بين صفين من المعتوهين

اليمين المتطرف النمساوي يصعد إلى الحكم في ظل توافق يقوده من ظلت وسائل الإعلام تقدمه باعتباره “أصغر رئيس دولة في العالم”.
صحيح أن هذا الـ”سيباستيان كورز” يحمل رأس مراهق وأنه بميلاده سنة 1986 يعد أكثر فتوة من بعض الطلبة الذين تأخروا في كلياتنا..

مع ذلك فإن أفكار شركائه الجدد بعيدة عن أن تكون لها طراوة الشباب.
عند الاستماع إلى تصريحات هذا اليمين المتطرف النمساوي، نصاب بالذهول لطبعهم الغبي والشائخ.
على سبيل المثال، يبدو لهم من المستعجل التراجع عن قرار منع التدخين في المطاعم. هؤلاء المهرجون يعيدون إلى الواجهة أقدم “حقوق” المدخن. إنه من حقه أن يدخن حيثما يروق له.
فكرة أن عدم المدخنين لهم كذلك الحق في التلذذ بطعامهم وهم يستنشقون هواء نقيا لا يبدو أنهم يستوعبونها.
إننا نعي ما معنى اليمين المتطرف اليوم: أجداد متأففون لا يرون أبعد من عقب سيجارتهم. إننا بعيدون عن الإنسان الخارق للفيلسوف نيتشه أو أبطال وانير.
يعقبون:
آه، لا، نحن لسنا سوى أجداد صغار متذمرين، نحن كذلك نحمل فكرا جيوستراتيجيا.

  لنتحدث عنهم. إن فكرتهم العظيمة تتلخص في السير خلف المختل ترامب والاعتراف بالقدس “موحدة” باعتبارها عاصمة دولة إسرائيل. وهكذا نرى كيف يقومون بتدبير أمورهم بأقل تكلفة.. “أنت تعلم إلى أي حد نحن نحب اليهود، يا سيدي. لا علاقة لذلك بهتلر”.
فاشيون مثيرون.. من السهل أن نكون أفضل أصدقاء لليهود بعد أن نكون قد قتلنا مسبقا كل أولئك الذين كانوا يعيشون بين ظهرانهم. هذا يذكرني بما قاله لي صديق من فيينا وهو يضحك ضحكة صفراء:
” إن أكبر نجاحاتنا هو تمكننا من إقناع العالم بأن موزار نمساوي وبأن هتلر ألماني..”.
برنامج الحزب الليبرالي النمساوي يتضمن كذلك هذا الشرط المثير:
” الترخيص بتحديد مدة العمل في اثني عشرة ساعة”.
لماذا لا يتم فرض العبودية بشكل صريح؟
 زيادة على أن هذا ينم عن تناقض. من يقبل العمل لمدة اثني عشرة ساعة في اليوم غير المهاجرين؟ هؤلاء المهاجرين الذين لا يرغب فيهم الحزب الليبرالي النمساوي..
لاحظوا كيف أن اليمين المتطرف في البلدان المجاورة لم يعد وهاجا. قائد الفاشيين التشيكيين يحث شركاءه على “الذهاب برفقة خنزيرهم إلى نواحي المساجد”. هذا معروف، كل مواطن تشيكي يحترم نفسه نجده يملك خنزيرا صغيرا أليفا.. واللاجئون السوريون نسوا أن يحصلوا على واحد من هذه الخنازير في طريقهم إلى المنفى. (علي، كنت متأكدا من أننا نسينا شيئا).
من سيذكر هرج وفوضى المغاربة المقيمين بالخارج ( خادمكم، مثلا) محمول بالملقاط بين صفين من المعتوهين: الأصوليون وشركاؤهم الفاشيون.

 بقلم: فؤاد العروي

ترجمة: عبد العالي بركات

Related posts

Top