تتكون المجموعة الثانية من الرجال، و التي تبدأ من العاشرة ليلا و دورهم توزيع المساعدات. و نبه المتحدث أيضا الى أن العمل يتم مع بعض الفئات المهمشة على مدار السنة، لوجودهم في أماكن ثابتة تسهل المهمة، كما انه يتم البحت عن أشخاص آخرين في المناطق العابرة، مثل محطات القطار، أمام المدارس العمومية ومحطات الحافلات، لتوفر هذه الأماكن على الحماية الأمنية.
وفي رأي الكاتب العام “لجمعية مغاربة متضامنون بلا حدود”، فإن العمل الجمعوي إذا ارتبط بأموال من مؤسسات عمومية أو خاصة، قد يفرض عليه نوع من التبعية، “لذلك فنحن نتجنب المساعدات الحكومية، ونعتمد على المتطوعين، وأصحاب القلوب الغيورة على هؤلاء المحتاجين”.
مسؤولية جماعية
مشكلة التشرد ليست مجرد مسؤولية فردية، بل هي قضية مجتمعية تتطلب تعاون الجميع. الحكومات، المجتمع المدني، الأفراد، والجمعيات الخيرية، جميعهم يتحملون جزءا من المسؤولية في إيجاد حلول مستدامة لهذه المشكلة. يمكن أن تشمل هذه الحلول بناء المزيد من الملاجئ، وتقديم برامج دعم نفسي واجتماعي، وإطلاق حملات توعية لتحفيز المجتمع على مساعدة هؤلاء الأشخاص. هذه الفئات المهمشة ليست مجرد أرقام أو مشاهد عابرة في الشوارع، هم بشر، لديهم قصص وآمال وأحلام ربما أجهضتها الظروف. يمكن لأي شخص أن يكون جزءا من الحل، سواء من خلال تقديم المساعدة المباشرة أو دعم المبادرات الخيرية أو حتى بنشر الوعي حول هذه القضية.
هؤلاء الأشخاص هم مرآة تعكس التحديات التي تواجه المجتمعات الحديثة. بينما يعيش البعض في دفء منازلهم، يعاني آخرون جفاء الحياة. إن التضامن الإنساني هو المفتاح لإحداث تغيير حقيقي في حياة هؤلاء الأشخاص.
التشرد قضية معقدة ومتعددة الأبعاد، تتطلب استجابة جماعية تعكس روح الإنسانية و التضامن. يبقى الأمل هو الخيط الذي يربط الإنسانية بإمكانية التغيير. التشرد ليس مجرد واقع مؤلم يعيش فيه البعض، بل هو انعكاس لضعف الترابط المجتمعي والحاجة إلى تعزيز قيم التضامن والمسؤولية المشتركة، تحمل هذه القضية في طياتها فرصة لكل فرد ومؤسسة للمشاركة في صنع مستقبل أفضل، حيث لا يصبح أحد مجبرا على مواجهة الحياة بمفرده في ظل ظروف قاسية.
المجتمعات التي تنهض هي تلك التي تؤمن بأن رفاه الجميع هو أساس قوتها. عندما تبذل الجهود لإعادة دمج المتشردين ومنحهم فرصة جديدة، فإن ذلك لا يخدم فقط أولئك الذين يعيشون في الشوارع، بل ينعكس إيجابا على المجتمع ككل. فالعطاء والعمل الجماعي لا يبنيان فقط جسور الأمل، بل يعززان أيضا قيم التكافل والرحمة التي تحتاجها البشرية في كل زمان ومكان.
يبدأ التغيير بفكرة، بحركة، بمبادرة واحدة تحمل في طياتها شعلة الأمل. تلك الشعلة يمكن أن تكبر لتصبح نورا يضيء حياة من يعيشون في الظل. المسؤولية ليست عبئا، بل فرصة لتحقيق أثر إيجابي يتجاوز الحدود الفردية ليصل إلى أبعاد أكبر، حيث يتحول الألم إلى طاقة للعمل، واليأس إلى الإيمان بالفرص الجديدة.
إن مواجهة التشرد ليست مجرد حل لمشكلة آنية، بل هي خطوة نحو بناء مجتمعات أكثر عدلا وإنسانية، كل يد تمتد بالمساعدة وكل صوت يدعو للتغيير يساهم في رسم لوحة جديدة للحياة، لوحة عنوانها الأمل والتضامن.
كنزة مروان (صحفية متدربة)