استجابة لدعوة فيدرالية جمعيات المحامين الشباب بالمغرب، احتج مئات من المحامين والمحاميات، أول أمس الأربعاء، أمام الباب الرئيسي لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، للتعبير عن استنكارهم لمضمون “التسجيل الصوتي للمكالمة المسربة”، الذي تضمن تصريحات مسيئة لأصحاب البذلة السوداء من طرف رئيسة غرفة بمحكمة النقض، ورئيس غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء.
كما تم تنظيم وقفة أخرى، داخل المحكمة، وبالضبط أمام القاعة 7 التي يترأس فيها رئيس غرفة الجنايات المذكور جلساته، حيث قاطع المحامون الجلسة التي عقدها يوم الأربعاء.
وحمل المحتجون، لافتة مركزية كتب عليها “استقلال القضاء، الأمل المنشود تكريسا للدستور”، عدة لافتات، وأخرى كتب عليها “المحاماة خط أحمر”، فيما تم ترديد عدة شعارات، من قبيل “القضاء بالقانون ماشي بالتليفون”، “الدستور هاهو والتنزيل فينا هو” وشعارات أخرى، تدافع عن المهنة وعن استقلال القضاء.
وطالب المحتجون المنتمون لمختلف الهيئات المهنية، (جمعية هيئات المحامين بالمغرب، فيدرالية جمعيات المحامين الشباب بالمغرب، نقابة المحامين بالمغرب،…) بربط المسؤولية بالمحاسبة، وأن احتجاجهم رسالة لطمأنة المتقاضين، عبر تحميل المسؤولية لكل من ثبت تورطه في الإساءة للمحاماة والقضاء عبر التسجيل الصوتي المذكور وبغض النظر عن الجهة التي ينتمي إليها.
وفي هذا الصدد، قال يوسف الزرقاوي، رئيس جمعية المحامين الشباب بالدار البيضاء، في تصريح للصحافة، إن مضمون التسجيل الصوتي للقضاة، يضرب في العمق مبدأ استقلال السلطة القضائية المنصوص علیه دستوريا، والذي يسجل التاريخ الدور الطلائعي للمحاميات والمحامين في الدفاع عنه ومطالبتهم بقضاء مستقل بعيد عن أي مؤثرات، مضيفا، أن العدالة ببلادنا بالرغم من وجود ثلة من القضاة الشرفاء، لازالت في حاجة إلى تكريس قضاء حر ونزیه ومستقل. واعتبر أيضا أن التسجيل الصوتي يؤكد بالواضح والملموس أن العدالة مختلة، وأن الاحتجاج اليوم هو من أجل الدفاع عن مبدأ استقلالية القضاء باعتباره مبدأ أساسيا وجوهريا، لأنه لا قضاء نزيه دون استقلالية، وأكد بأن ثقة المواطن في القضاء مزعزعة، داعيا إلى إرجاع الثقة إلى مؤسسة القضاء، وذلك عبر قضاء نزيه ومستقل لا يعرف في كلمة الحق لومة لائم ولا يطبق إلا القانون.
ومن جهتها، اعتبرت الأستاذة نبيلة جلال، عضو مكتب جمعية المحامين الشباب بالدار البيضاء، أن التسجيل الصوتي يعكس وضعية فقدان الثقة في القضاء، والمستوى الخطير الذي وصل إليه الأداء القضائي ببلادنا، ويكفي في هذا الشأن مراجعة تعليل الأحكام والقرارات في الكثير من القضايا على حد تعبيرها.
وأكدت أن العبرة في استقلال القضاء وتحقيق الأمن القانوني والقضائي، ليس من خلال التنصيص الدستوري عليه فحسب، وليس من خلال خلق المؤسسات وتشييد البنايات، وإنما ينبغي أن يكون قناعة ذاتية وتصرفات أخلاقية تجد أثرها على أرض الواقع.
نقابة المحامين بالمغرب ترفض التطاول على مهنة المحاماة
وعلاقة بالموضوع، رفضت نقابة المحامين بالمغرب، في بلاغ، التطاول على مهنة المحاماة النبيلة، ومحاولة المس بصورتها، وعدم استحضار كونها ركنا جوهريا في منظومة العدالة، وفاعلا مركزيا في تحقيق الأمنيين القانوني والقضائي.
وثمن البلاغ، قرار إجراء بحث حول ظروف وخلفيات ما ورد بالتسجيل الصوتي من معطيات، والاستماع إلى كل من له علاقة بالموضوع، مع المطالبة بالتعجيل بإجراء البحث المذكور وترتيب الآثار القانونية اللازمة على ضوئه، وفي استحضار تام لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وأكدت نقابة المحامين بالمغرب، في البلاغ ذاته، على أنه بالرغم من الإصلاحات المسجلة في دستور 2011 بشأن تخليق الحياة العامة، وضرورة محاربة ومعاقبة الفساد والوقاية من كل أشكال الانحراف، ووضع الآليات اللازمة لذلك، وإنشاء ودسترة هيئات للحكامة والمراقبة والمحاسبة، فإن ظاهرة الفساد ببلادنا لا زالت تكتسي طابعا نسقيا وعاما، ولا تخرج عن هذا التشخيص مكونات منظومة العدالة، التي لا زالت تعاني اختلالات عميقة على مستوى التخليق، بدءا بالقضاء ومرورا بالمحاماة وباقي المهن القضائية والقانونية.
وكانت النقابة المذكورة، قد دعت جميع مسؤولي أجهزتها الوطنية والمحلية، وعموم مناضليها ومناضلاتها، إلى الحضور بكثافة والمشاركة في الوقفة الوطنية التي دعت لها جمعية المحامين الشباب بالدار البيضاء، أول أمس الأربعاء، بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، وذلك تجسيدا لوحدة الصف المهني، ولضمان خوض المعارك المهنية التي تلوح في الأفق بنفس وحدوي يقوي جبهة التغيير ويضمن بلوغ نضالات المحامين لغاياتها المنشودة.
نادي “قضاة المغرب” يرفض مختلف أشكال التدخل في السلطة القضائية
ومن جهته، أعلن “نادي قضاة المغرب” في بلاغ، عن موقفه الرافض لمختلف أشكال التدخل في السلطة القضائية، بغض النظر عن مصدرها، بما يضمن عدم التأثير في مجريات القضايا المعروضة عليه أو التي فتح بشأنها بحث قضائي بأمر وإشراف الجهة القضائية المختصة، وفق ما كرسته الوثيقة الدستورية ومختلف المعايير الدولية بشأن استقلالية السلطة القضائية، واحتراما للتوجيهات الملكية السامية.
وجدد، البلاغ، من هذا المنطلق، الإعلان عن إحجامه عن التعليق على قضية “التسجيل الصوتي”، ما دام أنها أصبحت موضوع بحث قضائي فُتِح بأمر وإشراف النيابة العامة المختصة، وذلك احتراما للقضاء وتجنبا لأي تأثير محتمل عليه، وهو ما ينسجم مع الفصل 111 من الدستور الذي يُلزم الجمعيات المهنية باحترام واجبات التجرد واستقلال القضاء، فضلا عن مدونة الأخلاقيات القضائية في فصلها الثاني المتعلق بـ: الحياد والتجرد؛ مؤكدا، من الناحية المبدئية، تشبثه بالقيم والمبادئ الدستورية المتعلقة بحقوق التقاضي وقواعد سير العدالة، ولا سيما مبدأ حماية حقوق وحريات الأشخاص والجماعات وأمنهم القضائي، ومبدأ الأصل في المتهم البراءة، والحق في ضمانات المحاكمة العادلة، تطبيقا للفصول 117 و119 و120 من الدستور.
وسجل البلاغ، أن تنزيل هذه المبادئ الدستورية والكونية، لا يمكن أن يتأتى إلا بدعم استقلالية السلطة القضائية عن كل مجموعات الضغط، السياسية منها والمهنية والقضائية والاقتصادية والإعلامية والاجتماعية، طبقا للفصل 109 من الدستور، داعيا، جميع مكونات المجتمع المغربي، المهنية وغيرها، إلى تكريس هذه المبادئ على مستوى الممارسة كما الخطاب، فضلا عن ترسيخها في الوعي الجمعي المشترك.
وأكد البلاغ، على دور المجلس الأعلى للسلطة القضائية في السهر على ضمان احترام القيم القضائية العليا، والتشبث بها وإشاعة ثقافة النزاهة والتخليق بما يعزز استقلال القضاء، تطبيقا للمادة 103 من القانون التنظيمي المتعلق به، داعيا في هذا الصدد، جميع القضاة إلى تفعيل مقتضيات الفصل 109 من الدستور، وذلك بإحالة كل المحاولات غير المشروعة للتأثير على أوامرهم وأحكامهم وقراراتهم على المجلس الأعلى للسلطة القضائية، لاتخاذ ما يراه مناسبا من إجراءات كفيلة بحماية استقلاليتهم.
وشدد البلاغ، على استمراره في تنزيل مشاريعه الداعمة لتخليق منظومة العدالة برمتها، وذلك بالتعاون والتشارك مع جميع المؤسسات الرسمية والهيئات والإطارات المهنية وباقي المتدخلين في المنظومة ذاتها، خصوصا على مستوى تفعيل مذكرة التفاهم الموقعة بين “نادي قضاة المغرب” وجمعيات هيئات المحامين بالمغرب بتاريخ 16 ماي 2014.
تجدر الإشارة، إلى أن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، كان قد أشار في بلاغ سابق أن النيابة العامة أعطت تعليماتها للفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء من أجل إجراء بحث يروم التحقق من حقيقة وظروف وخلفيات ما ورد بشريط صوتي متداول منسوب لقضاة حول وجود تدخل في تدبير ملف قضائي معروض على انظار هيئة قضائية.
وأوضح بلاغ للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، أنه “على إثر تداول بعض منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل الفوري، لتسجيل صوتي منسوب لقضاة، حول وجود تدخل في تدبير ملف قضائي معروض على انظار هيئة قضائية يتابع فيه أحد الأشخاص في حالة اعتقال، وعبارات تمس بسمعة بعض أعضاء هيئة الدفاع، فقد عملت النيابة العامة على إعطاء تعليماتها للفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء من اجل إجراء بحث يروم التحقق من حقيقة وظروف وخلفيات ما ورد بالشريط الصوتي من معطيات”. وأبرز البلاغ أنه سيتم أيضا “الاستماع إلى كل من له علاقة بالموضوع، وإجراء جميع التحريات اللازمة لبلوغ ذلك، هذا وحالما تنتهي الأبحاث سوف يتم ترتيب الآثار القانونية اللازمة على ذلك”.
حسن عربي
تصوير: عقيل مكاو