ثامن مارس…

يوم ثامن مارس، هو اليوم العالمي للدفاع عن حقوق النساء عبر العالم، أي هو يوم للنضال، وتخليده انبثق من معركة نضالية وترافعية من أجل المساواة بين الجنسين، وهويته هذه هي التي يجب أن تصان وتبقى ماثلة في أذهان وسلوكات الجميع.
وعلى غرار كل المجتمعات والبلدان، يحل ثامن مارس هذا العام في بلادنا، ويقتضي استعراض وتقييم ما تحقق للمرأة المغربية من مكتسبات وحقوق، ثم التطلع إلى تطوير ذلك، والتصدي للتحديات المطروحة، والسعي لتحقيق مكتسبات جديدة انتصارا لكرامة المغربيات، وتعزيزا لمغرب المساواة والعدالة.
تتفق عديد قوى سياسية ومنظمات حقوقية وحركات نسائية على الحاجة إلى إصلاح قانوني حقيقي لمدونة الأسرة، وعلى مراجعة اختلالات الممارسة كما تأكدت في السنوات الأخيرة، ومن ثم رفع الإجحاف والظلم عن النساء جراء العمل بمقتضيات قانونية باتت متجاوزة.
لكن المشكلة أنه في كل مرة يرفع هذا المطلب أو يطرح هذا النقاش، تخرج قوى ماضوية لتضرب على الطاولة بسوط النص الديني واحتكار تفسيره، وتفرض وقف كامل الحديث ووأد الحوار في أصله.
فعلا، لا بد أن يتحقق هذا الإصلاح القانوني المطلوب والراهني عبر توافق مجتمعي واسع، ولكن، في نفس الوقت، لا بد أن يستحضر الأمر  ضرورة رفع الظلم والتمييز عن النساء، ولا بد أن يتطور النقاش الديني والفقهي نفسه، وألا يبقى حبيس منظومة جامدة سادت قبل قرون عديدة، ولا بد للجميع أن يستحضر كون الدولة انخرطت في التزامات حقوقية دولية منذ سنوات، وأنها تعيش عصرها ولها دستور ومؤسسات، وأن المجتمع، بدوره، شهد تحولات هيكلية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.
لحد الآن، القوى الماضوية تكتفي بالإصرار على تفسير للمقتضى الديني كما ساد قبل قرون، ولا تتحرك عن ذلك قيد أنملة، ولم تفكر في أهمية النظر إلى واقع اليوم، وبالتالي إعمال الاجتهاد لصياغة أجوبة جديدة وملائمة لأسئلة هذا العصر.
هذا هو التحدي الحقيقي أمام هذه القوى، بدل ترك الجدل مشتعلا في خارج الموضوع، وهي لا تقترب أصلا من الأسئلة الحقيقية.
إن الإصلاح القانوني والتشريعي المتصل بوضعية النساء وتحقيق المساواة ليس سجالا دينيا أو فكريا مجردا أو معلقا في السماء، وإنما هو ضرورة مجتمعية ومطلب ديمقراطي وحقوقي وحاجة تنموية، وبالتالي للدولة، على هذا المستوى، مسؤولية واضحة، ودورها أن تقود السعي الإصلاحي إلى الأمام.
من جهة ثانية، لا تزال المرأة المغربية، وبرغم ما تحقق من مكتسبات، تعاني من اختلالات على صعيد التمكين السياسي والاقتصادي، ويحفل الواقع اليومي بالكثير من التجاوزات المتصلة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ولقد أبان زمن الجائحة، وأيضا واقع الفقر والهشاشة لدى أوساط مختلفة، عن معاناة مضاعفة للنساء، علاوة على انتشار ظواهر أخرى تهم المرأة والفتاة بشكل أكبر، وذلك على غرار: زواج القاصرات، الحرمان من الدراسة، الأمهات العازبات، تشغيل الأطفال… وسوى ذلك.
هذه مظاهر معاناة واقعية وفعلية، ويعرفها الجميع، ومختلف مجالس الحديث تروي قصصا وحكايات بشأن ذلك، وهي تحديات من غير المقبول السكوت عنها، ولا أحد ينكر أنها تجسد الظلم والحيف في حق المغربيات، وضمنهن طفلات صغيرات، كما أنها تتطلب اليوم قوانين وبنيات وبرامج وسياسات…
ولتحقيق التقدم على طريق المساواة، يجب تطوير بناء ثقافة داعمة لذلك داخل المجتمع، أي تقوية التربية على المساواة، وإشعاع قيم المساواة والكرامة والمواطنة والعدالة الاجتماعية، وذلك لتكون البيئة المجتمعية منتصرة للمساواة، وساعية لبناء مغرب يكون جديرا بنسائه ورجاله معا.
هنا يعتبر مهما دور المدرسة، وأيضا وسائل الإعلام، والمنابر الدينية، والأسرة، ومنظمات المجتمع المدني، والأحزاب، وكل بنيات ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، وذلك بما يعزز وعي الناس وينمي معارفهم وإدراكهم، ويتصدى للدجل والخرافة والماضوية.
النضال من أجل حقوق المرأة، ومن أجل المساواة، هو سعي لإعمال اختيار مجتمعي ينتصر لقيم هذا العصر وأفقه الحقوقي والديمقراطي، وهو عنوان ومدخل لتحقيق مجتمع الحرية والديمقراطية والمواطنة والكرامة والمساواة.
إنه نضال النساء والرجال معا.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

الوسوم ,

Related posts

Top