تاريخ الحروب.. -الحلقة 7-

تدفع الحرب الروسية – الأوكرانية التي تدور رحاها بأوروبا الشرقية، والتي أججت التوتر بين الغرب وموسكو وتنذر باتساع رقعتها نحو، ما وصفه مراقبون، “حرب عالمية ثالثة” لها تكاليف باهظة ليس على المنشئات والبنية التحتية فقط وإنما على مستوى الأرواح وعلى ملايين الناس الذين تنقلب حياتهم رأسا على عقب، إلى تقليب صفحات الماضي، لاستحضار ما دون من تفاصيل حروب طاحنة جرت خلال القرن الماضي، وبداية القرن الحالي.
في هويات متداخلة، كما في روسيا وأوكرانيا، لم يبق أحد خارج الحرب. انتهت الحروب وحفرت جراحا لا تندمل وعنفا لا ينسى. وفي هذه السلسلة، تعيد “بيان اليوم” النبش في حروب القرن الـ 20 والقرن الـ 21 الحالي، حيث نقدم، في كل حلقة، أبرز هذه المعارك وخسائرها وآثارها، وما آلت إليه مصائر الملايين إن لم نقل الملايير من الناس عبر العالم..

حرب الفيتنام الثانية.. حين قهر صمود الفيتناميين غطرسة الأمريكيين

تشبث الفيتناميين بالمقاومة

مع اشتداد المعارك بشمال فيتنام وجنوبها، عززت أمريكا حضورها العسكري من خلال قوات الحلفاء معها، والمكونة من أستراليا ونيوزيلاند وتايلند وكوريا الجنوبية والفلبين، في محاولة لتضييق الخناق على الثوار، وهو ما سيجعلهم يقدمون عرضا لشمال فيتنام، حيث عبرت هذه الدول عن استعدادها في 1966 للخروج من الحرب في حالة انسحاب الفيتنام الشمالية، لترد هذه الأخيرة بالرفض معلنة استمرار المقاومة.
ومع تزامن هذه الحرب، مع ما كان يعرف بـ “الحرب الباردة”، وجه الرئيس الامريكي جونسون دعوة لفيتنام الشمالية من أجل وقف دعم جبهة التحرير بالجنوب، كما وجه دعوة للزعيم السوفياتي كوسيغين من أجل الضغط على هانوي لتنهي الحرب حين التقيا في يونيو 1967، لكن محاولته لم تفلح.
قابلت أمريكا تشبث الفيتنام الشمالية بالمقاومة بمزيد من القصف العنيف على مدنها وعلى غاباتها وعلى أراضيها، حتى أن القصف غطى تراب الفيتنام الشمالية حتى وصل تقريبا إلى حدودها مع الصين، لكن ذلك لم يردع الثوار الذين واصلوا حرب العصابات والهجومات المضادة على القوات الأمريكية.
واعتمد الثوار الجنوبيون المدعومين من الشمال على استراتيجية المباغتة والقتال وسط الغابات وفي الجبال، ما كان يزيد من تعقيد مهام العسكر الأمريكي، وشنوا في 1968 ما عرف بهجوم “تيت”، وهو هجوم عبارة عن مجموعة من العمليات العسكرية الشديدة استهدف، من خلالها الثوار، ما يزيد عن 100 هدف حضري، واستطاعوا بذلك أن يتغلغلوا في الجنوب حتى بلغوا عاصمة الجنوب سايغون وهاجموا الأمريكيين هناك.
خلفت الحرب الدائرة في الفيتنام اثرا سلبيا على الولايات المتحدة الأمريكية في الداخل والخارج، كما أنها وبالرغم من تفوقها العسكري، إلا أن نفسية جنودها تضررت بشكل بليغ، خصوصا أمام صمود الثوار الفيتناميين، الذين وإن تكبدوا خسائر فادحة في أرواح رفاقهم إلا أن ذلك كان يزيدهم قوة وصمودا أمام القف العنيف.

بداية المفاوضات

نهاية مارس 1968 أعلن الرئيس جونسون وقف القصف الأميركي لشمال فيتنام، وبدأت المفاوضات بين الفيتناميين والأميركيين في باريس، قبل أن يفشل الرئيس الأمريكي جونسون في إعادة انتخابه نهاية السنة ويسلم المشعل لريتشارد نيكسون الذي سيأمر في 1969 بسحب أزيد من 25 ألف جندي أميركي من فيتنام، وسحب ما يزيد عن 65 ألفا نهاية تلك السنة.
ولم يؤدي الانسحاب الأمريكي وانطلاق المفاوضات في باريس بأي شكل من الأشكال إلى إيقاف الحرب التي استمرت بشكل قوي بين الجانبين، وحتى بعد وفاة الزعيم الشمالي “هوشي منه” رفض الثوار وقف المقاومة، متشبثين بضرورة الانسحاب الأمريكي الكامل كشرط أساسي لوقف إطلاق النار.
بدأت نهاية الحرب تلوح في الأفق مع نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، خصوصا بعد الأثر النفسي البليغ في نفوس الأمريكيين، الذين خرج الآلاف منهم في مظاهرات مكثفة بالشوارع للمطالبة بوقف الحرب الفيتنامية، خصوصا بعد كشف كبريات الصحف الأمريكية للممارسات التي وصفت بالبشعة وغير الإنسانية التي عامل بها الجيش الأميركي المواطنين الفيتناميين.
في يناير 1972، أعلن الرئيس نيكسون طبيعة المفاوضات الأميركية الفيتنامية وما قدمته الإدارة الأميركية بشكل سري للفيتناميين، كما كشف اللثام عن مخطط جديد للسلام مكون من ثماني نقاط بينها إجراء انتخابات رئاسية في الجزء الجنوبي من فيتنام، بالمقابل كانت فيتنام الشمالية تشترط ضرورة تنحي الرئيس الفيتنامي الجنوبي “تيو” عن السلطة كشرط أساسي للسلام، والامتناع عن تسليم الأسرى الأميركيين إلا بعد تنازل الولايات المتحدة عن مساندة حكومة سايغون.

هجوم كاسح وعودة القصف

مع اقتراب الحرب من وضع أوزارها، قامت فيتنام الشمالية في مارس من عام 1972 بهجوم كاسح نحو الجنوب داخل منطقة “كانغ تري” متجاوزة بذلك المنطقة المنزوعة السلاح، لترد أمريكا باستئناف القصف بشكل شديد على شمال البلاد.
وعلى إثر ذلك، بدأت المفاوضات السرية بين الطرفين، حيث اجتمع مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي بمندوب فيتنام الشمالية، للتباحث عن مخرج للحرب ينهي الصراع الذي امتد لما يزيد عن عقد من الزمن، لكن لجأت أمريكا إلى وسيلة للضغط على الفيتناميين، حيث عمدت إلى قصف شديد وعنيف نهاية 1972 للعاصمة هانوي وهايبونغ، فصبت طائرات بي52 نيرانها على المدينتين في قصف لم تعرف الحرب الفيتنامية نظيرا له طيلة مدة الحرب.

فضيحة “ووترغيت”.. ودخول الثوار العاصمة سايغون

في يناير 1973، توصل الطرفان إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ يوم 28 من الشهر نفسه، والذي بموجبه التزم الطرفان بوقف جميع أنواع العداء، وانسحاب القوات الأميركية من جنوب فيتنام خلال الشهرين التاليين للتوقيع، وإطلاق سراح الأسرى من الطرفين خلال 15 يوما من التوقيع، بالإضافة إلى الاعتراف بالمنطقة المنزوعة السلاح بين الشطرين على أنها مؤقتة لا أنها حدود سياسية، وكذا إنشاء لجنة دولية (مكونة من ممثلين عن كندا وهنغاريا وإندونيسيا وبولونيا) مكلفة بمراقبة تطبيق الاتفاق، كما سمح الاتفاق ببقاء 145 ألف جندي من شمال فيتنام في الجنوب،
ومع مغادرة آخر جندي أمريكي لأراضي فيتنام، تفجرت بالولايات المتحدة الأمريكية ما سمي حينها بفضيحة “ووترغيت” التي أجبرت الرئيس نيكسون على الاستقالة في غشت 1974 وجعلت أميركا غير قادرة على مساندة حكومة سايغون، لينتهز الثوار الفرصة، وشنوا هجوما كاسحا على الجنوب محتلين مدينة فيوك بنه في يناير 1975، وتابعوا هجومهم الكاسح الذي توج بدخول سايغون يوم 30 أبريل.

> إعداد: توفيق أمزيان

Related posts

Top