الأزمة المغربية-الإسبانية.. بعض البلدان الأوروبية أبانت عن “قصر شديد في النظر”

قال المحلل السياسي التونسي، محمد نجيب ورغي، إن بعض البلدان الأوروبية أبانت عن “قصر شديد في النظر” في تعاملها مع الأزمة التي تسم حاليا العلاقات بين المغرب وإسبانيا من زاوية ضيقة تقتصر على تدبير تدفقات الهجرة.
وتساءل ورغي، وهو المدير العام السابق لوكالة (تونس إفريقيا للأنباء)، في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء، قائلا “كيف يعقل أن تنقلب الأمور رأسا على عقب، ويصبح المعتدي ضحية والمعتدى عليه محرضا؟”.
واعتبر أنه من خلال إسراعه في تقديم دعم غير مشروط للحكومة الإسبانية التي فشلت في علاقاتها مع جارتها الجنوبية، يكون الاتحاد الأوروبي، الذي لم ينبس ببنت شفة بخصوص أخطاء هذه الحكومة، وخاصة تكرار أعمالها العدائية تجاه المغرب، قد تحيز بشكل مؤسف.
وأضاف أن الاتحاد الأوروبي خرج عن حياده ووجه ضربة قاسية لما يعرف بالسياسة الأورو-متوسطية التي طالما تمت الإشادة بها لأهدافها التأسيسية ومراميها لتحقيق المساواة والإنصاف بين منطقتين غير متكافئين من حيث التنمية.
وأشار ورغي إلى أنه من الواضح، في سياق تدبير هذه الأزمة، أن الدبلوماسية الإسبانية ارتكبت ثلاث خطايا كبرى، موضحا أنها لم تأخذ في الاعتبار فرضية مهمة، وهي عدم مرونة المغرب عندما يتعلق بالدفاع عن مصالحه، وعلى الخصوص أحقيته في سيادته على أقاليمه الجنوبية.
وسجل المتخصص في العلاقات الأورو-متوسطية أنه “بعد أزيد من 60 سنة من الاستقلال، يرفض المغرب أن يعامل بازدراء أو استخفاف في موضوع القضايا الأساسية التي لا تقبل حلولا وسطى أو تنازلات أو حتى مزايدات غير مجدية”.
ولفت إلى أنه في القضية الراهنة، سقطت الحكومة الإسبانية في تناقضات مقلقة، وداست على جميع القواعد الأساسية التي تحكم حسن الجوار في المقام الأول، والطابع الاستراتيجي الذي لطالما ميز العلاقات بين البلدين.
وتساءل ورغي مرة أخرى قائلا “هل يمكن أن نلوم المغرب على عدم المرونة في استماتته وتعبئته للدفاع عن مصالحه؟ عندما يشعر الشريك بالخيانة واستغلال مصالحه، وخصوصا بالتضليل والمعاملة الوقحة، هل يمكن أن نلومه على رده بحزم وعزم وعدم الانجرار في مسارات زلقة وتبريرات واهية؟”.
وبحسب رئيس التحرير السابق لمجلة (رياليتي) التونسية وصحيفة (لا بريس)، فإن عدم المساومة في المسائل المبدئية كان ينبغي أن يكون الأساس الذي تقوم عليه العلاقات بين البلدين الجارين، والتي “قوضها للأسف التهاون ومناورات الحكومة الإسبانية التي تفتقر إلى المنطق”.
وبصراحة، يضيف المحلل السياسي، فإن كل شيء يشير إلى أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء بقي غصة في حلق الحكومة الإسبانية، التي انحرفت، بسبب افتقارها إلى حجج معقولة، إلى طرق مسدودة، من خلال دعمها بشكل غريب خطابا باهتا وعدائيا وغير مبرر وغير واضح.
وسجل أن الخطيئة الثانية تتعلق برغبة المملكة المغربية في إقامة علاقات مع البلدان الشريكة على أساس الإخلاص والاحترام المتبادل، والثقة المتبادلة وترابط المصالح.
وأوضح ورغي أن إسبانيا، التي أدرك مسؤولوها بشكل متأخر بأنهم قد تورطوا في صراع مجهول العواقب، فشلت في تلبية المطالب المتوافقة مع العلاقات الودية بين البلدين المرتبطين بالتاريخ والجغرافيا.
وأشار إلى أن ما جعل موقف الحكومة مشبوها ومعاديا تجاه المغرب هو استضافتها لزعيم ميليشيا “البوليساريو” بهوية منتحلة للخضوع للعلاج منذ 21 أبريل الماضي في لوغرونيو شمال إسبانيا دون الأخذ في الاعتبار الشروط الأساسية التي تحكم علاقات حسن الجوار التي تتطلب التنسيق والتشاور أو على الأقل الإخبار.
وتساءل ورغي عن أسباب عناد الإسبان في التملص من هذا المشكل الذي هو مصدر الأزمة، واللجوء إلى الترهيب والمناورات السياسوية، في وقت يتطلب السياق فيه نهج الصراحة والرغبة الصادقة في حل المشكلة.
أما الخطيئة الثالثة، يضيف المحلل السياسي، فتتعلق بخلط الأوراق والرغبة في إيذاء المغرب وتشويه صورته.
وفي هذا الصدد، أعرب ورغي عن أسفه لموقف بعض الدول ووسائل الإعلام في القارة العجوز التي لم تسع إلى وضع الأزمة في سياقها الحقيقي، ولم تحاول تقديم معالجة تغل ب إظهار الحقيقة.
وقال إنه من خلال الانغماس في الحجج التقريبية التي تتفادى الأسئلة الحقيقية، من خلال التركيز على أزمة الهجرة، أساءت هذه الجهات تقدير قدرة المغرب على التعبئة والتعبير بصوت عال وحازم عن رفضه قبول أي إملاءات أو مغالطات.
وشدد على أنه “في الوقت الذي تتواصل فيه المطالبة بعلاقات أورو-متوسطية سلسة ومتكافئة ومفيدة للطرفين، فإنه يتم السعي إلى ترسيخ فكرة أن بلدان الجنوب يجب أن تظل ضعيفة وتابعة، وأن يتم إخضاعها لشتى المعاملات المخزية، والتذرع بالشعور بالإهانة بسبب توافد مهاجرين، وانتهاز الفرصة للتهجم على المغرب، وجعله مسؤولا -زورا- عن كل مصائب العالم”.
وأعرب ورغي، في هذا الصدد، عن أسفه “لتبرير الطبيعة غير المتكافئة للعلاقات بين الشركاء، واستعمال كل الأسلحة لإلقاء اللوم على الجار الجنوبي، المتهم بعدم لعب دور الدركي لحماية حدودهم”.

Related posts

Top