جيل جديد من المبدعين -الحلقة 2

كانت الأسماء الإبداعية في مختلف المجالات: القصة، الشعر، المسرح، التشكيل.. إلى غير ذلك، حتى وقت قريب، معدودة جدا، إلى حد أنه يمكن تذكر أسمائها دون عناء، بالنظر إلى أن الساحة الثقافية كانت لا تزال بكرا، إذا صح التعبير، غير أنه في العقدين الأخيرين على الأقل، تضاعف حضور المبدعين على اختلاف اتجاهاتهم.
في هذه السلسلة، تفتح جريدة بيان اليوم، على امتداد الشهر الأبرك، نافذة للإطلالة على عوالم الأسماء البارزة الممثلة للجيل الجديد، وللإصغاء إلى انشغالاتها وطموحاتها.

القاص توفيق بوشري: لا غنى لنا اليوم عن التواصل الرقمي وإن كانت لي معه علاقة متوترة 

للقاص المغربي توفيق بوشري ديوان شعري بعنوان “كأن ابتسامتك شيء خارق” صدر سنة 2021، كما له مجموعة نصوص زجلية بعنوان “الحب المرفوع”، ومجموعة قصص قصيرة جدا، بعنوان “دينوغرافيا”، وقد طبع هذان العملان الأخيران معا في فاس سنة 2019. وله كذلك رواية بعنوان “نتألم أفضل بالحب” كان قد نال عنها جائزة عربية.
توفيق بوشري نشيط في الكتابة القصصية على الخصوص، حيث يواظب على نشر نصوصه في العديد من المنابر الإعلامية الإلكترونية والورقية، وحظيت بعض هذه النصوص بتتويج من لدن لجان تحكيم المسابقات في هذا الجنس الإبداعي.
يحاول من خلال هذا الإنتاج – كما يقول- إعادة قراءة لمفاهيم الحب والسعادة والعلاقات الإنسانية.

< كيف انخرطت في مجال الإبداع؟
> لست متأكدا من أني انخرطت حقا في مجال الإبداع بشكل يجعل مني كاتبا بمعايير معينة. لدي شك متواصل في أنني مجرد هاو مهدد في أي لحظة في التحول إلى أي شيء حتى لا أقول أي مجال. حتى أننا في مجال قد ينتج فيه شخص لا يعتبر نفسه مبدعا شيئا خلاقا، ربما لا يستطيع محترف أن يأتي به ولو توالت أعماله وتطورت. مجال الإبداع مفتوح وأقصد بهذا القول أنه ليس خاصا بمن يعلن بطريقة ما انخراطه فيه. بالتأكيد هناك ما يربطني به أوليا؛ إنها لحظة اكتشاف الإبداع من خلال قراءاتي وأنا مراهق أو قبل ذلك بقليل. بدأت أحاكي الشعر والحكايات وأتمثلها لكي أنتج نصوصا اعتبرتها نوعا من الخروج عن مألوف الأقران ورقيا يوازي الخلود والتميز والفهم الجيد للحياة مبدئيا. وعند فوزي بجائزة في مرحلة الثانوي بدأت أحلم بأن أكون كاتبا، الرؤية لدي كانت مشوشة كثيرا، لم أميز بين مجد الإبداع من جهة وكون الكتابة اختيارا لا يجلب مجد الحياة!

< ما هي أهم أعمالك الإبداعية؟
> سؤال صعب ومشوش، كلما كتبت عملا جديدا تنتابني هواجس سيئة في شأن السابق، خاصة إذا كان العمل الجديد مختلفا أسلوبا وأفكارا.
سنة 2021، صدر لي كتاب شعري بعنوان “كأن ابتسامتك شيء خارق”، وذلك عن دار ديوان العرب للنشر والتوزيع بمصر.
وفي المغرب، كان آخر ما أصدرته هو ديوان زجل، بعنوان “الحب المرفوع”، ومجموعة قصص قصيرة جدا، بعنوان “دينوغرافيا”، وقد طبع هذان العملان الأخيران في فاس سنة 2019.
أيضا هناك محاولة روائية صدرت لي بمصر بعد أن فازت في مسابقة أدبية، غير أنني ما زلت لم أمسك بها بين يدي ورقيا وإنما أتأملها فحسب في صيغتها الإلكترونية، المحاولة الروائية تحمل عنوان “نتألم أفضل بالحب”.

< ما هي الرسالة التي تحملها هذه الأعمال؟
> تكاد كلها تراهن على إعادة قراءة لمفاهيم الحب والسعادة والعلاقات الإنسانية ورصد صور لزعزعة تمثلنا لها تفكيرا واستمتاعا سرديا. إلى جانب السخرية من الوضع المزري الذي نعيشه سواء كعرب أو مسلمين أو مغاربة على جميع الأصعدة، وسخرية من الذات التي لا تجرب الخروج من الروتين والجرأة على خرق التفاصيل واجتثات معنى ما منها. هناك تأثير كبير للفلسفة على هذه المحاولات بحكم تخصصي الدراسي.

< ما هي الأعمال الأدبية التي كان لها أثر على تجربتك الإبداعية؟
> أول الأثر وأول تشكيل لشخصيتي كعاشق للقراءة والكتابة منحني إياه مصطفى لطفي المنفلوطي من خلال أعماله الخالدات الكلاسيكيات: النظرات، ماجدولين أو تحت أشجار الزيزفون.. أيضا لا يمكن أن أنسى مجلة العربي ومجلات أخرى مصرية وليبية، كنت أجدها في دكاني جدي وعمي. صفحات ثقافية لجرائد مغربية، تأثرت كذلك بأعمال روائية مترجمة، أول عمل اطلعت عليه منها؛ رواية “الفهد” وهي رواية وحيدة لأمير إيطالي جوزيبي طومازي.. بعض روايات الجيب البسيطة، ولم أكن أهمل حتى الموجهة للفتيات تلك الغرامية المستفزة. مسرحيات توفيق الحكيم، أذكر جيدا “أهل الكهف” التي كانت شاقة جدا علي في بدايات قراءاتي. تباعا تأثرت بالعديد من الكتابات على مستوى التجارب الشعرية والزجلية والقصصية، وذلك بشكل يفوق الرواية بالنسبة لي. كلما كان العمل موجزا مكثفا نسبيا، كلما كان مخزنا زاخرا للمعاني وحاثا على الاستخراج والتفكير والإلهام والاستلهام.

< هل يمكن الحديث عن منحى تجريبي في إنتاجك الإبداعي؟
> مازال لدي لبس كبير في فهم التجريب وبالتحديد على مستوى السرد القصصي، ولعل هذا ما دفع يوما ما الدكتور عبد الرحيم جيران إلى اعتباره مغامرة في الكتابة لم تحظ بما يكفي من المقاربة المعرفية. أعتقد أن الكتابة القصصية لا يمكن أن تخرج عن تأثرها العام بمحيطها، سواء المحلي أو العالمي على جميع الأصعدة، والأدهى هو أن هذا المحيط يزداد تعقيدا ويتطور بتسارع كبير وفي إطار تداخل خطير يخلق هوة وتقاربا عجيبين غريبين بين الكاتب في بعده الجواني المحلي وبعده الكوني الإنساني، وبينهما بعده الآخري أو الغيري، متمثلا في إبداع عالمي. التجريب في اعتقادي وارتباطا بالكتابة هو استثمار دون إنكار أو إقبار للسرد التقليدي، لهذا أومن بلحظة الكتابة وما تفرضه خارج حسابات قسرية لتجريب تعسفي. أحاول فحسب تنويع كتاباتي وصنع أسلوبي باستمرار مهما يكن المنحى. إنها تجربة شبيهة بتجربة الموسيقار الفرنسي إريك ساتي؛ غير قابلة للتصنيف، هذا ليس تميزا ولكن يفرضه الإبداع بما هو إبداع.

< كيف هي علاقتك بالتواصل الرقمي؟
> كأي شيء لم نصنعه بأيدينا وليس لدينا مسافة وعي كافية تجعلنا نعيش بإزائه معرفة وحكمة بالمعنى التدبيري، ولا أدل على هذا، كون الجميع عاش تجارب ساخرة عند بداية استعمال ممكنات هذا التواصل الخلاق والغاشم في نفس الوقت. أحاول أن أكون إيجابيا وألا أكون مجرد تجربة شخصية عابرة بقدر ما أعبر عن حضور عابر للأنا، باحث عن صوره في الغير بغية الانسجام والمحبة وتبادل ما يمكن أن يصنعنا ويلهمنا باستمرار، طبعا هذا يصطدم بطبيعتنا وثقافتنا التي تريد جعل كل إمكانية نموذجا مغلقا، مثل أخويات النقد وضوابط مجموعات الإبداع وشروطها وغير ذلك مما يتجاوز طلب الحرية إلى تقييدها والحرص على نمط معين من الحرية، ليس لتسييج الفوضى ولكن للحفاظ على ما نعتقده صوابا.. الخلاصة لا غنى لنا اليوم عن التواصل الرقمي ولكنها بالنسبة لي مازالت علاقة متوترة وسيئة وأحيانا أنانية وبلا معنى.. لكني أحاول أن أتجاوز أمراضي الخاصة وأشفى على يد الغير الذي يمكن أن يمنحنا الحكمة ويعلمنا أن نصنع مثله وأن نكتب ما أمكن من أجل الحياة والحب والتخلص من عقد الحرمان وفقر النفس واحتقار الأدب وتبخيس القراءة ورقي المعاني والرهانات.

< هل يمكن الحديث عن منعطف جديد في التجربة الإبداعية للجيل الحالي؟
– هناك محاولات جادة لخلق هوية سردية متجددة، وهذا ينطبق على مختلف الأصناف الأدبية الأخرى، ولا أدل على هذا من محاولات التجريب المستمرة رغم الصعوبات وغياب النقد، اللهم القراءات الأخوية التي تأبى إلا أن تكرس محسوبيات مفرغة من كل رغبة في مواكبة ما يُنتَج وتطويره بحفز مستجده وتقييم استلهام قديمه، في الزجل هناك ثورة حقيقية غير محتفى بها بتاتا، في القصة القصيرة هناك نفس جديد للقصة الكلاسيكية ولغة باعثة لها وهناك سرود متشظية مبدعة وخارج المألوف.. هل يمكن تسمية ما ينطبق عليه ما قلته بأنه منعطف جديد؟ ما يهم هو وجود محاولات ولكنها في غياب الاحتفاء والرعاية والاهتمام وخلق قنوات بينها وبين المشهد الثقافي العام بل وخلق هذا المشهد نفسه ستظل متفرقة ومشتتة ولا تمثل ثورة مكتملة أو توجها يتكئ على تراكم محترم.

< ما هي مشاريعك الإبداعية القادمة؟
>بكل صراحة، أنا أكتب فحسب، أسير وراء الكتابة أنتظر ما تجود به علي، أحاول أحيانا أن أنجز عملا متكاملا ولكني قد أفشل تماما وأعود إلى الاجتراح العشوائي، نص هنا، وآخر هناك، زجل غير مكتمل.. قصص بلا نهايات، محاولات شعرية تحتاج إلى نزيف أكثر.. وسط هذا القلق، أنا في انتظار نشر عمل في مصر هو بمثابة مشروع ظل طي الكتمان منذ 2017 تقريبا، عبارة عن نصوص قصيرة جدا تتناول ثيمة محمود درويش شاعرا وفلسطينيا وإنسانا. في كثير من الأحيان أفكر حقا في ترك كل هذا والبحث عن مشروع غير إبداعي بتاتا نكاية في موت كل شيء وصعوبة التنفس كتابة.

> إعداد: عبد العالي بركات

Related posts

Top