-8-
وأليس من قبيل خيانة الترجمة الأمينة أو أمانة الترجمة
الخائنة أن يتحول اسم “داستاييفسكي” حسب النبر الروسي إلى دُوسْتُويِفْسكي، المحرف أحيانا حتى نطقا دوستَوِيفسكي! و”دوستويافيسكي!
وكذلك اسم ليفْ تَالستُويْ حسب النطق الروسي، يترجم الاسم “ليف” الذي يعني “الأسد” إلى ” ليونléon ويكتب اللقب tolstoï تولستُويْ والمحرف نطقا أيضا إلى “تُولستَوِي، والمعترف اللسان الفرنسي بأنه اسم “مفرنس” ومحرف: Léon Tolstoï, nom francisé de Lev Nikolaïevitch Tolstoï_ وفي إحدى مقدمات الترجمات اقترحت -مازحا- ترجمة اسمه كاملا إلى “الأسد السمين” مادام “تالستُويْ” بالروسية يعني السمين gro وهكذا يفرض اللسان الفرنسي على الألسنة كلها -و حتى على اللسان الصقلبي الروسي نفسه- كتابة الأسماء وفقا لنطقه وعرقه وذوقه الثقافي الخاص، حتى أصبحت أسماء تجارية، لا سبيل إلى تغييرها- كعلامة وماركة مسجلة ومحفوظة ومفروضة على الجميع!
ومن بين تلك المساوئ أيضا أنها ثانيا ترجمة فرنسية ذات نزعة متعالية:
إذ تجعل الأدب الروسي، وكأنه مجرد تابع للأدب الفرنسي، لأنه، طبعا وقطعا، متأثر جدا به وبغيره من آداب الغرب والشرق ولكنه ليس مقلدا له أبدا وأبرز مثال على ذلك عبقرية شاعر روسيا الأكبر بوشكين الملقب بشمس الشعر الروسي وألقاب أخرى كثيرة ويحظى بإجماع عباقرة وعمالقة الأدب الروسي والسوفييتي الكلاسيكي والمعاصر واعترافهم له بالفضل الأول والريادة والتأسيس للأدب الروسي وحداثته وعالميته، لم يستوعب فحسب ثقافات الغرب والشرق، رغم عمره الإبداعي القصير، ولكنه نظر إلى أدب الغرب وفكره برؤية ودية ونقدية وندية أيضا، كانتقاده المسرح الفرنسي لراسين وغيره وبيرون الإنجليزي لأن هواه شيكسبيري.
– و في ترجمة ” التراجيديات الصغيرة، لبوشكين والمقدمة الطويلة الشاملة عن أعماله الدرامية الكاملة- تفصيل الحديث عن ذلك كله-” دار التكوين 2011 دمشق-سوريا-
وثالثة الاثافي أنها ترجمة فرنسية مغرضة ومناهضة
للاتحاد السوفييتي: إذ يبدو واضحا وفاضحا وفادحا من بعض مقدمات الترجمات الفرنسية أنها تتعمد المقارنة السياسية المغرضة والمناهضة للاتحاد السوفييتي بين سجن الأشغال الشاقة _которга “كاتارغا” القيصرية ومعتقل
гулаг “غولاغ” على عهد الرجل الفولاذي-ستالين- حتى كادت أن تجعل –داستاييفسكي- وكل عباقرة الآداب الروسية الكلاسيكية شيوعيين منشقين ومرتدين عن الاتحاد السوفييتي ومعادين له وفارين منه قبل ميلاده بزمن طويل!
وإذا كذب اللسان الفرنسي صدقه لسان العرب الطويل، تماما كما “قالوا زمان: واش كتعرف العلم قاليه كنعرف نزيد فيه” كذلك ينسحب هذا القول على ترجمات عربية لروايات روسية، ينبغي أن تكون العين القارئة عمياء حتى لا ترى ما فيها من أخطاء، واضحة وفاضحة وفادحة، لغوا ونحوا، وتشويها وتحريفا، وحذفا لجمل مفيدة وزيادة أخرى غير ضرورية. ذكرت منها عشرات الأمثلة المملة في تقديم روايتين لداستاييفسكي: “مذكرات من البيت الميت” و “قرية ستيبّانتشيكوفو وسكانها” صادرتين عامي 2014 و2016 عن المركز الثقافي العربي.
ولا تزال متداولة ويعاد طبعها وتوزيعها مرارا وتكرارا ويزداد الإعجاب بها على مدى الآلام والأيام وهي ترجمات عربية، لأعمال إبداعية روسية، ومنها ترجمة “الأعمال الكاملة” لدستاييفسكي بالذات، نقلا عن لغات وسيطة، كالفرنسية، أقل ما يقال عنها إنها ترجمات تجارية ليست سيئة أو رديئة فقط، بل تصل إلى حد ارتكاب جريمة في حق الكتاب، وكان ينبغي تقديم ناقليها وناشريها وطابعيها وموزعيها إلى القضاء إن كانت هناك محكمة للبتّ في جريمة الترجمة والعقاب على بترها واختزالها واختصارها وتطويلها وعلى تداخل فصولها وتحريف جميع أسمائها مع حفظ أو حذف ألقابها التي لا علم لآدم أو بنيه بها كلها. وهي من اقتراف أو –بإشراف- مترجمين محترمين أو من “جرائم” التراجم والنقلة -القتلة-
المتعاونين والمساعدين والمأجورين ممن يسمون بكتاب الخفاء الأشباح والمجهولين أو “الزنوج” -les nègres –
بالتعبير الفرنسي “العنصري” أما إذا كانت بقلم أو جرم المترجم نفسه فالمصيبة أعظم.
-يتبع-
في إصدار جديد يعرض قريبا – بعنوان:
“من دروس الأدب الروسي”
> بقلم: إدريس الملياني