أزمة قطاع…

في خضم الأزمة التي يعيشها القطاع الرياضي على الصعيد الوطني، عاد الحديث مرة أخرى عن ضرورة تأسيس مجلس أعلى للرياضة، حيث ارتفعت أصوات من جديد مطالبة باستقلالية القطاع وتحويل تسييره إلى مجلس أعلى، وجعل مهمة تسيير الشأن الرياضي بيد الكفاءات والأطر التي أفرزتها الممارسة الرياضية بالمغرب، بعيدا عن التأثيرات السياسية، ولعبة توزيع الحقائب التي تتحكم فيها الولاءات والحسابات.
تأسيس مجلس أعلى للرياضة يراعى في تكوينه وهيكلته وخصوصيته وتأثيره الواسع، على أساس الكفاءة والدراية والخبرة بالنسبة لقطاع مفتوح على المستقبل ويشهد تغييرات متلاحقة.
فالقطاع الرياضي عموما يعيش أزمة هيكلية طاحنة، جعلته غير قادر تماما على القيام بالدور الحيوي المطلوب منه، ويعود ذلك إلى غياب إستراتيجية وطنية تعالج الاختلالات العميقة التي يعاني منها القطاع منذ سنوات، رغم تسجيل مجموعة من المحاولات والمبادرات التي تبوء بالفشل، لكونها ببساطة لا تنفذ إلى العمق.
ولعل أبرز تجليات هذه الأزمة ما تعشيه أغلب الجامعات والأندية الرياضية من غياب للحكامة وضعف التسيير، وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة، ليصبح التسيب والفوضى سيدي الموقف، باستثناء جامعات معدودة، استطاعت تجاوز النفق بفضل تواجد شخصيات عاشقة للعبة التي تدبرها، وتمكنت في ظرف وجيز من تحريك المياه الراكدة، ولعل أكبر مثال على ذلك التغييرات المهمة التي تشهدها خلال الأربع سنوات الأخيرة جامعة كرة القدم.
وإذا كانت أهمية بعض الأنواع وشعبيتها تفرض على جامعات معينة ضرورة العمل والتحرك وتنويع برامجها، فإن الأغلبية الساحقة من الجامعات تعيش خارج إيقاع الزمن، منغلقة على نفسها غير مستعدة نهائيا للتفاعل والانفتاح على محيطها، ونجدها تكتفي بنشاط موسمي تطبعه الشكلية والرمزية ليس إلا…
فالأغلبية الساحقة من الجامعات الرياضية والأندية عاشت وتعيش مشاكل تسييرية طاحنة أفقدتها المناعة المطلوبة، وحولتها إلى كيان فاقد للقدرة على التحرك والفعل والتطور، وعندما نناقش الأمور من هذه الزاوية نطرح التساؤل حول الجهة المفروض عليها التدخل لإعادة الأمور إلى نصابها، وفرض خيار مصلحة اللعبة أكثر من مصلحة الأشخاص…
إلا أننا حين نطرح السؤال بهذه الصيغة، نفاجأ بحالة الفراغ التي يعيشها القطاع، في غياب هذه المؤسسة المبحوث عنها، وضمان تدخلها في مثل هذه الحالات، ومهمتها الحرص على تطبيق القانون وحماية الممارسة الرياضية من حالات التسيب والفوضى، وما ينتج عنها من تغييب للمصلحة العامة.
فضعف وزارة الشباب والرياضة وكثرة التغييرات والتأثيرات السياسية على أجهزتها التسييرية، وجمود اللجنة الأولمبية الوطنية وغياب المشروعية عن أجهزتها، يجعل القطاع في مهب الريح، مما يسمح بظهور مجموعة من الظواهر والحالات الشاذة، ويجعل واقع اللا قانون هو السائد.
القطاع في حاجة إلى خلخلة، أما سياسة الترقيع والاعتماد على تلميع الواجهة وانتظار بروز الفلتات القدرية، فإنها لم تعد قادرة على لعب دور الشجرة التي تخفي غابة الأزمة العميقة، وبات التغيير العميق والهيكلي واعتماد إستراتيجية جديدة، أمرا ملحا، لأن الأمر لا يتطلب المزيد من التأخير أو التأجيل، والدليل هو المشاركات المخجلة بأهم التظاهرات الدولية، كما حدث في آخر دورة أولمبية بريو دي جانيرو البرازيلية.
كما أن وقف الدعم الحالي عن أغلب الجامعات الرياضية منذ سنتين، أسقطها في خصاص مالي فظيع، أصبح يهدد مشاركتها في المسابقات القارية والجهوية والدولية، قبل الوصول إلى مرحلة تجميد النشاط بصفة نهائية، مما يزيد الوضع استفحالا وتأزما.

الوسوم ,

Related posts

Top