بالرغم من أن كل التقارير كانت تتحدث عن نية بل رغبة ملحة للمغرب، في احتضان كأس أفريقيا للأمم لسنة 2019، بل أكثر من ذلك اتخذت مجموعة من الإجراءات والتدابير الاستعجالية من أجل صيانة الملاعب المرشحة لاحتضان المباريات أو الخاصة بالتداريب، وأخبرت الأندية التي تنتمي للمدن بإمكانية إجراء مبارياتها خارج الملاعب المعنية بـ “الكان”، كما أن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة أعدت العدة تقنيا ولوجستيكيا لتغطية الحدث الهام.
كما أن وكلات الأسفار شرعت في حجز الفنادق، وغيرها من الخطوات الاستباقية التي كانت تفيد بأن ترشيح المغرب مسألة وقت فقط، والأكثر من ذلك هناك نية لدى الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) في منح شرف التنظيم لبلد يتوفر على كل المقومات والضمانات.
وبمجرد إعلان الاتحاد الإفريقي لكرة القدم في 30 نونبر المنصرم سحب تنظيم البطولة من الكاميرون على خلفية التأخر في إنجاز أعمال البنيات التحتية ومنشآت الملاعب والقلق من الوضع الأمني، اتجهت أنظار القارة نحو المغرب بصفته البلد المؤهل أكثر من غيره لاحتضان الدورة، بل هناك دول قوية لم تتجرأ على الترشح، لمعرفتها المسبقة بأن الدورة ستذهب للمغرب للاعتبارات التي ذكرناها سلفا.
إلا أن المفاجأة الكبرى التي هزت الرأي العام الإفريقي ومعه الرأي العربي والمغربي، تجلت في الإعلان عن عدم نية المغرب الترشح، ليفتح المجال مجددا أمام كل من مصر وجنوب إفريقيا من أجل نيل شرف التنظيم، بالرغم من أن الدولتين سبق لهما أن نظمتا هذه التظاهرة أكثر من مرة.
لن ندخل في حيثيات القرار أو أسباب نزوله، مادام الأمر -على ما يبدو- يتعلق بقرار سيادي يتعلق بمصالح عليا للدولة، خاصة إذا كان للأمر علاقة بقضيتنا الوطنية الأولى، وضرورة الحفاظ على الروابط المتينة التي تجمع المغرب بالكامرون البلد الحليف الذي لم يغير أبدا موقفه، ولم يساوم أبدا في دعمه للملكة، هذا إذا علمنا أن هناك من يدفع في اتجاه الإيقاع بين البلدين الصديقين والأكثر من ذلك تحمل المغرب مسؤولية سحب التنظيم من الكامرون.
إلا أن تصريف الموقف أو قرار عدم الترشح، جاء بطريقة غير حكيمة أو متوازنة، ولم تراعي فيه العديد من الجوانب التي تتماشى مع حضور المغرب على القارة ووزنه أعضائه وعلاقاته الرياضية وتأثيره القوى بدواليب الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، ولم يتم بحث طريقة الخروج الإعلامي، أو كيفية الإعلان عن الموقف الرسمي.
فعوض الخروج بتدوينة مقتضبة أو تصريح عابر، كان من الضروري إصدار بلاغ رسمي من طرف الوزارة لكون الأمر يهم سيادة دولة، بل كان من الأفيد تبني موقف الصمت الحكيم وعدم الترشح، دون الدخول في حيثيات وشروحات نحن في غنى عنها، خلفت ارتباكا واضحا من طرف الوزير الذي أخبر رسميا بالأمر، خاصة عندما أعلن أن المغرب غير جاهز لاحتضان “الكان”، وهو الذي كان مرشحا لاحتضان كأس العالم لسنة 2026، ونال من أجل ذلك نسبة ساحقة من أصوات القارة الإفريقية وصلت إلى 45 دولة، بالرغم من الضغوطات التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية.
الخلاصة أن القرار لا نقاش فيه إذا كان له علاقة بالمصالح العليا للوطن، لكن طريقة تصريفه وتدبيره كانت خاطئة مائة في المائة، ولم يظهر أي حكمة ولا رزانة في ذلك، بل أظهر نوعا من تصفية داخلية نحن غنى عنها…
محمد الروحلي